حتى لا نجد أنفسنا أمام وزارات متعددة كلٌّ فرح بما أتى وغنم ومن بعدهم الطوفان

الحكومة السياسية لا تبنى بالإرضاءات والحسابات ومنطق الحصص والغنيمة

الأربعاء 19 شتنبر 2007 - 07:01

يدخل المغرب، الذي لم يخرج بعد من نتائج الانتخابات التشريعية المغربية، فصلا آخر من مساره وتاريخه السياسي، وبلا شك فإنها ستترك ذيولها على جميع المستويات السياسية.

ولعل دلالات هذه الاستحقاقات لا تكمن في حد ذاتها، وفي إجرائها، إذ إن قيمة الاستحقاقات الديمقراطية الحقيقية وما يترتب عنها، تبدأ عقب الإعلان عن النتائج، والأكثر من ذلك التطلع إلى التغييرات السياسية والاقتصادية، التي ستطرأ على الوضع، حتى وإن كانت الحكومة امتدادا لما سبق، فالحكومة الديمقراطية تستغل مثل هذه المواعيد لمراجعة بعض الاختيارات، وتبني أخرى جديدة، إن اقتضى الأمر ذلك، وإزاحة أشخاص لم يتمكنوا من أداء مسؤولياتهم وفق معايير معينة.

وهكذا الغريب في الأمر، أن الخطاب السياسي المغربي في كثير من صوره، لا يخرج من نفق مستنسخ، إذ أن التنافس على المسؤوليات، غالبا، لا يجاوز دائرة محددة، بشخوصها ووجوهها المعروفة، القديمة والمستحدثة، بالمصالح والاعتبارات ذاتها، وكأن الرحم المغربي عقيم وعاجز عن استيلاد طاقات وكفاءات وفاعلين جدد منتجين قادرين على التخلص من ربق الاعتبارات، التي تكرس الجمود.

إذن، بأي معنى يمكن أن نتحدث عن حكومة سياسية هل، فقط، لأنها تنبثق من أحزاب سياسة وفق منافسات انتخابية، مع ما للموضوع من أهمية؟ بالتأكيد أن الحكومة السياسية لا تقف عند هذه التخوم، فالأهمية القصوى للانتخابات لا تتمثل فقط في إجرائها، بطريقة نزيهة وعادلة، وإنما تبرز في ما يترتب عنها من سياسات واختيارات اقتصادية واجتماعية وثقافية مؤثرة، وقرارات واضحة وملزمة لا تصاغ للمناسبة، وإنما تنجز على أرض الواقع، بالشكل الذي يجعل المواطن يلمسها والجهات تتلقفها.

وتأسيسا عليه، فالحكومة السياسية هي تلك التي لا تتشكل مكوناتها من أحزاب سياسية "وكفى الله المؤمنين القتال"، وإنما هي التي تصوغ وجهات وتصورات ومشاريع سياسية واقعية في علاقاتها بمؤسسات الدولة ومتطلبات المجتمع، وتسعى بوسائل وآليات واضحة إلى ترجمتها على أرض الواقع، مع اعتماد سياسة تطرح وتعالج الملفات الأساسية بصورة غير ملتوية، وتحديد الأولويات واستراتيجيات من شأنها أن تعيد الثقة للمواطن، تتصل بتنمية المجتمع وتقوية مناعته وتحصينه من كل ما يهدد كيانه الثقافي والروحي والاجتماعي والاقتصادي.

إن تحصيل نتائج على هذا المستوى، يمكن أن يساهم في تثبيت التوازن المفقود داخل المجتمع، ويستعيد أسباب الانفراج والاطمئنان والاتجاه نحو المستقبل، ويتيح للكثير من الفئات الاجتماعية، التي تضررت نتيجة تَغَوُّل بعض الاختيارات بشكل سرطاني، التوثب من جديد للبناء، والخروج من حالات العزلة والإنهاك.

والحكومة السياسية، أيضا، هي تلك التي تدافع عن اختيارات وبرامج سياسية متماسكة ومتناغمة، حتى لا نجد أنفسنا أمام حكومات ووزارات متعددة، كلٌّ فرح بما أتى وغنم، ومن بعدهم فليأت الطوفان، وهذا ما جرى تكريسه، إذ أن كل حزب حاول الذود عن نتائج تسيير وزاراته أو وزارته إعلاميا وسياسيا ولا يترك فرصة تمر دون لوم وزارات أخرى أو إلقاء المسؤولية عليها أو التبرؤ من قرار ما، وغير ذلك، فالحكومة السياسية ليست فقط من هذا المنظور حكومة أشخاص ينتمون إلى أحزاب سياسية، ولا تحكمهم ضوابط ومرجعيات سياسية متجانسة تتقلص فيها النوازع الضيقة.

لذلك، فإن الرهان على البرامج والاختيارات السياسية لتحقيق رافعة التغيير، وليس المقاعد والأشخاص والمصالح، لتنفيذ قرارات سياسية، ستنعكس سياسيا على المجتمع والدولة، هو العامل الذي يبلور مصير أي حكومة، مع الاستعداد لتحمل تلك المسؤوليات والنتائج السياسية، التي قد يعقبها العقاب والمحاسبة الشعبيان أو المساندة والدعم.

وأيضا، فإن الحكومة السياسية لا تنبني على الإرضاءات والحسابات والمزايدات ومنطق الحصص والغنيمة، فالحكومة موجودة أصلا لخدمة المجتمع بمختلف فئاته، وليس من أجل تحقيق غايات لأشخاص محدودين، ولا نعتقد أن حكومة موسعة العدد مرتخية الأطراف، قادرة على الإنتاجية والوظيفية والفعالية، وكذا تطوير منهاج عملها وتنسيقها، مما يستلزم معه ضرورة الإقلاع عن توسيع العدد الحكومي وتقليصه.

كلما كان ذلك في المتناول، سيما وأننا نرى في كل الديمقراطيات العالمية حكومات غير ممططة، فالغاية من كل هذا ليس، من سيتبوأ منصبا حكوميا، وإنما النتيجة تكمن في المحصلة النهائية، التي ستنجم عن هذه المناصب، في هذا الباب.




تابعونا على فيسبوك