عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس

عبد الغني بوعياد : "صندوق محمد السادس للاستثمار" جرى تنظيمه على شكل شركة مساهمة تحكمه مقتضيات وأحكام القانون رقم 17.95

الصحراء المغربية
الأربعاء 17 فبراير 2021 - 20:41

قال عبد الغني بوعياد، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، إن "تفشي وباء كورونا تسبب في اتخاذ عدة تدابير احترازية في جميع مستويات الحياة العامة، ابتداء من المستوى القانوني حيث وجدت السلطات العمومية نفسها ملزمة بالتدخل. أولا تشريعيا من أجل وضع الإطار القانوني الاستثنائي والاستعجالي لمواكبة هذه الظرفية الخاصة، وثانيا لاتخاذ تدابير أخرى ذات صبغة اجتماعية واقتصادية، الهدف منها التخفيف من آثار وتداعيات هذا الوضع الخاص على الحياة العامة ببلادنا.

ولعل من أهم ما تبنته السلطات العمومية في هذا الصدد هو الانكماش الذي واجه حركية الاقتصاد الوطني وأدى إلى تقهقر وثيرة النمو الاقتصادي إلى ما دون المستويات الاعتيادية وإلى تراجع مؤشرات الانتاج والاستهلاك. فكان من اللازم التفكير في خطط وبرامج إنقاذ ومواكبة".

 

وأضاف في حوار مع "الصحراء المغربية" أن إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار بأوامر ملكية سامية يعتبر إحدى أهم التدابير المتخذة لإنعاش الاقتصاد الوطني وجعل قطاع المقاولة والاستثمار يسترد عافيته.

كما أبرز أن أهمية هذا الموضوع ، تنبع من أصالة الفكرة ومن وجاهتها وراهنيتها وقدرتها على خلق دينامية اقتصادية جديدة من شأنها أن تكون رافعة لمساعدة الاقتصاد الوطني على تجاوز محنته.

 

كيف يمكن لصندوق محمد السادس للاستثمار أن ينهض بالاستثمار بالمغرب ؟

لقد أنشئ صندوق محمد السادس للاستثمار لغاية أساسية كبرى ، حيث أسندت له مهمة تحقيقها ومنحها الأولوية في سياساته وبرامجه ويتعلق الأمر بدعم الاستثمار بالمغرب ومواكبته في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي وذلك عن طريق توفير السيولة اللازمة وتعبئة الوارد الضرورية وتوظيفها التوظيف الأمثل من أجل مواكبة المشاريع الاستثمارية لبلادنا.

وإن التحدي الأكبر في هذا الباب ليكمن في مدى قدرته على توفير الرساميل الضرورية الكفيلة بمساعدته على القيام لهذه المأمورية. ولعل مشروع القانون رقم 76.20 قد تنبئ بذلك وسعى إلى مد هذه المؤسسة بالإمكانيات اللازمة للقيام بهذه المأمورية بموجب آليتين :

رصد 18 مليار درهم لفائدة الصندوق من الميزانية العامة للدولة التي احتفظ لها القانون المنظم للصندوق برجاحة في رأسماله ، حيث ستحتفظ بنسبة 51% من مجموع رساميله  الذي تضمن له أيضا رجاحة التسيير وفي اتخاذ القرارات.
فتح رأسمال الصندوق في حدود 49% المتبقية للإكتتاب وذلك لجلب رساميل إضافية بمبلغ 30 مليار درهما من مساهمين آخرين من القطاعين العام والخاص.
الترخيص للصندوق بالحصول على مساعدات أخرى في شكل هبات ومساعدات من دول ومنظمات ومجموعات صديقة.

إن دور الصندوق في دعم الاستثمار بالمغرب ، يبقى إذا رهين بمدى قدرته أولا على تعبئة جيدة للموارد التي سمح له القانون باللجوء إليها والتماس الحصول عليها ، وثانيا بمدى جودة وكفاءة توظيفه لهذه الموارد من أجل تمويل استثمارات مجدية من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد الوطني والرفع من درجة تنافسيته إقليميا وجهويا ووطنيا ، وتوفير فرص الشغل وحماية ودعم المنتوج الوطني.

ثم إن فعالية الصندوق وقدرته على تحقيق أهدافه في مجال دعم الاستثمار تبقى هينة من زاوية أخرى بمدى قدرته على تدبير شؤونه واتخاذ قراراته بعيدا عن القيود والشروط الصارمة التي تؤطر اتخاذ القرار الإداري والمالي. ولهذا السبب ، ثم أقر المشرع إدارة هذا الصندوق في شكل شركة مساهمة يسهر على تدبير شؤونها مجلس إدارة وتخضع لنفس النظام القانوني الذي تخضع له هذا النوع من الشركات مع كل ما يقتضيه من استقلالية ومرونة في التسيير.

وقد جرى إسناد السلطة التقريرية من أجل تدبير شؤون هذه الشركة لمجلس إدارة يتكون إلى جانب رئيسه من عشرة متصرفين: منهم ستة أعضاء يمثلون قطاعات حكومية معينة وأربعة متصرفين مستقلين.

إن تنظيم هذه المؤسسة في شكل شركة وإخراجها من نمط الصناديق التقليدية غير المتمتعة بالشخصية المعنوية والتابعة إداريا لهيئات حكومية أخرى يعتبر خطوة مهمة من أجل ضمان النجاعة والسرعة والاستقلالية في اتخاذ القرار.

 

 أي دور يمكـن أن يـقدمه الصـندوق للمـقاولات ؟

إن من بين الأهداف المتوخاة من إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار وإدارته في شكل شركة أموال هو دعم دينامية الاقتصاد الوطني وإخراجه من حالة الركود والتقهقر التي حدثت نتيجة تفشي جائحة سارسكوف 2 ، وما ترتب عنها من تدابير وإجراءات أثرت على نشاط المقاولة وعلى مركزها المالي والاقتصادي.

ولتحقيق هذا الهدف، جعل المشرع لصندوق محمد السادس دورا آخر يتمثل في مواكبة المقاولة ومساعدتها على إيجاد التمويل اللازم لمواجهة الآثار الناتجة عن تراجع نشاطها بسبب الظروف الناتجة على الحجر الصحي وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا الصدد ، نصت أحكام المادة 3 من القانون رقم 76.20 القاضي بإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، أن يتدخل هذا الصندوق من أجل تعزيز رأسمال المقاولات ودعم الأنشطة الإنتاجية عن طريق الإسهام في تمويل المقاولات العاملة في المجالات التي يعتبر الصندوق أنها تكتسي طابعا أوليا وذلك عن طريق وضع أدوات مالية مناسبة في شكل تسبيقات أو قروض قابلة للإرجاع أو تمويلات بأموال شبه ذاتية بالإضافة إلى قدرته على المساهمة بصورة مباشرة في رأسمال المقاولات العمومية والخاصة الكبرى العاملة في المجالات  التي يرى بأنها ذات أولوية وكذا المساهمة من خلال الصناديق القطاعية أو الموضوعاتية في رأسمال المقاولات الصغرى والمتوسطة التي سيتم إحداثها لدعم نشاط هذا النوع من المقاولات في المجالات التي يقدر الصندوق أنها ذات أولوية وخاصة في المجالات التي سمتها المادة 4 من القانون المذكور أعلاه، ويتعلق الأمر بإعادة هيكلة الصناعة والابتكار والأنشطة ذات النمو الواعد والنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة والبنيات التحتية والفلاحة والسياحة.

إن توفير السيولة اللازمة ومواكبة تدخل المقاولة في القطاعات ذات الأولوية الإستراتيجية في ظرفية تشهد تدهور الموارد وصعوبة الوصول إليها وتراجع مؤشرات أداء المقاولة الوطنية بمختلف أصنافها وأشكالها وأحجامها نتيجة انكماش وتقهقر أداء الاقتصاد الوطني وتراجع حجم الاستهلاك والتصدير وإلزام المقاولة بالمحافظة على الشغل ليعتبر غاية استراتيجية وطموحا ذو أولوية يتعين الإشتغال عليهم من أجل تصحيح مسار المقاولة ومعالجة الصعوبات التي تواجهها في ظرفية ركود اقتصادي عالمي. وفي ظل تزايد درجات الحماية التي صارت تفرضها الدولة من أجل تحصين ودعم المنتوج الوطني.

ويستنتج مما سبق أن مجالات تدخل صندوق محمد السادس للاستثمار كما نظمه القانون رقم 76.20 قد كان واسعا وممتدا امتدادا أفقيا وعموديا ليشمل التمويل المباشر للإستثمارات الكبرى ، إن على المستوى الوطني أو الترابي ، ويمتد أيضا إلى مجال المساهمة المباشرة في رأسمال المقاولات العامة والخاصة الكبرى بالإضافة إلى دعم ومساعدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة في مختلف مجالات النشاط الذي يقدر بأنها ذات أولوية حيث ترك له أمر تحديد وتقدير مجالات تدخله وفق ما تقتضيه متطلبات تنمية الاقتصاد الوطني ، ومساعدة قطاع المقاولة من أجل التصدي لتداعيات ونتائج الأزمات الاقتصادية والمالية واستعادة عافيته.

 

 كيـف يمكـــن مـراقـبـة ماليـة فعــالــة للـدولــة علـى الصنــدوق ؟

لابد من الإشارة في هذا الشأن إلى أن صندوق محمد السادس للاستثمار قد جرى تنظيمه على شكل شركة أموال تحكمه مقتضيات وأحكام القانون رقم 17.95 المنظم لهذا النوع من الشركات والذي بين وحدد طرق إدارتها وتدبيرها وكل أشكال الرقابة والافتحاص التي تخضع لها وبين طرق وإجراءات مسك حساباتها وبياناتها ودفاترها المحاسبية.

ولاشك أن الغاية من إدارة هذا الصندوق وفق هذا النمط هو أن يكون نظامه مرن وأن تتم إدارته في نطاق الاحتفاظ له بدرجة واسعة من الحرية في اتخاذ القرارات وفي وضع برامجه وخطط عمله وتوظيف رأسماله بعيدا عن القيود المالية والمحاسباتية الجاري بها العمل في إدارة الهيئات والمنظمات والمؤسسات العمومية.

ومن أجل المحافظة على الطابع الخاص لهذا الصندوق وانسجاما مع شكله ومركزه القانوني كشركة، فإنه يتعين أن تكون الرقابة المالية التي سيخضع لها متلائمة مع هذه الخصوصية، ومنسجمة منع القواعد المطبقة على شركات الأموال.

لأجل ذلك، أحال المشرع في تنظيم هذا الصندوق على أحكام القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، حيث قضت المادة الأولى منه بذلك في الصيغة التالية "تحدث، تحت اسم ''صندوق محمد السادس للاستثمار''، شركة مساهمة ذات مجلس إدارة ، تخضع لأحكام القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة ولأحكام هذا القانون ولنظامها الأساسي".

ولفهم طبيعة العلاقة التي سيخضع لها هذا الصندوق، فإنه يتعين الرجوع إلى أحكام كل هذه النصوص القانونية بما فيها أحكام القانون رق 76.20 المحدث لهذا الصندوق والذي توقع إخضاعه علاوة على نظام الرقابات المحاسبية على شركات الأموال، إلى رقابة ذات طابع خاص سيتحدد موضوعها ومسطرة إجرائها بموجب اتفاقية تبرم بينه وبين الدولة وتستثنيه من الخضوع من نطاق الرقابة المنظمة بموجب القانون 69.00 المتعلقة بالمراقبة المالية للدولة على المقاولات العمومية والهيئات الأخرى.

إن هذا الاستثناء لتعتبره خصوصيته نظام هذه الشركة وخصوصية الموضوع والأهداف التي أنشئت من أجل القيام بها وكذا خصوصية النظام القانوني الذي يحكمه ووجوب إدارته بمنطق آخر مختلف عن منطق إدارة المرافق العمومية.

 




تابعونا على فيسبوك