مؤسسة الزواج

أقفاص من ذهب وأخرى من حديد

السبت 02 شتنبر 2006 - 10:37

تعرف بورصة الزواج في فصل الصيف، الذي نعيش أيامه الأخيرة، رواجا مضطردا، ويربط كثيرون ارتفاع وتيرة الزواج في هذه الفترة بعودة المهاجرين المغاربة القاطنين بالخارج إلى أرض الوطن، لصلة الرحم، وزيارة الأهل والأحباب، وتكون عادة هذه الفرصة سانحة لمشاركة أسرهم وأق

ومساعدتهم إن اقتضى الحال على تكاليف العرس، التي تتجاوز عادة الكفاية المالية للأسر، وقد يكون المهاجر نفسه هو المعني بالزواج، بعدما لم يستطع أن يجد ذاته ومن يعينه على مشاغل الحياة في ديار الغربة، رغم أن هذه النوعية من الزواج تبقى نادرة لدى الجيل الثاني من أبناء الجالية المغربية
وكيفما كان الحال، فالحديث عن الزواج في الوقت الراهن، مسكون بعدة استفهامات واستغرابات ساعد على تناميها التراجع المهول لنسبة الزواج، بالنظر لما كان عليه الأمر في الماضي، بسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية محضة، مما يجعل فعل الزواج يوازيه بشكل روتيني تساؤل على مستوى القدرة المالية والوضعية الاجتماعية للزوج، ومما يجعل مؤسسة الزواج تتوزع إلى نوعين، أحدهما عبارة عن قفص ذهبي، والثاني يسقط في قضبان من حديد
وزاد سوء فهم مدونة الأسرة الجديدة كذلك، من إرباك عدة مشاريع زواج حديثة، فالتردد وطغيان الشك وسوء النية وعدم ضبط المفاهيم، تسبب لدى بعض الحالات في هشاشة بنيان الثقة، الذي من نتائجه عدم استكمال الزواج أو وقوفه في أشهره الأولى، لركوب الزوجين قطار متاهات الطلاق الذي أصبحت محطاته متعددة ومتشابكة
إن الزواج الذي يكون مرهونا في كل مرة بالطلاق، يعني أن هذا البناء لا يخضع باستمرار لعملية الترميم والإصلاح وإعادة بناء الثقة، ومحاولة تذويب الخلافات كيفما كانت حدتها في إطار »ما من مشكل إلا وله حل«، وأنه ما دامت العلاقة المشكلة لمؤسسة الزواج إنسانية بالأساس، فهامش الخطأ ممكن في أي لحظة وبالتالي، فاعتماد مقاربات تنبني على الحوار والمصارحة من شأنها أن تهد جبال المشاكل وتجعلها أرض مستوية، بدون عراقيل ولا مثبطات
فاعتبار الزواج مؤسسة، يقتضي أن تخضع لسياسة بناءة في تدبير أمورها ومعالجة أخطائها داخليا وتوسيع آفاقها الاقتصادية والاجتماعية، أما اللجوء إلى الطلاق للهروب من المشاكل، فهذا يعني أن هذه المؤسسة لا تخضع للتقويم والتقييم، وفي أول وأعوص المشاكل تنهار وتستسلم لزلات اللسان وحديث الأعصاب الذي يكون غير عقلاني ولا يستند إلى أي منطق، ويتمخض عن نتائج وخيمة يتأثر بها أساسا أبناء الطلاق نفسيا واجتماعيا واقتصاديا
ولعل الكثير من الحالات المطروحة على أنظار المحاكم يمكن اعتبار رهاناتها على الطلاق رهانات خاطئة، لأنها في الغالب، محكومة بنزوات شخصية وبتعصب في الرأي وبغياب الصراحة والاعتراف بالخطأ، وعدم النضج في كيفية تدبير الاختلاف وهو نطفة قبل أن يتحول إلى أمر واقع تتحكم فيه بشكل كبير الأطراف الخارجية أكثر من أصحاب المشكل ذاتهم
ومن هنا، فالفلسفة التي جاءت على أساسها مدونة الأسرة الجديدة، ليس لدعم المرأة على حساب الرجل كما يريد البعض أن يروج لذلك، إنما أتت بمفهوم جديد لمؤسسة الزواج، تعتبر هذه المؤسسة، بناء قائم الذات لا يمكن أن تهزه الأهواء والنزوات، وأبرزت ذلك من خلال الشروط الأولية لعقد القران التي تعطي لكل من الزوجين قيمتهما المعنوية وللشراكة بينهما بعدها الروحي، وبالتالي وضعت المدونة شروطا موضوعية تحسس فيها أن الإقدام على فسخ هذه الأصلة، هو بمثابة تهديم بنيان، يجب أن يتوفر الراغب أو الراغبة في نسف هذا الصرح الاجتماعي، على ضمانات مادية ومعنوية، تحول ولو نسبيا دون تعريض المتضررين للتشرد والضياع، لأن "الزواج ليس مجرد تجربة يتطلب المرور بها، بل هي غاية في الحياة يقتضي خوضها بثبات، لبناء نماذج سوية لمستقبل المجتمع"، هذا ما ذهب إليه محمد بوقنطار أستاذ باحث في سياق طرحنا لملف هذا الأسبوع على ثلة من المواطنين، وأبرز بوقنطار، أن "الزواج بذور المجتمعات، وبالتالي كلما أخضعنا هذه الشراكات إلى قانون يضبط العلاقات ويحميها من التهور والاستخفاف، كلما ساهمنا في إنضاج ثمار طيبة وزرع وارف الضلال"
واعتبر رشيد بنمنصور موظف أن مدونة الأسرة الجديدة،"تحمل كافة ضمانات بناء الثقة بين الزوجين في مؤسسة الزواج، لكنها في حاجة إلى دور فعال لوسائل الإعلام والجهات الوصية، للتعريف بمحتواها بغية تبديد المفاهيم الخاطئة التي تغذي الإشاعات والنوايا السيئة"
ومن جانبه أكد نورالدين فونجي طالب جامعي، أنه يجب »اتخاذ الزواج كغاية وليس كوسيلة لإشباع الرغبات، وتلبية المطالب، فالدخول في مؤسسة الزواج، يجب أن يخضع لشروط تضمن سلامة البناء«، واعتبر أن الكثير من قضايا الطلاق المطروحة في المحاكم، »هي تحصيل لعدم معرفة البعض ما يريده من الزواج وعدم التوفرعلى الكفاءة المعنوية لتدبير الأزمات غير المتوقعة«، وأرجع محدثنا تراجع نسبة الزواج إلى شبه وعي لدى البعض بالمسؤولية المنوطة بمؤسسة الزواج
وترى رشيدة الياقوتي ناشطة جمعوية، أن »ربط الزواج بتوفير الإمكانيات المادية واللوجيستكية لوحدها، لن ينقذه من الفشل، لأن الأهم، أن يكون الزوجان متفهمان لدور الزواج، ويمتلكان المناعة اللازمة عقليا لتجاوز العثرات والانحناء أمام الهزات العنيفة"
على أي، إن طبيعة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها مجتمعنا، تفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى، تبني مقاربة جديدة لتكييف مؤسسة الزواج ومشاريعه مع ما يطرحه الواقع المعيش من تحديات، لا يمكن للحب وحده أن يصمد أمامها، إن لم نستخدم آلية العقل والمقاربة المنطقية للمشاكل، حتى لا تقع فريسة سهلة، أمام ويلات الطلاق، الذي وإن صعبت إجراءاته، إلا أنه يبقى مجرد التفكير فيه وصمة عار على جبين مؤسسة الزواج، التي تعتبر مكونا أساسيا للمجتمع




تابعونا على فيسبوك