إشكالية السير

تسجيل 66 ألف و757 مخالفة بالرباط في ظرف 6 أشهر

الجمعة 17 فبراير 2006 - 16:27
الازدحام هي الصفة الغالبة في شوارع المدن الكبرى

منذ بضعة أشهر، يعرف مكتب المخالفات بمركز الشرطة المركزي بالرباط حركة دؤوبة غير اعتيادية، فالعديد من الأشخاص يقصدون هذا المكتب لاسترجاع رخص السياقة التي سحبت منهم على إثر مخالفة ارتكبوها على طرق الرباط.

هكذا، ينتهي المطاف كل يوم بالعشرات من رخص السياقة، في هذا المكتب الذي يؤكد أعوان الشرطة المشتغلين به أنهم منذ مدة أصبحوا يعملون "على قدم وساق ليل نهار".
إن الأرقام تكشف عن هذا الواقع، فخلال المدة الفاصلة بين يوليوز ودجنبر، جرى إحصاء 66 ألف و757 مخالفة على مستوى مدينة الرباط، و41 ألف و499 ذعيرة في حق المخالفين، و25 ألف و88 رخصة سياقة جرى استرجاعها من مصلحة المخالفات بمركز الشرطة المذكور و 106 رخصة جرى تضمينها لملف أحيل على النيابة العامة.

وبالرغم من هذه الأرقام، المعبرة، يرتفع كل يوم عدد القتلى والمعطوبين ضحايا الطريق خصوصا في المدن الكبرى كالرباط. وأمام هذا الوضع، لايمكن إلا أن يتسائل المرء عن مدى فعالية التدابير الزجرية التي تتبناها السلطات العمومية لمواجهة حرب الطرقات: هل ستمكن هذه الإجراءات الجزرية من التحكم في هذه الظاهرة ووقف النزيف أو على الأقل تقليص عدد الحوادث إلى "مستويات مقبولة"، أم أن الأمر يستوجب تبني رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب الإشكالية، من أجل التمكن من إيجاد حلول ملائمة لمشاكل الطريق المعقدة كالتي تعرفها مدينة في حجم الرباط.

وحسب محمد شماخر رئيس الفرق المتنقلة لمراقبة حركة السير، وهو ضابط يناهز سنه 54 عاما، فإن آلاف المخالفات والذعائر التي يؤديها السائقون بالرباط "تبين أن الناس يستمرون، رغم كل شيء، في عدم احترام قانون السير، والحال أنهم يدركون ما تتسبب فيه سلوكاتهم غير المسؤولة من آثار فادحة بالنسبة لمستعملي الطريق والاقتصاد الوطني".

وأضاف شماخر، "رغم كل ما يقال، فأنا متأكد أن الناس سيتفهمون أهمية المراقبة المكثفة على طرقات الرباط، فسلوك السائقين آخذ في التغيير، لقد صاروا يحترمون قانون السير أكثر فأكثر".

وتكشف الإحصائيات حول الحوادث الجسمانية المسجلة على الطريق خلال سنة 2004، والتي نشرتها مديرية الطرق والجولان على الطرقات التابعة لوزارة النقل والتجهيز، أن الرباط تعتبر من بين المدن المغربية الأكثر تضررا من حوادث السير، مما يطرح العديد من التساؤلات (في انتظار نشر المعطيات الخاصة بسنة 2005)، حول جدوى اللجوء إلى التدابير الزجرية في حق السائقين المخالفين.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس الفرق المتنقلة لمراقبة حركة السير على الطرقات، بارتياح "لقد بدأت تدابير المراقبة على الطريق تؤتي أكلها، فخلال شهر فبراير الماضي لقي ثلاثة أشخاص فقط مصرعهم، مقابل تسعة خلال الشهر نفسه من سنة 2004".
واعترف أ. أحمد (28 سنة) سائق سيارة أجرة صغيرة "أن الخوف من المراقبة" أجبر "العديد من الناس على تغيير سلوكهم على الطريق بالرباط غير أنه شدد في المقابل على ضرورة أن تمارس هذه المراقبة دون تمييز بين الشرائح الإجتماعية".

ويشاطر العربي، سائق سيارة أجرة كبيرة يعمل على الخط الفاصل بين الرباط وتمارة، هذا الرأي، إلا أنه يشير إلى أن أولائك الذين يريدون تنظيم السير على الطريق يجب كذلك أن يفكروا، قبل كل شيء، في حل المشاكل المتعلقة بحالة السيارات والطرقات والتشوير الطرقي، وكذا هذا التلوث الذي بات "يقتلنا ببطئ".

وأضاف العربي "لايمر شهر دون أن أزور الطبيب, فنحن نستنشق هنا (حي القامرة) سما حقيقيا".

إن متابعة حركة المرور من شرفة أحد المقاهي بهذه المنطقة من الرباط، يمكن من الوقوف على حجم المشاكل التي يطرحها السير الطرقي. فالمنظر يكشف عن عدة مشاهد: راجلون يعبرون الطر يق دون استعمال الأماكن المخصصة لذلك معرضين حياتهم للخطر، ومسافرون يذهبون ويجيئون في كل الاتجاهات شاردي الذهن يجرون أمتعتهم وأطفالهم، وسائقو سيارات أجرة (الصغيرة والكبيرة) أوحافلات النقل الحضري أو حافلات السفر يتوقفون كما وأينما اتفق, وسائقو سيارات يفرطون في استعمال المنبه حتى مع وجود أضواء المرور، ومستعملو دراجات نارية وعادية ينبعثون من كل صوب ويقودون بطرق عشوائية مستعملين الخوذة أو بدونها. كما تنشب من حين لآخر مشاحنات بين الراجلين ومستعملي السيارات وبين هؤلاء وسائقي سيارات الأجرة. إنها الفوضى العارمة التي تسود بهذا المكان من الرباط المدينة حيث يسجل رقام قياسي في حوادث السير.

وأوضحت المعطيات التي قدمتها وزارة التجهيز والنقل أنه جرى في مدنتي الرباط وسلا خلال سنة 2004 تسجيل 5058 حادثة جسمانية، أسفرت عن مقتل 206 شخصا و 823 جريحا إصابتهم خطيرة و 6923 جريحا إصابة طفيفة.

ويعزي البعض هذه الظاهرة خصوصا لكثافة حركة المرور وضيق بعض الطرق المؤدية إلى وسط المدينة والحالة السيئة للطرقات خاصة خلال فصل الشتاء، مما يفسر عصبية مستعملي الطريق, معتبرين أن "تجاوز الضوء الأحمر أو السير في الاتجاه الممنوع غدت سلوكات يومية لدى بعض السائقين بينما أصبح الإفراط في السرعة والتجاوز غير القانوني ردود أفعال متجذرة لدى البعض الآخر".

ويؤكد المسؤولون بولاية الرباط-سلا أن البرنامج الممتد على ثلاث سنوات الذي جرى اعتماده خلال 2005، يخصص غلافا ماليا يقدر ب1.5 مليار درهم لتعزيز البنيات التحتية بالمدينة.

وحسب هؤلاء المسؤولين، فإن 950 مليون درهم ستخصص للأشغال المرتبطة بالطرق والإنارة وللمساحات الخضراء للمدينة، في حين سترصد ميزانية بغلاف مالي يصل إلى 90 مليون درهم لمواجهة المشاكل التي يعرفها النقل وحركة السير والتشوير الطرقي.
وأشاروا إلى أنه و"بخلاف مايعتقده البعض"، فإن أبرز طرقات الرباط ,أي المحاور الأساسية للمدينة توجد "في حالة جيدة" فيما لا تزال هناك مشاكل على مستوى الأحياء.
وبخصوص تلوث الجو، يشير مسؤولو كتابة الدولة في البيئة أن المستوى الراهن لهذا التلوث "لا يتعين أن يثير مخاوف" ساكنة المدينة حيث توجد محطتين ثابتتين لقياس جودة الهواء.

وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل العديد من الجهات و"النتائج الجيدة" للمراقبة الطرقية الرامية إلى إيقاف حصاد الأرواح على طرقات المدينة، يظل عدد حوادث السير مرتفعا بالرباط على غرار باقي المدن المغربية الكبرى.

وإذا كان عدد كبير من مستعملي الطرق ينتقدون، عن حق أو عن خطأ، السلطات العمومية ويستنكرون "عدم فعالية المراقبة الطرقية" والحالة غير الجيدة للطرق"، فإن المسؤولين يعتبرون أنه يجب "معاقبة السائقين المخالفين من أجل سلامة الطريق".

ويذكر هؤلاء المسؤولون، بأنه فضلا عن العدد الكبير لضحايا حوادث السير الذين يشكل الشباب غالبيتهم، فإن المغرب يؤدي فاتورة ثقيلة جراء هذه الظاهرة، إذ ترتفع كل سنة إلى أكثر من 11 مليار درهم أي ما نسبته 2.5 % من الناتج الداخلي الخام وأكثر من ثلث نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة لقطاع التربية الوطنية (6.6 من الناتج الداخلي الخام) .

(وم ع)




تابعونا على فيسبوك