هي سنة التناقضات هكذا يصف محمد السكتاوي، سنة 2005 في الشق المتعلق بحقوق الإنسان.
فإلى جانب الجهود التي بذلت من طرف بعض الدول من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان، فقد ظهر كذلك، خداعا وازدواجية وتقاعسا في وفاء الدول بالتزاماتها في هذا الشأن
ويؤكد المدير العام للفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية في الحوار التالي، أنه بالرغم من أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في مجال حقوق الإنسان، الى أن ثمة تجاوزات مازالت تسجل في بعض الأحيان.
ويشير في هذا الشأن إلى أن المغرب أصبح أمام مسؤوليات كبرى بسبب وضعه الجديد المتمثل في اكتساب عضويته في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ يتعين عليه أن لا يفي فقط بالتزاماته على الصعيد الوطني في ما يخص حقوق الإنسان، بل أصبح يتعين عليه كذلك، أن يحرص على أن تحترم حقوق الإنسان على الصعيد الدولي كذلك.
ـ لابد من الإشارة، بداية، إلى أن تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2006 يعكس حالة حقوق الإنسان في العالم.
وهو يتعرض لأوضاع حقوق الإنسان، بإيجابياتها وسلبياتها، في أكثر من 150 دولة، ومن ضمنها المغرب.
السمة الأساسية التي ميزت بشكل عام المشهد الحقوقي على المستوى الدولي هي أن سنة 2005 كانت سنة التناقضات، إذ ظهرت بوادر عمل ولكن، أيضا كان هناك الكثير من الخداع والازدواجية والتقاعس في وفاء الدول بالتزاماتها ووعودها.
بل لقد حاولت عدد من البلدان إضعاف حقوق الإنسان فعلى سبيل المثال عاينا في الأمم المتحدة إصلاح لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي استبدل بها، الآن، المجلس الجديد لحقوق الإنسان، ورغم ذلك حصل تقصير في معالجة كثير من ثوابت حقوق الإنسان في العالم، وفي مقدمتها أزمة دارفور وأعلنت الحكومات الأوروبية، على سبيل المثال، التزامها بحقوق الإنسان ولكنها تواطأت مع الولايات المتحدة الأميركية في نقل المتهمين بالإرهاب الى دول يمكن أن يتعرضوا فيها إلى التعذيب.
ووجدنا، أيضا، أن الكثير من أوضاع حقوق الإنسان في بعض المناطق، في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تأثرت بهذا المناخ السلبي العام مما شجع أنظمة بعض الدول على التراجع عما أبدته من إرادة في تغيير أوضاع حقوق الإنسان في الاتجاه الإيجابي
في هذا السياق، يمكن أن نقول إن المغرب لم يكن بمنأى عن هذه التأثيرات
فقد استطاع أن يقدم، في منطقتنا، نموذجا جديدا لدولة أظهرت إرادة سياسية قوية لطي صفحة الماضي بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، وما انبثق عنها من توصيات ومقترحات، وأبدت رغبة جادة في تحسين تشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان
ويتهيأ المغرب لرفع التحفظات عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، كما أننا سمعنا بأن الحكومة تدرس إمكانية إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن في الوقت نفسه، جرى تسجيل بعض التجاوزات، إن لم تكن ذات نطاق واسع وبشكل ممنهج ومنظم، فهي ظلت تعطي صورة غير مطمئنة عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، فهناك مزاعم عن استمرار ظاهرة التعذيب وقوات الأمن، أحيانا، تنزلق نحو الإفراط في استخدام القوة.
هذه المظاهر السلبية التي طبعت مسار حقوق الإنسان في المغرب سنة 2005، تجعل بوادر الأمل في تحسين وضعية حقوق الإنسان في المغرب يشوبها بعض الإحساس بالإحباط، أحيانا.
ـ صحيح أن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب تعرف منذ فترة من الزمن تحسنا ملموسا، وقد كانت منظمة العفو الدولية سباقة الى تثمين ذلك والترحيب به، لكن المغرب، اليوم، وقد أصبح عضوا في المجلس الجديد الخاص بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، صار يتحمل مسؤوليات أكبر.
فهذا المجلس يملي على المغرب أن لا يفي فقط بالتزاماته في مجال حقوق الإنسان، على المستوى الوطني، بل يملي عليه كذلك أن يعمل من أجل أن يكون قدوة للدول الأخرى ويحرض على أن تحترم حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم.
المغرب يتوفر على فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة، مع اكتساب عضويته في المجلس الجديد، ومن المنتظر أن يعمل ليس فقط كما قلت على تحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا، وإنما، أيضا، على توفير قدر أفضل من الموارد للمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان ولدعم المجتمع المدني.
وينبغي على المغرب، على المستوى الدولي، أن يقاوم أي تراجع في مجال تطبيق معايير حقوق الإنسان وعليه ألا يعطي المثال السيء في الازدواجية التي كانت سمة حالة حقوق الإنسان في الكثير من البلدان في السنة الفارطة.
هناك مسألة ننتظر أن تعي حكومة المغرب أهميتها وهو أنه لا مجال، من الآن فصاعدا، في التقاعس في تطبيق المعاهدات والالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أنه أصبح لا مجال، أيضا، للتماطل والتردد في ملاءمة تشريعاتنا الوطنية مع المعايير الدولية.
وقد سررنا، في هذا الصدد لكون اللجنة الوزارية المكلفة بالحريات العامة وحقوق الإنسان والقانون الإنساني التي يترأسها الوزير الأول إدريس جطو قد وافقت على رفع كل التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية حول مناهضة التعذيب تمهيدا لاتخاذ الترتيبات اللازمة للانضمام .
نحن ملزمون بأن نعطي لإرادتنا السياسية في المغرب اتجاه حقوق الإنسان منحا أكثر إيجابية من حيث رفع بعض التحديات، في مقدمتها إلغاء عقوبة الإعدام والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوفير الظروف اللائقة في مراكز الاعتقال والاحتجاز والسجون وحماية اللاجئين والمهاجرين.
فمن الأمور التي جرت مؤاخذة المغرب عليها في سنة 2005 هو التعامل الذي لا ينسجم مع التزاماته في مجال حقوق الإنسان، مع المهاجرين المنتمين لدول جنوب الصحراء
هذا الأمر يجب أن نقطع معه، بل أكثر من هذا، يجب أن يتوفر المغرب على خطة وبرنامج خاص لمعالجة مثل هذه الأمور الطارئة، خاصة على مستوى المهاجرين.
ـ منظمة العفو الدولية تنتقد جميع الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان أو تلجأ إلى النفاق بشأن حقوق الإنسان.
ويغطي تقرير منظمة العفو الدولية 150 دولة، ونحن لانتعامل مع الدول في مجال حقوق الإنسان بمنطق سلم التنقيط، لأن احترام حقوق الإنسان يعتبر واجبا تمليه التزامات هذه الدول بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لكن هذا لايمنع أن منظمة العفو الدولية تشجع كل إرادة طيبة للحكومات في مجال تحسين حقوق الإنسان، لكن القاعدة هي أننا لانصنف الدول من حيث أدائها على صعيد حقوق الإنسان، وتتفاوت أنماط انتهاكات حقوق الإنسان عبر الدول والمناطق، ولايمكن مقارنتها أو قياسها ببساطة.
فمثلا، قد تكون هناك بعض الدول التي لديها سجلات مريعة في مجال معين، بينما لدى سواها سجلات أقل حدة في مجموعة واسعة من القضايا.
ومنظمة العفو الدولية تعمل من أجل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، فنحن لانقبل بمعاناة شخص واحد.
ـ نحن نعترف بفضل الإدارة الأميركية حيث تستحق ذلك، وندعم انتقادنا لسجلها في مجال حقوق الإنسان في الداخل والخارج، بأبحاث رزينة ومتأنية ومعطيات ملموسة .
وأعتقد أن أبحاثنا وحملاتنا تؤثر، فعلا، على الولايات المتحدة الأميركية، وهذا البلد ينظر بجدية كبيرة إلى توصياتنا في شأن أدائه في مجال حقوق الإنسان.
وحتى في قضايا مكافحة الإرهاب وهذا هو كعب أخيل في السياسة الأميركية في مجال حقوق الإنسان، فإننا نعتقد بأننا نمارس تأثيرا على الإدارة الأميركية، فمثلا في العام الماضي دعونا إلى إغلاق معتقل غوانتنامو، وقد ساند دعوتنا العديد من الجهات داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، بما فيها في الآونة الأخيرة، لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة وأشار الرئيس بوش نفسه إلى أنه لايستبعد النظر في إمكانية إغلاق معتقل غوانتنامو.
إننا في منظمة العفو الدولية نغتنم فرصة تقديم التقرير السنوي 2006 للدعوى مرة أخرى وبإلحاح للاستجابة لمطلب المنظمة القاضي بإغلاق هذا المعتقل وغيره من مراكز الاعتقال السرية.
ولابد أن أشير، أيضا، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة عظمى، وهي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وما تفعله يترك انعكاسات واسعة على سائر دول العالم، والآخرون يحتذون بسلوكها، فهي لديها القوة والتأثير، ومنظمة العفو الدولية، انطلاقا من هذا الدور تدفع إلى ان تستخدم الولايات المتحدة الأميركية قوتها ونفوذها لتعزيز حقوق الإنسان وليس لتقويضها.
ونود، أيضا، أن نرى الولايات المتحدة الأميركية وهي تلعب دورا قياديا إيجابيا في قضايا حقوق الإنسان، لكن سلطتها الأخلاقية قد تضررت بسبب عدم استعدادها للتمسك بالمعايير نفسها التي تتوقع من الآخرين أن يتمسكوا بها.
الولايات المتحدة الأميركية محقة في ممارسة الضغط على المجتمع الدولي، حاليا، بشأن دارفور، لكنها لم تستطع أن تدفعه للتحرك بسبب سلوكها السلبي على صعيد حقوق الإنسان في إطار "الحرب على الإرهاب" وحتى ما يقع في الأراضي المحتلة في فلسطين.
ـ نحن منظمة دولية لحقوق الإنسان نوجد في أكثر من 160 بلدا نحن منظمة متعددة الثقافات والجنسيات.
منظمة عالمية ذات تأثير كبير في مجال حقوق الإنسان، الكثير يعتقدون أن هذه المنظمة بأساليبها التي قد تبدو للبعض غير مؤثرة لايمكن أن تسهم في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في العالم، لكن نحن نعتمد، بالفعل، على التحركات الشعبية وعلى الحملات الواسعة التي نجند فيها أكبر قدر من الناس للانخراط فيها، ونقوم بحملات لكسب التأييد في المحافل الدولية، ونضغط بوسائلنا الدبلوماسية على الحكومات، المنظمة تنجح في الكثير من الأحيان في إسماع صوتها ومطالبها لدى أصحاب القرار.
ونحدث التغيير المنشود فالمنظمة ليست هيئة سياسية تقوم باستعراضات على المستوى الإعلامي أو على مستوى السياسي، بل هي تسعى وبشكل خاص إلى خلق التأثير الإيجابي في ما يخص أوضاع حقوق الإنسان.
ويمكن أن أقول وباختصار إننا استطعنا أن نحقق الكثير من الإنجازات خلال أربعين سنة ونيف من وجود المنظمة، مثلا على مستوى عقوبة الإعدام التي كرسنا لها الكثير من الجهد والحملات، فقد استطعنا أن نجعل العالم يقتنع أن سلب المواطنين الحق في الحياة لايمكن أن يكون السبيل لتحقيق الأمن والعدالة في العالم، وهكذا وجدنا العديد من الدول قد تراجعت عن تطبيق عقوبة الإعدام.
الشيء نفسه يمكن أن نقوله على مستوى حقوق المرأة.
لعلكم تعلمون أننا نقوم بحملة عالمية من حوالي 4 سنوات من أجل الدفاع عن حقوق المرأة.
فمن أجل جعل العالم يلتفت إلى نصفه الآخر، يمكن أن نقول، أيضا، إننا تقدمنا كثيرا في هذا المجال، فالمغرب تجاوب كثيرا مع هذه ا لحملة لاتخاذه العديد من المبادرات، إن على مستوى إصلاح المنظمة التشريعية الخاصة بالمرأة وفي مقدمتها مدونة الأسرة، ومشروع قانون الجنسية الذي يخول للأم المغربية منح جنسيتها لأبنائها، وهناك أمور أخرى تتعلق بالحد من التمييز ضد المرأة.
ما أنجز هنا في المغرب نجد له صدى، كذلك، في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا
فالكويت قررت، مؤخرا، منح المرأة حق التصويت والترشح للانتخابات، وهناك إنجازات أخرى في أكثر من منطقة في العالم.
إذن، بخلاصة، يمكن أن نقول إن تركيز منظمة العفو الدولية على قدرة الشعوب في التصدي لانتهاكات الحكومة يعطي الكثير من النتائج الإيجابية، فنحن نؤمن بقدرة الأفراد على تحقيق التغيير، وما عليك إلا أن تنظر كيف تغيرت الآراء على مر السنين حول قضايا مثل التعذيب والإعدام والعدالة الدولية، وهناك العديد من الحملات الناجحة كتلك المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية التي تعطي الدليل على قوة النشطاء والمبادرة كانت في الأصل من طرف منظمة العفو الدولية.
ـ المنظمة منذ وجودها سنة 1961 وهي تضع ضمن أولوياتها مكافحة التعذيب هي تعتبر التعذيب آفة بغيضة لم تستأصل بعد من عالمنا، سواء في مراكز الشرطة أو زنازن السجون، أو حتى في شوارع المدن والقرى النائية
فالظاهرة موجودة في كل أنحاء العالم وزبانية التعذيب يدبرون حياة الضحايا
ومنظمة العفو الدولية نظمت حملات على المستوى الدولي، وهناك الآن حملة مفتوحة لمناهضة التعذيب ووضعت برنامجا من 12 نقطة.
ونحن نعتبر هذا البرنامج مبادرة مهمة لمنع التعذيب ويقوم أساسا على أن تعلن الحكومات بشكل رسمي شجبها للتعذيب والتحقيق النزيه في مزاعم التعذيب وتوفير الضمانات الكافية أثناء الاحتجاز والاستنطاق وحظر التعذيب قانونيا واتخاذ الإجراءات الجنائية ضد المتهمين بممارسة التعذيب والحد من الإفلات من العقاب وإجراء تداريب للموظفين والتصديق على كل المواثيق الدولية ذات الصلة.
وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى أننا قمنا بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب الذي يصادف 26 يونيو من كل سنة، بتوجيه مذكرة إلى الوزير الأول ووزير العدل والداخلية ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين دعوناهم فيها إلى ضرورة الدفع بالمغرب إلى المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وقد لقيت دعوتنا الاستجابة، حيث وافقت اللجنة الوزارية المكلفة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، وهو ما أشرت إليه سابقا، على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية حول مناهضة التعذيب.
ـ نحن ندعو الحكومة المغربية وقد أصبحت في موقع جديد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
إلى تقوية شراكتها مع المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان وهذه الشراكة لايجب أن تكون فقط بالأقوال أو في الخطاب بل شراكة يقترب فيها الخطاب بالممارسة والعمل
وفي هذا الإطار، نحن في منظمة العفو الدولية فرع المغرب ننتظر أن ترفع الحكومة المغربية »حجزها« عن قرار أصدرته قبل أربع سنوات بشأن منح الفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية صفة النفع العام، إسوة بغيرها من المنظمات الحقوقية التي تتمتع بهذه الصفة.
فنحن ما زلنا ننتظر أن يقع تمتيع الفرع المغربي للمنظمة بصفة النفع العام بواسطة مرسوم ينشر في الجريدة الرسمية.
ونتمنى أن يقع ذلك في أقرب الآجال حتى نتمكن بالفعل من أن تكون شراكتنا مع الحكومة المغربية في مجالات التربية على حقوق الإنسان والنهوض بثقافة حقوق الإنسان ذات مضمون فعلي، لأنه لايمكن أن نخوض هذه المعركة، معركة بناء دولة الحق والقانون بدون أن نكون نتمتع بالفعل بالصفة الخيرية للمنظمة.