أفول الليل، يوميات المعاريف واغبيلة

محفوظي يؤرخ لجزء من مغرب السبعينيات

الأحد 22 يناير 2006 - 08:00
كتاب أفول الليل للمحفوظي

وقع الطاهر محفوظي مساء الجمعة بدار الفن بزنقة فرانس فيل بالبيضاء كتابه "أفول الليل.. يوميات المعاريف واغبيلة " الصادر عن مطبعة القرويين منذ سنة 2004 في253 صفحة من الحجم المتوسط .

يسافر محفوظي بذاكرته عبر نصوص قصيرة تقبض على التفاصيل الدقيقة لمغرب السبعينيات، معتمدا تقنية الحكي والتركيز على التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية.
يحاول محفوظي في "أفول الليل " أن ينقل يوميات الاعتقال في نصوص كتبت في أيام اعتقال بسجن اغبيلة بمنطقة كراج علال هناك وراء جدران عالية بأنشط حي تجاري بعد درب عمر بالبيضاء سجن محفوظي ضمن مجموعة خاضت إضرابا عن الطعام لمدة 36 يوما.

يحكي محفوظي لحظات رهيبة عاشها معتقلون خاضوا ثلاثة إضرابات عن الطعام لحمل الإدارة على التفاوض معهم كمعتقلين سياسيين يقول في الصفحة 106 من الكتاب، "بعد التحقيق والتعذيب في مفوضية المعاريف وكتابة المحاضر المملوءة أكاذيب وحقائق، وبعد فترة المستشفى والاستراحة جاء دور السجن لننقل إليه ذات مساء من أواخر ماي سنة 1973 كان الإضراب الأول عن الطعام قد استغرق13يوما ولم نحقق فيه أي شيء يذكر وجاء الإضراب الثاني الذي ابتدأ يوم 11 يناير واستمر إلى16فبراير 75 والذي سيدوم 36 يوما وهو رقم قياسي مغربي " مؤرخا باليومي لفترة من تاريخ المغرب شهدت موجة احتجاج طلابية قادها تلاميذ سيقوا للمحاكم ووجهت لهم تهم ثقيلة كـ "المس بسلامة الدولة والتآمر لقلب النظام الملكي وتعويضه بنظام جمهوري اشتراكي وتأسيس منظمة سرية والإخلال بالأمن العام وكل ما من شأنهفانفجرت ضاحكا "، يقولها محفوظي متحدثا عن لحظة مثوله أمام هيئة المحكمة في الصفحة 53 من الكتاب.


بلغة سلسة اعتمادا على جمل قصيرة يرصد الكاتب التفاصيل الدقيقة لفترة الاعتقال والتحقيق ملقيا على الشخوص البشرية نظرة ماسحة؛ على المحققين وحراس السجن وزملائه، ليعيد تشكيلها من جديد وفق نظرة إبداعية خاصة.

وفي إحدى صفحات الكتاب وصف حارس سجن بكونه كان "متجهم الوجه خبيثا كالثعلب، كان يخاف من "الغدارة " ولا يسلم حتى على ابن عمه المعتقل معنا.

ذات صباح جاء مسرورا على غير عادته، وصرح لنا بدون مقدمات لقد هاجمت مصر إسرائيل لم نكن نتوفر على مذياع، ولاعلى تلفزيون، والجرائد كانت أعز من خبر سار " في السجن يتحول الإنسان لمجرد رقم بارد، وكان الطاهر محفوظي يحمل الرقم 257 كمعتقل في ما عرف بملف النقابة الوطنية للتلاميذ وقضى 50 شهرا متنقلا بين مفوضية الشرطة بشارع إبراهيم الروداني بحي المعاريف وسجن اغبيلة بكراج علالواستغل محفوظي هذه الفترة لينعش ذاكرته إبداعيا وعندما تضيق به الحياة كان يلجأ لخربشات وينشد مع زملائه المعتقلين أغاني وشعارات تتغنى بالثورة في زمن المد الاشتراكي والشيوعي لدول من العالم اعتقل الكاتب بمعية محمد تيريدة،بائع الجرائد بزنقة الأمير مولاي عبد الله الذي توفي وظل أصدقاؤه يكنون له احتراما خاصا جدا جدا إلى أن رحل لدارالبقاء مخلفا في حلق معارفه غصة حزينة.

يوم 3 مارس 1973 داهمت قوات الأمن المنزل الذي كان محفوظي يتواجد به رفقة الراحل وعائشة مفتوح التي خصص لها حيزا في الكتاب احتفاء بذكراها في الصفحة 177 بنص جميل حمل عنوان "أم الجدائل الكستنائية " ليضيف الكاتب في الصفحة 115متحدثا عن مفتوح قائلا "بعد الإفراج عنا أواخر1975،حملت عائشة آلامها وجرحها وتوجهت دون رجعة إلى فرنسا،بكبرياء العظام وتواضع المجاهدين ".

اختار محفوظي أن يكتب نصوصا نثرية وشعرية ورسائل عادية وجهها لأفراد من أسرته من وراء الجدران يسأل فيها عن أحوالهم ويتفقد حسيا معالم عالم خارجي وراء الأسوار الشاهقة، وهي نصوص دعمها الكاتب بوثائق إدارية كنص الحكم الصادر في حق مجموعته في قضية حملت عدد 75586 وهو الحكم الذي اختار محفوظي أن يعلق عليه في الصفحة 240 بجملة "تمخض الجبل فولد فأرا " اعتقل الكاتب رفقة تيريدة وعائشة مفتوح بمنزل يقع بملتقى زنقتي سان سانس وميشيل مونطو محمد برحال حاليا والمنزل مازال في ملكية المقاوم سعيد بونعيلات.

فحوالي الساعة الثالثة زوالا، كان يوم سبت، وكان التلاثة في اجتماع للنقابة الوطنية للتلاميذ داهم رجال الشرطة المنزل واصطادوهم في "وضعية تلبس " ليقتادوا لمفوضية الشرطة بشارع إبراهيم الروداني ويقضوا هناك ثلاثة أشهر عانوا فيها أصناف التعذيب.
يذهب محفوظي في كتاباته للتلميح بأن لا أحد من المعتقلين انهار أو أدلى باعترافات حول التنظيم السياسي المحظور الذي كانوا يعملون فيه وكانوا يقاومون التعذيب والاعتقال بسرد الحكايات والتعارف الحميمي بينهم في مخافر الشرطة قبل أن يتم نقل الجميع لسجن اغبيلة المدني يوم 23 ماي 1973 .

تمكن الطاهر محفوظي في كتابه "أفول الليل يوميات المعاريف وأغبيلة " أن يقنع القارئ بجدوى الإنصات لتجربة إنسانية تركت بصماتها في ذات من عاشها والكتاب يجمل شهادات ومعايشات يومية صيغت في قالب مذكرات شخصية بأسلوب جذاب ميزته الجمل القصيرة لتخدم تقنية السرد والوصف وتقنية التداعي الفلاش باك أحيانا بعد أن علق المعتقلون إضرابهم عن الطعام في اليوم السابع والثلاثين تم نقلهم إلى "الحي الأوروبي " بسجن اغبيلة وهو جناح لم يكن يحمل من الصفات والخصائص سوى الاسم فقط فإدارة السجن قلصت فترة الاستراحة إلى ساعة في اليوم ولا مجال للحديث عن مشاهدة التلفزيون أو سماع المذياعوالشيء الوحيد الذي كان المعتقلون يحصلون عليه هو بقايا جرائد قديمة مهملة يجمعها لنا المكلف بمراقبة حمام السجن يتسلمون هذه الغنائم فقط كل يوم أربعاء عندما يذهبون للاستحمام مرة أسبوعيا بعد أن يمنحوا المشرف على المرجل رشوة على ذلك فلم يكن المعتقلون يتواصلون مع العالم الخارجي إلا عبر المحامين وأفراد عائلاتهم خلال فترة الزيارة أفرج عن المجموعة في نهاية أبريل بعد أن قضى أفرادها سنتين وشهرين داخل السجن وقد صدر حكم بالبراءة بتاريخ 4 غشت 1976 .




تابعونا على فيسبوك