تلاميذ طنجة يندفعون نحو مسالك وأبعاد مستقبلية خاطئة

الأربعاء 28 يونيو 2006 - 14:24

أعلن أخيرا عن نتائج امتحانات الباكالوريا وعز من عز وأهين من أهين، حسب القول المأثور، ورجحت كفة المهانين، ككل سنة، على كفة الذين جنوا ثمار موسم دراسي ميزه الجد والاجتهاد.

إلا أن ردود الأفعال، بعد الإعلان عن النتائج، تكون دائما متضاربة ويميزها التناقض لدى الراسبين والناجحين على حد سواء. فإذا استثنينا أولائك الذين لم يحالفهم الحظ، إن صح هذا التعبير، تبقى هناك فئة سعدت بنجاحها وغمرت عيونها دموع الفرح والاعتزاز، وكأن أبواب الأمل والمستقبل فتحت أمامها.

في حين نجد فئة أخرى تلقت الخبر بدماء باردة وكأن الأمر لا يعدو أن يكون حدثا عاديا في حياتها، معتبرة أن النجاح لن يفتح أمامهما أي أفق من الآفاق أو يسد أخرى، مادمت، في نظرهم، مسدودة في أصلها.

سعيد .ب، أحد التلاميذ المتفوقين بشعبة العلوم التجريبية، اعتبر فرحة النجاح لحظة عابرة ووصفها بسحابة صيف حار، مبديا عدم رغبته الخوض في الآفاق حتى لا يعكر صفاء فرحته، التي يعتقد جازما أنها فرصة لن تتكرر أبدا، وقال بعد إلحاح كبير، " لا أخفي عليك الحقيقة، فهذه اللحظة بالنسبة لي، ليست سوى فترة عابرة سوف نصطدم بعدها مباشرة بجدار اسمه الواقع .

فرغم أني حصلت على ميزة حسن، فلا شيء يمنحني امتيازا عن الآخرين ويفتح لي أبواب المستقبل، لأنني أنتمي إلى أسرة فقيرة جدا لا تستطيع أن تتكلف بمصاريف دراستي الجامعية، خصوصا في مدينة غير طنجة " .

ويضيف سعيد شارحا لـ "الصحراء المغربية" إني "متأكد أن كل الزملاء الذين توفقوا في اجتياز هذا الحاجز، لن ينعموا بعطلة هادئة كما يتصور البعض، فمحنة هذا الصيف تبدأ من الآن بالاستعداد لخوض مغامرة جديدة من صنف الوزن الثقيل، إذ يجب أن يتجند الطالب للبحث عن المعاهد التي ينوي ولوجها والتعرف على تواريخ ومواقيت المباريات التي تجريها، بالإضافة إلى عقوبة تجميع الوثائق الإدارية، التي ترهق بكم النسخ والصور وحقوق التنبر والإتاوات أحيانا.



ولا داعي للانغماس في هذا المضمار، لأنك تعرف الإدارة المغربية أكثر مني" وقبل أن يعتذر سعيد ويستأذن للانصراف، عاد ليقول "حتى لا تفوتني هذه الفرصة، أود أن أشير إلى أن مصلحة التوجيه في مدينة طنجة، مصلحة منعدمة تزيد الفرد تيهانا أكثر مما قد ترشده، وهي تحتاج بدورها إلى توجيه وإعادة التأهيل" .

من جهة أخرى، أبدى م .العسري، وهو أب لتلميذ حصل على ميزة حسن في شعبة الآداب العصرية، تذمرا واستياء كبيرين رغم أن جميع أبنائه تفوقوا في امتحاناتهم، وذكر أن النجاح والفشل سيان بالنسبة له مادام المصير لا يختلف.

وقال العسري في حديث مع "الصحراء المغربية" إني "موظف بسيط متقاعد، لم أعد أتذوق طعم نجاح أبنائي وتفوقهم على أقرانهم في الدراسة، لأنني عانيت مع ابنتي التي اجتازت نفس المرحلة في السنة الماضية، وحصلت على ميزة حسن في شعبة الآداب -تخصص لغات-، حيث اضطرت، نظرا لعدم وجود هذا التخصص بطنجة، أن تتابع دراستها هنا في سلك غير مناسب لطموحها، بسبب عدم قدرتي على توفير مصاريف السكن والأكل والتنقل إلى مدينة تطوان.

علما أني قمت بإعداد ملف طلب المنحة ودعمته بكل الوثائق الإدارية اللازمة، إلا أن اللجنة المكلفة بدراسة طلبات المنح الدراسية رفضت طلبي رغم أني موظف متقاعد في السلم 5 وأسكن ببيت أكتريه وأعول أسرة تتكون من 7 أفراد، والغريب في الأمر أن زميلة ابنتي حصلت على المنحة وأباها رجل سلطة ممتاز .

وأنهى الأب المتذمر حديثه بالقول إن "الواقع جعلني أسلم أمري لله، ولم أعد أفرق بين النجاح والرسوب، وكل ما أطلبه هو الكف عن التبجح بالشعارات المزيفة، التي أرهقت مسامعنا وجعلتنا نعيش في غفلة ننتظر الأوهام".

وانطلاقا من عدد هائل من التصريحات والحوارات التي أنجزتها "الصحراء المغربية" بهذا الصدد، يتبين أن السؤال الأكثر إلحاحا وينتاب جل الآباء والأبناء الذين أنهوا دراستهم الثانوية، لا يخرج عن إطار الغموض الذي يحوم حول التخصصات والمسالك التي لم تجد إسعافا ممنهجا وواضحا عند الجميع، إذ يضطر معها الطالب إلى الاندفاع نحو مسار يكون في غالب المناسبات خاطئا.

وفي هذا السياق، حمل إطار وباحث تربوي في طنجة مسؤولية ذلك لمصلحة التوجيه بالنيابات الإقليمية، واتهمها بالتخاذل والتقصير في توعية الطالب وجعله مدركا للطريق الذي يحبذ أن يسلكها، حتى يكون على دراية تامة بالأبعاد المستقبلية والمسالك الحياتية التي تؤدي إليها.

وقال الباحث، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه "في غياب التواصل مع التلاميذ الذين هم على وشك إنهاء دراستهم الثانوية، يضطر الطالب إلى الاندفاع نحو أحد الاحتمالين، إما أن يختار تخصصا لا ينسجم مع ميوله النفسي واستعداده لخوض غمار فترة كبيرة من حياته، وإما أن يختار تخصصا لا يضمن له عملا سهلا في المستقبل نتيجة عدم وعيه بأن ذلك التخصص قد تشبع ويوجد به فائض مستقبلي كبير، وفي كلتا الحالتين نجده يلقي باللوم على عاتق المؤسسات التعليمية التي لم تساهم في توعيته وإرشاده لتخصص ملائم".

وأوضح الباحث في سياق حديثه مع "الصحراء المغربية" أن "عملية اختيار الطالب لتخصصه يجب أن تخضع لوعي دقيق يؤمن له الحصول على شاغر وظيفي في المادة التي يتخصص فيها، وأنصح بأن يتم التفريق بين التخصصات على أساس وظيفي، لأن المعروف والمألوف لدى الناس لا يقود إلا إلى التكدس ويشكل عبئا على المؤسسات التعليمية ويضع صاحبها في قائمة الانتظار فترة من الزمن".

وخلص الباحث في الختام إلى القول إنه "لا يجب الاستهانة من بعض التخصصات والاعتقاد بعدم أهليتها، لأن الزمن اثبت أهميتها وقابليتها على التكيف الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وكذا قدرة الجنسين على خوضها بكل كفاءة واقتدار .

لذلك نجد أن التفوق لا يكون بالضرورة في عملية الاختيار وحدها، وإنما يكون في التعمق والتميز في التخصص الواحد مهما بدا هامشيا في نظر فئة واسعة من المجتمع، لأن ذلك من شأنه أن ينشأ فردا متميزا يستطيع تكييف جميع مواهبه خدمة لوطنه وعائلته ونفسه".




تابعونا على فيسبوك