مصابون بكل الأمراض ويفتقدون الدفء والاهتمام

دار العجزة لمسنين نبذهم المجتمع

الثلاثاء 07 نونبر 2006 - 14:36
يعيش المسن داخل

أظهر نزلاء "دار العجزة" بعين الشق، حيوية ونشاطا غير عاديين يوم 29 أكتوبر المنصرم، حين زار وفد طبي الدار، فقد استعدوا لاستقبال الوفد بارتداء أحسن اللباس، في اليوم ذاته زارت الدار فوزية امنصار، عامل عمالة عين الشق

التي اطلعت على وضعية المركز قبل الشروع في توسيع مرافقه التي أصبحت قوتها الاستيعابية لا تلبي حاجيات النزلاء قالت هند حنين، رئيسة قسم العمل الاجتماعي بعمالة مقاطعة عين الشق، في تصريح لـ "المغربية" إن إعادة تهيئة "دار العجزة" بعين الشق الدار البيضاء تندرج في إطار برنامج محاربة الهشاشة والتهميش لسنة 2006، ورصد لعملية التهيئة، مبلغ مالي قدر بمليون و500 ألف درهم وصودق على المشروع، الذي ستستغرق أشغاله ستة أشهر، في إطار اللجنة الجهوية لمدينة الدار البيضاء وأوضحت رئيسة العمل الاجتماعي بعمالة مقاطعة عين الشق، أن "المشروع سيعزل جناح الرجال عن جناح النساء، وستضاف أجنحة أخرى لتلبية حاجيات النزلاء، كما ستجري توسعة مرافق أخرى، كالمطبخ والحمام« التي توفر الشروط الصحية، وسلامة النزلاء ويعاني النزلاء في فصل الشتاء، من البرد والتساقطات المطرية، التي تعيق تنقلهم إلى المرافق الصحية لقضاء أغراضهم الشخصية.

وأفاد محمد جبران، مدير "دار العجزة" عين الشق،"المغربية" أن المركز يؤوي حاليا 72 نزيلا ، وبذلك فهو يعاني الاكتظاظ، ذلك لأن عدد النزلاء تجاوز الطاقة الاستيعابية للدار«، وقال »نحن بصدد توسيع المركز من أجل توفير المساحة اللازمة للنزلاء

وأشار محمد جبران، إلى أن المركز يضم نزلاء، لهم أسر تستطيع التكفل بأقاربها النزلاء، إلا أن هذه الأسر، تعمدت عدم الإدلاء بعناوينها، حتى نتمكن من الاتصال بها وأوضح أنه »يعيش في دار العجزة مسنون، أحضرهم بعض أفراد أسرهم، ولم يكلفوا أنفسهم زيارتهم ولو مرة واحدة، وكأن المأوى حل أبدي لهذه الحالات، أو ملجأ للمسنين المنبوذين من طرف أبنائهم

وقال متحسرا »توجد عدة حالات لآباء أتى بهم أبناؤهم إلى هذه الدار، وتناسوهم كما تناسوا مفهوم البر والإحسان بالوالدين، والمؤلم أن هؤلاء الأبناء ينعمون بحياة رغدة في منازلهم، بينما يعيش هؤلاء الآباء، الذين ضحوا من أجل تربيتهم وتوفير الراحة لهم، مع الغرباء

وذكر مدير »دار العجزة« أن وزارة الصحة تسهر على الشؤون الصحية للنزلاء، كما تتكفل الجمعية الخيرية الإسلامية لعين الشق بتغذيتهم ويستفيد المركز من تبرعات المحسنين الذين يساهمون بشكل فعال في توفير جل المواد الاستهلاكية وبعض المواد الأساسية

وقال محمد جبران إنه منذ تسلمه مهامه في المركز، حاول التخفيف من معاناة النزلاء، وذلك عبر تجهيز الأجنحة بمكيفات الهواء، وتقديم مواد غذائية صحية غنية، تناسب سن النزلاء ووضعهم الصحي وأشار إلى عدم التفاهم والمشاداة الكلامية اليومية بين النزلاء، الذين يتفاوتون في أعمارهم، موضحا أنه يجد في تقديم برامج ترفيهية يومية ومتنوعة، الحل للنزاعات التي تنشب في بعض الأجنحة وتوجد في المركز خمس فتيات يعانين من أمراض نفسية، نقلوا من مركز الفتيات مولاي إدريس، نظرا لمشاكل كانت تثار بينهن وبين باقي الفتيات، وينتظر أن يجري تنقيلهم إلى مراكز متخصصة في معالجة الأمراض النفسية

يسمح لبعض النزلاء بمغادرة المركز من أجل زيارة أقاربهم والعودة بعد ذلك، وقال أحد النزلاء الذي كان يمارس مهنة التدريس، وكان متوجها لزيارة أبنائه وزوجته في منطقة درب السلطان، والعودة للمركز »أحتاج من حين لآخر للدفء العائلي، فأنا لا أنعم بزيارة أهلي، لأنهم تخلوا عني، وأشعر بأنهم يهمشونني وهمس أحد النزلاء لـ »المغربية« قائلا »إنه من جنى على نفسه، وألقى بها في هذه الوضعية المزرية التي يعيشها حاليا، إذ طرد من سلك التعليم بسبب غيابه المتكرر، وتناوله الكحول، الذي مازال سببا في تشنج علاقته مع النزلاء وبرر عاطف السريدي، إقامته في هذه المؤسسة الاجتماعية منذ ثلاث سنوات، بالمرض، إذ أنه يعاني من قصور الكلي، وقدم إلى مدينة الدار البيضاء لتصفية الدم، ولأن ظروفه المادية والصحية، لا تسمح له بالتنقل ثلاث مرات في الأسبوع، بين مدينتي بني ملال والدار البيضاء، ارتأى الإقامة بهذا المركز

يربط عاطف السريدي علاقات صداقة مع باقي النزلاء الذين يعيشون معه رغم فارق السن والمستويات الدراسية، إذ أنه حاصل على شهادة الإجازة في اللغة الفرنسية، وتعد أخبار كرة القدم، والموسيقى القاسم المشترك الذي يجمعهم وحاول مساعدة نفسه بإعطاء دروس خصوصية في اللغة الفرنسية، إلا أن المرض يحول دون ذلك وفكرت ف/ت في اللجوء للمركز، بسبب الإعاقة التي تعانيها منذ ولادتها، وقالت »صرت أرى النور بفضل الصديقات اللواتي يعشن معي، وأمضي يومي في مشاركتهن الحديث عن الماضي، وعن أحلام لم تحق،

وتحس ف/ت بالتهميش من طرف إخوتها الذين أسسوا أسرهم وبقيت وحدها مع أبوين مسنين لا يستطيعان التكفل بها وتبدو جميلة في لباسها التقليدي، ووجهها البشوش ولباقة حديثها، إلا أنها تعاني فقدان البصر منذ ولادتها، ما حرمها التمتع بنور الكون، كما حرمها من الزواج وتكوين أسرة كباقي إخوتها وترى أن المركز هو مكان لإقامة دائمة يمكنها من الاستفادة من مساعدات عند تقدم سنها

واستفاد القاطنون بـ »دار العجزة« لعين الشق يوم 29 أكتوبر من فحوصات طبية، وتلقيحات ضد الزكام، باشرها وفد طبي من مستشفى محمد السقاط، بتنسيق مع أعضاء من جمعية سلام للأعمال الاجتماعية لعمالة عين الشق وقال مصطفى الودغيري, طبيب مختص في أمراض المسنين، في تصريح لـ "المغربية" أنجزنا فحوصات طبية لصالح عجزة المركز، الذين يقدر عددهم بـ 39 شخصا، يتجاوز سنهم الستين، ووجدنا ضمنهم 9 حالات تعاني مرض الزهايمر، والمريض الذي يعاني هذا الداء في حالته المتقدمة، يعتمد على أشخاص آخرين في قضاء أغراضه الخاصة كالأكل والشرب وأضاف مصطفى الودغيري أن 6 نزلاء مسنين، يعانون الضغط الدموي، وحالتين تعانيان داء السكري، ويواجه اثنان منهم مرض السرطان كما سجل الفريق الطبي نسبة عالية في مرض المياه البيضاء والمفاصل

ويثير الانتباه، حالة المسنين الذين لا يستطيعون الكلام، ولا يشعرون بما يدور حولهم، نظرا لمعاناتهم من مرض عقلي، أو نفسي، وتبقى الموسيقى الأنيس الوحيد في دنيا العزلة، ينتظرون بفارغ الصبر، الوقت الذي يقدم فيه المركز الأغاني الموسيقية، ومنهم من يردد قطعا موسيقية بشكل مضبوط كأنهم تمرسوا في مؤسسات لتعلم هذا الفن




تابعونا على فيسبوك