عائشة الدتسولي

التدهور البيئي ناتج عن الاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية

الإثنين 16 أكتوبر 2006 - 10:59
عائشة الدتسولي

قالت عائشة الدتسولي، أستاذة بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، في حوار أجرته معها "الصحراء المغربية" إنه رغم المجهودات المبذولة على مستوى الحكومات، فإنه مازال هناك الكثير مما تحتم الضرورة اتخاذه من خطوات.

في إشارة منها إلى ضرورة تنفيذ الإجراءات المستعجلة والواقعية، للحفاظ على البيئة وجعل التقدم الاقتصادي والمحافظة على البيئة هدفا واحدا، خصوصا وأن دول الجنوب تحس أكثر بهذا الانشقاق الايكولوجي، والمغرب معني مباشرة بما يجري عالميا.

واعتبرت عضو المكتب التنفيذي لحزب البيئة والتنمية، أن النفايات المنزلية تشكل تهديدا حقيقيا للبيئة، مشيرة إلى صعوبة التخلص منها، وإلى تكلفتها التي تتطلب صرف 10 ملايير أورو في مدينة الدارالبيضاء وحدها، مضيفة أن أغلب هذه النفايات تلقى في مطارح عشوائية غير مراقبة، أو مباشرة في المجال الطبيعي، وذلك لانعدام الوعي والإحساس بخطورة هذه المطارح على صحة الإنسان والحيوان والنبات من جهة، ولغياب مطارح أزبال منظمة ومدروسة من جهة أخرى.

٭ هناك إجماع على أن مشكلة البيئة موضوع مطروح دوليا، نتيجة الاعتداء المستمر على البيئة من قبل المجتمعات البشرية أين تصنفون المغرب بين الدول التي تعاني التأثيرات السلبية للإساءة للبيئة؟

ـ التساؤلات المطروحة حول البيئة والمشاكل الإيكولوجية، بدأت تلفت أنظار العالم أكثر فأكثر، خاصة وهو يعيش في حقبة اكتشف فيها الإنسان أن ما حققه من تطورفي مختلف المجالات، يجري في غياب الرزانة والعقلانية، إذ كان همه الأول والوحيد بعد ازدهار الصناعة الغربية، هو تحقيق الربح على حساب كرامة المجتمع و صيانة الإنسان.

فالمؤتمرات الدولية حول البيئة والتنمية المستدامة منذ استوكهولم 1972 إلى اليوم، كلها تؤكد على أن المشكلة تطرح بحدة على المجتمع الدولي، وأن التخوفات المتزايدة بدأت تهم كل المسؤولين والمفكرين والباحثين العلميين والاقتصاديين والسياسيين، الذين وجب عليهم فتح باب الحوار و التشاور و التعاون حسب استراتيجية واضحة وواقعية.

وأصبحت المشاكل البيئية والتدهور الايكولوجي، حقيقة مرة لا مفر منها، تهدد حياة الإنسان في الحاضر والمستقبل، خاصة إذا لم يراجع تصرفاته، ويتخلى عن تصرفاته المضرة بالمجال الطبيعي.

ولو كان الإنسان يحترم بجدية التعليمات والتوجيهات الدينية والإسلامية حول البيئة واحترام خلق الكون بجميع مكوناته، لاستطاع أن يتحرر من كثير من العوامل والأسباب المضرة به.

إن التدهور البيئي الناتج عن الاستغلال العشوائي والمتزايد للموارد الطبيعية، وتلوث الماء والهواء والتربة، بسبب التصرفات غير القانونية واللاعقلانية في ميدان الزراعة والصناعة، مسؤولة عن الحالة الاقتصادية و الاجتماعية المتدهورة والفقر المذقع، وتدني الحالة الصحية والمعنوية للمواطنين على جميع المستويات، خاصة في الدول النامية أو السائرة في طريق النمو.

إنه من الضروري والحاسم، أن تتخذ الإجراءات المستعجلة و الواقعية، للحفاظ على البيئة و جعل التقدم الاقتصادي و المحافظة على البيئة هدفا واحدا.

فإذا كانت دول الشمال المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا، تشتكي وتتخوف من الحالة البيئية الدرامية، فإن دول الجنوب تحس بهذا الانشقاق الإيكولوجي أكثر عمقا، وبلدنا معني مباشرة بما يجري عالميا.

فإذا كان المغرب يصنف في المرتبة 128 من حيث مشاكل الفقر والتنمية، فيجب التوضيح أن المشاكل البيئية التي تعرفها بلادنا، مسؤولة بأكثر من 70 في المائة على هذا الوضع، وهذا راجع إلى عدة عوامل منها ما هو طبيعي ومنها ما هو موضوعي.

و الآن أكثر من أي وقت مضى، مهم أن يفهم مواطنونا، العلاقة الوطيدة الموجودة بين البيئة والتنمية، وأن مشاكل الفقر والبطالة و الصحة، متعلقة بالتدهور البيئي، وأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة، لا يمكنها أن تكون في غياب استراتيجية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الإنسان كمحور أساسي، تصون كرامته وتعلي معنوياته بمنحه التعليم الشامل والمفيد، والصحة الجيدة والسكن اللائق، والحق في الشغل والمساهمة في التنمية في إطار بيئة سليمة.

عندما نعلم بأن التدهور البيئي بشتى أشكاله، يستهلك ما يقارب 7 مرات ميزانية وزارة الصحة، وأن 2 مليار درهم سنويا تضيع بسبب التدهور البيئي، منها ضياع 20 ألف هكتار سنويا من الأراضي بسبب التصحر و 30 ألف هكتار من الغابات المدمرة، فهذا يستدعينا إلى دق أجراس الخطر، و التحسيس بضرورة الدراسة الجيدة و الموضوعية لهذا الملف، و الرفع من الميزانية المخصصة لوزارة البيئة، وفهم النضال من أجل إرجاع كتابة الدولة عوض المصلحة المختصة الموجودة حاليا.

٭ هل تعتبرون السكن العشوائي مصدر من مصادر تلوث البيئة؟ وكيف ذلك؟

ـ في هذا الصدد يجدر بنا أن نفهم أولا كيف ظهر السكن العشوائي، أو أحياء الصفيح الهامشية.

فهذه الأخيرة تكاثرت بضواحي مدننا في السنوات الأخيرة، نتجت عن عوامل عدة، منها تدني المستوى المعيشي للسكان، والنمو الديمغرافي الضاغط، والهجرة القروية
أما تدني المستوى المعيشي للسكان، فهو ناتج عن الأزمة الاقتصادية التي عرفتها بلادنا جراء برنامج التقويم الهيكلي الذي طبق في الثمانينات، على إثر النمو الديمغرافي الفادح الناتج عن عدم نجاعة استراتيجية التخطيط العائلي، والمتعلقة بمشاكل الأمية وعدم التمدرس، هذا الضغط الديمغرافي الذي أثر بدوره في البادية على الموارد الطبيعية والتي أصبحت مستغلة بطريقة متزايدة و متفاقمة.

كما أن سوء استعمال الأسمدة والمبيدات، التي ألحقت بالأراضي الفلاحية أضرارا متعددة، إضافة إلى قلة الماء ومشاكل الجفاف، وما تتسبب فيه القروض الفلاحية من آثار سلبية، وعدم توفر التجهيزات الضرورية، التعليمية منها والصحية، كل ذلك ساهم في تشجيع الهجرة القروية واستقرار السكان المهاجرين بضواحي المدن بطريقة عشوائية انتقالية، أصبحت نهائية بخلق مدن الصفيح.

وأشير إلى أن هناك مدنا لم تبن وفق مخطط تنظيمي مطابق للقوانين المعترف بها في تهييء وإعداد التراب الوطني، وأحياء لا تتوفرعلى التجهيزات الضرورية، الاجتماعية والصحية، وانعدام الماء، وصرف المياه، والكهرباء، وأبسط وسائل العيش الكريم، تتسبب في خلق جو ملوث، مرضي، يهدد صحة وحياة و كرامة المواطن، ويجعل من هذه التجمعات، التي غالبا ما تبنى قريبة من المصانع ومطارح المزابل، مصادر قوية للتلوث، تضر بقاطنيها و تزيدهم الفقر فقرا والمرض مرضا، واليأس يأسا، تتسم بمظاهر الانحراف والإجرام والعنف المعبر عن الاستياء والتلوث الفكري والثقافي والاجتماعي.

٭ هل أنتم راضون عن عمل الحكومة الحالية في مجال البيئة؟

ـ لكل حكومة برنامجها السياسي، تنهجه إما وفق ما عبرت عنه تصورات العناصر المكونة لها، أو وفق ما تمليه شروط موضوعية ترتبط بأولويات واكراهات تواجهها للأسف، هناك تراجع خطير في مجال الاهتمام بالبيئة، خاصة بعد عدم تخصيص وزارة أو حتى كتابة دولة مكلفة بالبيئة.

فالمديرية المكلفة بالبيئة حاليا، ومن خلال بعض المحاولات التي تقدم عليها من أجل التحسيس بأهمية البيئة تبقى ضعيفة ومحتشمة.

إذ رغم وجود تشريعات في مجال البيئة وعلى قلتها، إلا أنها تبقى في الرفوف في انتظار صدور المراسيم التطبيقية.

كما نأسف كثيرا لغياب الإرادة السياسية الواضحة للاهتمام بالبيئة بمفهومها الشامل والمرتبطة بصحة وسلامة الإنسان انطلاقا من توفير البيئة السليمة و الماء العذب، و الهواء النقي، وصولا إلى بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية سليمة.

٭ كيف تنظرون في حزب البيئة والتنمية إلى هذه المشاكل البيئية؟ وما هي مبادراتكم في الميدان؟ وهل هناك شراكة مع تنظيمات أخرى لوضع خطة عمل تكافح التلوث؟

ـ بصفتنا حزبا سياسيا هدفه الأساسي والدستوري هو تأطير وتنظيم المواطنين، وتوعيتهم وتربيتهم على المواطنة و حب الوطن،و بما أننا نؤمن بأن مشكلة البيئة، هي مشكلة الجميع، وتتجاوز أي منطق حزبي أوسياسي، فإننا على اتصال يومي ودائم مع المواطنين لتحسيسهم بمخاطر البيئة، وبضرورة زرع ثقافة الحفاظ عليها ومقاومة مخاطرها، سواء من خلال فروعنا الحزبية في مختلف المدن والقرى والمداشر، أو من خلال الندوات العلمية والتأطيرية التي نعقدها، سواء على مستوى المكتب المركزي أوالمكاتب الأخرى، مرورا بالمؤتمرات الإقليمية والجهوية، حيث يقدم الحزب من خلال تدخلات مناضليه، حسب كل حالة أو كل قرية أومدينة جردا للمشاكل البيئية و مشاريع الحلول.

و قناعة منا بالدور الهام الذي تقوم به الجمعيات العاملة في مجال البيئة والتنمية على الصعيد الوطني، فإننا انخرطنا في إطار اتفاقية شراكة وتعاون مع العديد منها في أفق وضع برامج و خطط مشتركة، دون أن ننسى العلاقات المتميزة التي تربطنا كحزب مع بعض أحزاب الخضر بأوروبا والمنظمات غيرالحكومية.

٭ هل تعتبرون أن برنامج تنقية الهواء الذي أعطيت انطلاقته السنة الجارية في الدارالبيضاء والمحمدية،عملا كافيا للحد من تلوث الهواء؟

ـ لا يمكن لنا كحزب إلا أن نثمن أية مبادرة تتوخى الحد من التلوث، إلا أننا لدينا تصورات علمية، ترتبط بتربية المواطن تربية تجعله يكتسب ثقافة الحفاظ على البيئة وتجعل المؤسسات العمومية والمنتخبة تهتم أكثر بهذا المجال، بل وتدفع بالقطاع الخاص للاستثمار فيه، لما يمكن له في آن واحد أن يذر أرباحا مادية وأخرى معنوية وإنسانية.




تابعونا على فيسبوك