ارتبط اسم العرب المهاجرين إلى الغرب و لسنوات طويلة بصورة العربي المهمش المتخلف والإرهابي، لعب الإعلام فيه دورا مهما في تغييب فئة المثقفين و المبدعين الذين اضطرتهم الظروف للهجرة حفاظا على كرامتهم و بحثا عن هامش للحرية وضمان استمراريتهم الإبداعية، يكشفون م
عناصر ظلت تحتمي بستار الطابوهات في كل البلدان التي لا تعرف للديمقراطية معنى ولا لاحترام حقوق الإنسان طريقا، من بين هذه الدول بلد الراشدين، حيث دفع الوضع بالعراق، عددا كبيرا من أبنائه إلى الهجرة الاضطرارية هروبا من وضع كتم أنفاسهم وأخمد كلمتهم.
من بعيد، برز اسم استطاع أن يحافظ على مكانته ويطلق العنان لطاقته كممثل و مخرج مسرحي وسينمائي، إنه أحمد شرجي الذي يعيش حاليا في هولندا، غني عن التعريف منذ تخرجه من معهد الفنون الجميلة ببغداد" 1991" وكلية الفنون ببغداد" 1996" إلى غاية مغادرته البلد في النصف الثاني من سنة 96 وهو يعمل في مجاله كممثل و مخرج له تجارب عديدة في كل من التلفزة والمسرح والسينما فاز عنها بمجموعة من الجوائز
أحمد أيضا عضو في نقابة الفنانين العراقيين وعضو في نقابة المسرحيين العراقيين، ومنذ استقراره في هولندا انضم إلى نقابة الفنانين الهولنديين.
لهذا الفنان الكثير من الكلام ظل حبيس قلبه في ظل النظام السابق الذي أبدع في اغتيال كلمة الحق, وفي الحديث معه حاولنا ملامسة بعضا من الجوانب التي عاشها ويعيشها في مهجره، حيث يمارس حياته الفنية كما اختارها لنفسه، عن هذه المحطة سألنا أحمد هل الاستقرار في هولندا هروب من واقع أصبح يؤرق أهل العراق أم هي ظروف شخصية دفعتك للاغتراب، ولماذا الغرب بدل دولة عربية أقرب إلى هويتك؟ فكانت النقطة الحساسة التي حركت ما بداخله من شعور بالألم عبر عنه بكلمات قوية تحمل بين طياتها غصة لما يجري في بلد يعيش حالة تمزق : "هو بالتأكيد ليس هروبا بقدر ما هو موقف شخصي أمام نفسك أولا وللتاريخ أيضا، إزاء ما يحدث للبلد تحت سلطة النظام الدكتاتوري السابق.
عشنا الغربة ونحن داخل غرفنا الشخصية بالمنازل، نهمس مع أنفسنا بكلام ضد السلطة وأخاف على نفسي من نفسي أن تفشي بسري للنظام، أي حالة مزرية أوصلنا إليها النظام السابق بعد أن زرع العسس وجواسيسه بكل مكان.
هو خروج قسري أرغمنا عليه من رحم العراق، بعد مصادرة الحريات والرأي وبعد تحويل العراق كله إلى سجن كبير، وأنت ترى سجانيك أمام عينيك وهم يعبثون بالبلاد والعباد، لقد سعى النظام السابق إلى تهميش دور المثقف والفنان بل إلى عزله تماما ورمى به بالسجون وفي أحواض الثاليوم، لا أحد يستطيع الكلام إزاء ما يحدث للبلد من انهيار، ولهذا فضلنا الهجرة السرية إلى منافي باردة أكثر أمانا ورحمة، كي نساهم بفضح جرائم النظام مع من سبقونا بالهجرة، من اجل إيصال صراخنا الذي لم يسمعه شقيقي العربي في المكان الآخر ، لأنه للأسف كان يصم آذانه كي لا يسمع صراخنا لكن هناك بالتأكيد فنانين ومثقفين عرب لم يساهموا في هذه اللعبة وأعلنوا موقفهم ضد النظام السابق وهذا موقف يحسب لهم تاريخيا.
غادرنا البلاد، كي لا نقف مكتوفي الأيدي وقد نكون محظوظين لأننا استطعنا الخروج من بئر الدم الصدامي الذي يجري كل يوم، وبقي الكثير من الأحبة والأصدقاء الذين لم يساعدهم الحظ والظروف بالخروج وبقوا هناك يعيشون غربة حقيقية داخل البلاد وما أقساها من غربة، وبقوا متواصلين بمشروعهم المسرحي المهم، ويحاربون النظام بطريقتهم الخاصة من خلال تشفير عروضهم المسرحية، حفظها وتعلمها الجمهور الواعي وكانت معظمها فيها إدانة صريحة للنظام، ظلوا يمارسون لعبة التمويه والتخفي مع الرقيب
لم يكن في تفكيري أن أهاجر إلى بلد عربي، لأن معظم البلدان العربية تتشابه بأنظمتها وللأسف، ومن اجل إيصال صراخنا للرأي العالمي لابد من التواجد بمناطق القرار، لأن معظم البلدان العربية كانت متهادنة مع نظام العراق السابق وكانت تغمض عينها على جرائمه".
وبالرغم من الحالة النفسية التي يعيشها الفنان وهو يرى أن حريته تصادر وأن غيابه يطول، لم يتوقف عن عمله بل اتخذ منه محرابا يعتكف بداخله، يبدو أحمد شرجي أنه يعيش حالة جيدة على مستوى الإبداع، عمله في المسرح والسينما الهولندية أكثر دلالة على اندماجه في المجتمع الذي احتضنه فهل هذه الصورة تعكس الحقيقة؟ .
يجيب : "أتمنى ذلك حقيقة رغم صعوبة تحقيقه وأعترف بهذا، فليس من السهولة أن تثبت وجودك في وسط فني آخر وخاصة إذا كان هذا الوسط ليس عربيا، باعتبار العربي تربطك به وشائج كثيرة ومنها اللغة وهي أهم شيء.
الاندماج حالة حتمية لأي شخص يروم العيش بمجتمع آخر، وأنا في صراع دائم مع وضعي الحالي في هولندا ، من اجل الحفاظ على هويتي العراقية التي أعتز بها، الفن عمل جماعي وليس مشروعا فرديا وخاصة في مجال المسرح والسينما لأنك دائما تحتاج إلى أشخاص كي تعمل معهم، لكي تتواصل بمشروعك الفني، وبحكم ظروف العمل كونت علاقات جيدة مع الفنان الهولندي الذي يشاركني اللعب على الخشبة أو الذي يصمم الإضاءة والسينغرافيا وهكذا.
أنا أعيش في هولندا وما حققته بهولندا شيء بسيط، ولو كنت في الساحة الفنية العراقية لحققت أشياء أكثر أهمية وأكثر إبداعا لأنني أنتمي إلى جيل مسرحي عراقي مهم ومؤثر، لكننا في هولندا نحاول أن نقتنص أنصاف الفرص لنعلن من خلالها عن تواجدنا كفنانين.
هولندا سرقت من عمري خمس سنوات قضيتها مشردا بمعسكرات اللاجئين، ولكن كل يوم أقول لابد من أن هناك بصيص ضوء يخفف عني وحشة الظلام ويعطيني أملا جديدا بالغد، ومن أول فرصة حصلت عليها اعلنت عن وجودي وبقوة كفنان عراقي قادم من الشرق، كي أثير انتباه الفنان الهولندي لي ولأدائي، وبالتالي أنا لا أحلم أن أقضي كل حياتي هنا خاصة بعد زوال السبب الرئيسي لخروجنا من العراق لأني أشعر في هولندا أنني لا أستطيع أن أحقق كل أحلامي الفنية، ولكن هولندا حتما محطة مهمة في حياتي الفنية اكتبها بكل فخر بسيرتي الذاتية".
وبما أن المسرح هو المحطة الرئيسية من اهتمامات أحمد سألناه عن تجربته في المسرح الهولندي : "تجربتي في المسرح الهولندي هي في بداية تشكيلها وتكونها ، فأنا مازلت في بداية خطواتي في طريق طويل ومليء بالمطبات، رغم أني حصلت على ثناء جميل من خلال الاعمال التي قدمتها ولعل شهادة الاستاذ الفنان السوري المبدع جهاد سعد عندما شاهد مسرحيتنا فاقد الصلاحية اثناء مشاركتنا بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الأخير قال أنت وحش مسرحي على الخشبة طائر خفيف الظل بجناحين كبيرين وهذه شهادة اعتز بها جدا من فنان مبدع بحجم جهاد سعد، وبالمناسبة بهذا العرض كنا نمثل هولندا بالمهرجان وداخل المسابقة.
وهذه سابقة للفنان العربي بهولندا والمسرحية كانت من إخراج الصديق المبدع رسول الصغير تجربتي هنا بالتأكيد فيها الكثير من الإيجابيات من خلال العمل داخل وسط فني آخر، ثقافة أخرى، تعاليم أخرى وجو فني مختلف تماما.
أنا أدين بالفضل للمخرج رسول الصغير الذي قدمني بشكل رائع للوسط الهولندي من خلال مسرحية فاقد الصلاحية وأنا كنت الممثل الأجنبي الوحيد ومثلت الشخصية الرئيسية فيه، واشتركنا بأكثر من مهرجان عربي ولعل أهمها مهرجان القاهرة التجريبي والذي كنت مرشحا من ضمن أفضل خمسة ممثلين لجائزة أفضل ممثل.
منذ البداية كنت حريصا على أن لا أقبل بأدوار صغيرة تعطى للأجنبي، كونه أجنبي بل صممت على احترام موهبتي واحترام الشيء البسيط الذي حققته بالعراق باعتباري قادم من ساحة مسرحية مهمة وهي المسرح العراقي، لهذا دخلت الوسط المسرحي الهولندي معلنا عن نفسي وإمكانياتي التي أراهن عليها، الآن يدعوني للمشاركة بأعمال مسرحية باعتباري ممثلا، أي ينظرون إلى موهبتي وليس مجرد أجنبي كعدد مكمل للشخصيات، وآخر ما قدمته هو مسرحية "سالوتا" مع مخرجة هولندية".
اسم أحمد شرجي ومكانته بين الفنانين العرب والهولنديين دفعت بالمخرج السينمائي الهولندي رامو خيلنك إلى أن يختاره للعب دور أب عراقي يفقد ابنه في الحرب في مدينة السماوة العراقية في فيلمه فهل اختياره جاء نتيجة انصهاره في الحياة الفنية أم لتأثيث المسرحية؟ أجاب : all for one "العمل مع المخرج رايمون خيلنك فيه لذة كبيرة، رغم قصر فترة العمل، فهذا المخرج يعتبر واحدا من أهم المخرجين في السينما الوثائقية الهولندية، الفيلم يتحدث عن أخطاء القوات الهولندية في كل من حرب يوغسلافيا والعراق
... حصلت على الشخصية من خلال اختبار أجُري على مجموعة ممثلين، بعد أن اتصلت بي الشركة المنتجة وأخبرتني بأني مرشحا للشخصية، وبعد الاختبار فزت أنا بالدور، وطريقة الاختيار معمول بها في أوروبا، والاختبار يجري من قبل المخرج ليرى مدى ملاءمتك للدور، أي يدعونك ويرشحوك للشخصية باعتبارك ممثلا جيدا.
أما عن انصهاري في الوسط الفني الهولندي، أكون كاذبا لوقلت لك نعم، لكنه واقع لوضع أجبرت عليه، وأراهن على مثابرتي وموهبتي وبالتأكيد جذوري العراقية هي التي جعلتني أقرب إلى الشخصية".
أحمد يشتغل كممثل ومخرج في المسرح والسينما، أردنا أن نتعرف على أي هذه الأجناس أقرب إلى قلبه فأجاب بعفوية تنم عن عشقه لأبي الفنون : "أعشق المسرح فهو أشبه بمكان التعبد بالنسبة لي، فهو المكان الذي أتجلى به، وأشعر بأن أقدامي لا تسير على خشبته وإنما أشعر بأني طائر يرفرف بسمائه، بالمسرح تشعر بلحظات الجنون التي لا تشبه الجنون الذي نعرفه، تنقطع كل علاقاتي مع البشر وأنا على الخشبة وأشعر بأن لي حديث آخر سمائي مع الملائكة، نتحدث بلغة واحدة، إنه تحدي مع الذات ومع الآخر الذي يشاركك العملية المسرحية كمتلقي.
على الخشبة أشعر بأني كائن آخر قادم من كوكب ما، جاء ليؤدي رسالة وبعدها يعود إلى مكانه، إنه السحر وأنا الساحر الوحيد فيه، الذي يريد أن يتمتع بسحره أولا قبل أن يمتع المتفرج، لأن بدون تلك المتعة ليس ممكنا أن تكون مقنعا على الخشبة .
لازلت للآن أدخل المسرح برهبة الصوفي حين يدخل محرابه للصلاة، إنه اللذة الحقيقية للفن وكل فنان لم يشعر بلذة الخشبة، أجده للآن لم يكتشف سحر ومعنى الفن"
أما شعوره و هو بعيد عن بغداد الجريحة التي ظلمها التاريخ وظلت تئن تحت قنابل الحرب العراقية الإيرانية لتخرج منهوكة وتسقط في براثين وضع لا يقل شراسة من السابق، وحنينه لأخبارها ودروبها وحوانيت سمكها المترامية بين أطراف شارع أبو نواس يضيف : "بغداد كل يوم أبكيها، فأنا ابن بغداد وهي الأم التي جئت إلى هذه الدنيا من رحمها، لا أستطيع الخروج من بغداد لمدة ثلاثة أيام متتالية من حنيني الدائم لها ولشوارعها وأزقتها، ولكن الظروف التي مر بها العراق تحت أنظمة استبدادية ودكتاتورية أجبرتني مثلما أجبرت الكثير غيري على المغادرة ليلا، وها آنذا بعيد عنها منذ 12 عاما
بغداد ظلمها التاريخ، والأنظم الاستبدادية كان ظلمها لبغداد أشد، من خلال تشويههم لها ومحاولاتهم إضاعة ملامحها، حاولوا أن يغيروا تضاريسها، لكنها بقيت وفية للمنصور الذي بناها، بغداد لم تسقط كما يروج البعض وإنما الذي سقط هو النظام الديكتاتوري.
بغداد الجرح الذي حملته معي منذ خروجي ليلا منها، حملته معي وأحدثه ليل نهار، عن أماكن كثيرة فيها مازلت للآن تنبض في، بغداد هي الشاهد الأول لكل جنوننا، لطفولة هرمة لم نعشها كالاخرين، بغداد التي تحولت معظم جدرانها إلى قطعة سوداء جراء حروب كارثية حمقاء قادها النظام السابق، بغداد لن تتحول إلى رماد أبدا بل ستنهض من جديد لتنفض عنها غبار الحروب ونزوات الساسة وغطرستهم، ستنهض لأنها مدينة حية ومازال يجري في عروقها نهر دجلة.
حتما سأحمل حقيبتي وأعود لها وهي أم وحتما ستغفر لنا هذا الغياب القسري"
العديد من الأفلام السينمائية الأخيرة تناولت الوضع الحالي للعراق مثل أحلام للمخرج محمد الدراجي، غير صالح للمخرج عدي رشيد وهو أول فيلم يصور بعد سقوط نظام صدام، العراق مفتتا والحقيقة المجردة بعد ما انتهى القتل وكلها أفلام حول الحرب، وبالتأكيد هذه الفورة من شأنها أن تساهم في تعرية الوضع وترك تسيير الأمور إلى أهلها، لأحمد شرجي رأي في هذه النقطة جاءت كالتالي : "هي بالتأكيد وثائق مهمة لفترة تركت أثرا بارزا ليس بالعراق فحسب وإنما بخريطة المنطقة العربية برمتها وعلى كافة الأصعدة.
بالحقيقة أنا لم أشاهد كل الأفلام التي ذكرتيها بسؤالك، لكني شاهدت فقط فيلم محمد الدراجي ـ أحلام خلال عرضه في مهرجان روتردام العالمي أخيرا، وأنا أعرف الدراجي بشكل شخصي كونه صديق جميل، وعملنا معا بأول أفلامه البلدوزر وعملناه في هولندا حينما كان يقيم هنا قبل مغادرته إلى لندن، ومحمد من المخرجين الشباب الموهوبين جدا، وفيلمه أحلام يحتوي على الكثير من المصداقية من خلال تناوله لموضعة الفيلم أو من خلال اختياره لشخصياته، وهو صنع وثيقة مهمة بجانب عمله الإبداعي للفيلم، لا ننتظر أن تكون هناك نهضة كبيرة بالعراق بعد التغير الأخير كالذي حدث بالمانيا مثلا بعد الحرب العالمية الثانية، أو حدوث ثورة سينمائية، لأن هناك معطيات أخرى هي التي تؤثر على المنتج الثقافي والفني بشكل عام، متى ما استقرت هذه المعطيات سنرى شيئا أكثر إبهارا وأهمية، سنرى في الوقت الحاضر أيضا تجارب يقوم بها مبدعون هنا وهناك، ولكن الاختلاف بعد التغير هي أن الأفلام لاتخضع لمقص الرقيب وليست مسيسة أي بعيدا عن سيطرة الحكومة وهذا شيء مهم جدا بالفن.
يجب أن تكون أفلامهم بمستوى الحدث، الذي يحدث بالعراق الآن، ولابأس أن تتحدث كل الأفلام عن الحرب، هناك حكايات أخرى أثناء الحرب قد تكون أكثر بشاعة من الحرب نفسها، لكن الحرب كانت السبب الرئيسي لبروزها على السطح مثل الذي تناوله محمد الدراجي بفيلمه أحلام وماحدث لمستشفى الرشاد للأمراض النفسية أثناء الحرب على السينما أن تتناول كل مفاصل الحياة، وأنا على يقين باننا بعد عشر سنوات سنشاهد أفلاما أكثر جمالا، بعد أن تهدأ الانفعالات العاطفية، وسنرى الحرب من قبل السينمائيين بأبعاد أخرى بعيدا عن كونها مدفع ودبابة.
السينما العراقية الآن تدون الألم العراقي وهذا شيء عظيم ولكن عندما نتحدث عن السينما العراقية يجب أن نقر بأنه لايوجد شيء اسمه سينما عراقية وإنما هناك أفلام عراقية، تجارب سينمائية لمجموعة من المبدعين، وأنا هنا لااقلل من شأن الأفلام العراقية بل العكس تماما هناك أفلام رائعة وجميلة ومهمة أيضا، لكن عندما نقول سينما عراقية يعني هذا بأن هناك صناعة سينمائية بالعراق، وهذا ليس موجودا بالمرة، عندما تريد أن تصنع سينما عليك بعمل استديوهات سينمائية ضخمة من أجل ذلك وكذلك توفر رؤوس الأموال لدعم الإنتاج السينمائي، نعم عندنا مخرجون جيدون وبعض الأفلام المهمة ولكن تبقى هذه تجارب شخصية لايصح أن نطلق عليها سينما عراقية وإنما أفلام عراقية
بالنسبة لي كانت لدى تجربتان سينمائيتان أولهما بسيطة وبدور بسيط مع المخرج سلام الأعظمي بفيلم فتى الصحراء وأنتج في ثمانينيات القرن الماضي وكنت حينها طالبا في المرحلة الثانية من معهد الفنون الجميلة، وفي التسعينيات مع المخرج المبدع أكرم كامل بفيلم القفاز وهو من نوعية أفلام الفيديو .
هناك شيء مهم وهو أنني من جيل عندما بدأ يعمل بالفن بعقلية الاحتراف توقفت عملية الإنتاج السينمائي بالعراق بأمر من الحكومة، كونها من الأشياء المترفة بالنسبة للنظام السابق ولهذا أغلب أبناء جيلي لم يعمل بالسينما، وأغلب الأفلام العراقية التي أنتجت بالثمانينيات وحتى توقف الإنتاج السينمائي في بداية التسعينييات هي بتكليف من النظام السابق ولهذا كان معظمها أفلام حربية.
في أوروبا اتجه المخرجون العراقيون إلى مصادر أخرى لتمويل أفلامهم وقد نجح الكثير منهم في حصول على دعم مادي منهم عدي رشيد لفيلمه غير صالح للعرض ومحمد الدراجي بفيلمه الأخير.
وهناك تجربة سينمائية قادمة مع المخرج العراقي خالد زهراوي، سنبدأ بتصويرها قريبا إن شاء الله في هولندا وهو بعنوان سماء غرفة النوم وهو فيلم روائي لمدة عشرين دقيقة، يقول نيتشه نملك الفن كي لانهلك بالحياة لهذا نحن مستمرون بالعمل الفني لأننا مطالبين بمنجز والسنوات تجري بسرعة، لكن بشرط أن يكون هذا المنجز مؤثرا ومبدعا
أصبح لمهرجان روتردام للفيلم العربي مكانة مهمة بين المهرجانات التي تعمل على دعم السينما العربية فهل هذا اللقاء أخذ بالفعل على عاتقة هذه المسؤولية؟ .
يؤكد : "مهرجان روتردام للفيلم العربي، نافذة حقيقية للسينما العربية وتسويقها ومشاهدتها من خلال هذا المهرجان، وهذا كله بفضل جهود منظمي المهرجان وهما الدكتور خالد شوكات وانتشال التميمي، اللذان عملا على حضور قوي جدا لمهرجان سينمائي عربي وسط أوروبا وبكل ما تحمله أوروبا من ثقل سينمائي، وما دورات المهرجان الخمس الماضية ماهي إلا دليل على كلامي، من خلال هذا المهرجان مد الكثير من المخرجين العرب جسورا مهمة مع عدة جهات أوروبية من أجل تسويق أعمالهم أو لتوفير الدعم المالي لأعمالهم، وهو كذلك ملتقى رائع للفنانين العرب المقيمين بالبلدان العربية أو بلدان المهجر للتواصل مع بعضهم والتعرف على إنتاجهم، ولعل، وهو الأهم، من حسنات هذا المهرجان وصول وتعرف الجمهور الهولندي على الفيلم العربي والاهتمام به كصناعة سينمائية ويتابعه بتمعن، وإيمانا بنجاح هذه التظاهرة السينمائية العربية في هولندا حصل المهرجان على دعم لأربع دورات قادمة وهذه سابقة بالنسبة للدعم الهولندي للثقافة رغم سياسة الحكومة الهولندية بتخفيض ميزانية الثقافة، وهذه تحسب لمنظمي المهرجان".
وفي سؤال عن الآثار التي تركها اغتيال المخرج الهولندي فان غوغ على إثر إساءته للقرآن وموقفه من الكاريكاتور الذي أصدرته الصحيفة الدنماركية يولاند بوسطن وخلف زوبعة عنيفة في العالم الإسلامي يقول : "بالتأكيد أنا كمسلم ضد هذه الرسوم وضد أي موقف يسيء إلى معتقدي الديني والقومي، لكن هناك شيء مهم أود قوله وهو ماهي النتائج الإيجابية التي حصل عليها الإسلام من ردة الفعل العنيفة ضد الرسوم والفوضى التي أدت إلى إحراق السفارات الدنماركية والنرويجية في أكثر من بلد عربي؟ المشكلة كما أراها وهذا رأي شخصي وأتمنى أن أكون على خطأ، هي أننا في أغلب الأحيان نرد بعنف وبقوة بعيدة تماما عن لغة الحوار وبالتالي نخسر تعاطف الآخر المحايد مع قضيتنا
إذا رجعنا قليلا إلى السنوات الماضية أصدر الإمام الخميني فتوى بقتل الكاتب سلمان رشدي بعد صدور كتابه آيات شيطانية، رغم أن الكثير لم يقرأ كتاب رشدي، لكنه تبنى موضوع الفتوى، وما الذي حدث بعدها؟ أصبح رشدي واحدا من أهم الكتاب العالميين بسبب القيمة التي أعطته له الفتوى بقتله.
في مصر حدثت مظاهرات الأزهر الشهيرة والفوضى التي عمت مصر برمتها ضد رواية حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر خرجت حينها أعداد غفيرة من الطلبة ضد الكاتب والرواية باعتبارها تسيء إلى الإسلام وأنا على يقين بأن معظم الذين تظاهروا لم يقرأوا الرواية ولايعرفوا كاتبها، ولكنهم عُبئوا من قبل آخرين ولم يكلفوا نفسه بمعرفة الحقيقة، وبالتالي المستفيد الأول من كل هذه الضجة هو حيدر حيدر وأصبح كاتبا مهما بنظر الكثير وروايته طبعت عشرات الطبعات كذلك بالنسبة للمخرج الهولندي تيو فان خوخ ومقتله بطريقة بشعة في وسط أمستردام بعد أن قدم فيلمه الذي يحمل إساءة للإسلام، والحقيقة هي أنه ضد كل الأديان وليس فقط ضد الإسلام.
إن الإسلام ضد قتل النفس بأي طريقة كانت، أليس كذلك؟ مشكلتنا، نحن نتعامل مع الإعلام الغربي وكأنه جزء من الإعلام العربي، متناسين بأن في الغرب حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وإذا اساء شخص لدين أو معتقد ترفع ضده قضية والقضاء يأخذ مجراه، لك الحق بقول ما تريد أن تقوله والآخر الذي لم يتفق معك بالرأي يحاورك بطريقة حضارية بدون لغة القتل والدمار الذي أريد أن أقوله، بأن الإسلامويين خلقوا أيضا من تيو فان خوخ أسطورة سينمائية بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما.
الخاسر الوحيد هو الإسلام والخطاب الإسلامي السمح الذي يقبل بالآخر كشريك بالحياة بغض النظر عن الجنس والمعتقد كل هذا يترك أثر سلبي بلا شك على كل الجالية الإسلامية في أوروبا، وبدا تعامل الأوروبي مع المسلم بتحفظ أبعد منه إلى القبول به كشريك بالحياة.
أنا هنا لا أدافع عن شخص معين وإنما على طريقة التعامل مع الأحداث، هناك طرق دبلوماسية تستطيع أن تطرد سفير وتستدعي سفيرك من البلد الذي أساء لك كمسلم وأيضا هناك المقاطعات الاقتصادية.
أريد أن أضيف شيئا آخر : النظام العراقي السابق قصف ضريح الإمام الحسين، وهو حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن فاطمة الزهراء بنت الرسول، لم يستنكر احد من المسلمين هذا القصف وكأن الحسين ليس مسلما، وتأتينا الأخبار الآن بنبأ تفجير قبة الإمام علي الهادي والحسن العسكري وهما حفيدي الرسول ص، هل تظاهر المسلمون ضد هذا؟ هذا مايثبت صحة كلامي بأن معظم المظاهرات كانت مسيسة ومبيت لها بأغراض لايعرفها إلا الله وأصحاب هذا الغرض".