كذبة سوداء

السبت 11 فبراير 2006 - 15:29

في زاويته "عيون وآذان" كتب جهاد الخازن في "الحياة"، اللندنية يوم الجمعة الماضي "كنا نطالب بحرية الصحافة في بلادنا، وأصبحنا بعد نشر الصورة الكاريكاتورية التي أساءت إلى النبي محمد (ص(، والإسلام والمسلمين نطالب بالحرية من الصحافة في بلادهم، أكبر كذبة في الجد

هذه الحرية ليست موضع تجاذب لتكون قضية، فحرية الصحافة مسألة محسومة، وهناك دول تمارسها فعلاً، وهناك دول تدعي ممارستها.
ولكن لا توجد دولة واحدة تقول انها ضد حرية الرأي، أو حرية الصحافة، وأي حرية أخرى بهذا المعنى، حتى نقوم فنتحداها بنشر ما نعرف انها لا توافق عليه.

نشر الصور الكاريكاتورية بزعم الانتصار لحرية الصحافة كذبة سوداء، لذلك فأنا أحمّل جريدة ييلاندس ـ بوستن الدانماركية، وتحديداً محررها الثقافي فلمنغ روز، نصيبهما من المسؤولية عن القتلى في التظاهرات حول العالم ضد نشر الصور (وتستطيع حكومة الدانمارك اتهام روز بالتسبب في خسارة الدانمارك سمعتها في أكثر من 50 بلداً، وكثيراً من تجارتها الخارجية).

عندما تقوم مشكلة من هذا النوع عادة ما يكون رد فعلي الأول تفسير الخطأ بالغباء، فهو أكثر انتشاراً بين البشر من الخبث أو الشر، وقد فعلت هذا في البداية مقدراً أن محرراً ثقافياً في جريدة دانماركية لا يعرف مدى حساسية الموضوع لدى 1.2 بليون (مليار) مسلم.
غير انني أريد أن أعيد النظر اليوم في رأيي هذا، بعد أن قرأت عن إعجاب متبادل بين فلمنغ روز ودانيال بايبس، وهذا الأخير ليكودي من المحافظين الجدد يكره العرب والمسلمين، ويحرض عليهم في ما يكتب وعبر عمله، إنْ في معهد السلام الأميركي الذي اختاره جورج بوش لعضويته مع انه داعية حرب مقيت، أو ما يسمى "مراقبة الحرم الجامعي"، وهي هيئة أسسها لاضطهاد الأساتذة العرب والمسلمين، وتحويل الأكاديميا الأميركية كلها ضد الإسلام.

قرأت ان روز كتب في جريدته نبذة عن دانيال بايبس تجاوزت ليكوديته وعنصريته وتطرفه، لترسم صورة ايجابية عن أفكاره حول "الإسلام المتطرف" الذي يمثل خطراً من مستوى التهديد الشيوعي والفاشستي، وأرجو من القارئ أن يعود إلى مقاليَّ هذا الأسبوع عن نحت أبواق المحافظين الجدد عبارة "الإسلام الفاشستي"، أو "اسلاموفاشزم"
وقرأت مقالاً كتبه بايبس بعنوان "الرسوم الكاريكاتورية والامبريالية الإسلامية" ينتصر فيه لروز ويقول عن الضجة القائمة "ان القضية الأعمق هنا ليست الرياء الإسلامي، بل التسلطية الإسلامية، ويشرح فلمنغ روز، الصحافي الدانماركي الذي نشر الرسوم، ذلك بالقول انه إذا أصر المسلمون على انني غير المسلم يجب أن ألتزم بمحرماتهم، فهم يطلبون مني أن استسلم" .

ويعلق بايبس على هذا الكلام جازماً بكلمة "تماماً" التمام الوحيد هنا هو التواطؤ بين يميني دنماركي له صلات بالمحافظين الجدد وعنصري يكره العرب والمسلمين، لاستفزاز المسلمين حول العالم .

المسلمون استفزوا وأخطأوا كثيراً، فعندما رفع متظاهرون شعارات تنذر الأوروبيين بهولوكوست حقيقي، أو تعدهم بمصير مثل إرهاب 119-2001 لم يفعلوا سوى اعطاء أعداء المسلمين ذخيرة ضدهم، ليقولوا ان الشعارات تثبت ان المسلمين ارهابيون ودينهم ارهابي.

وأخطأت الحكومة الأميركية باتهام ايران وسورية، فهما لا تملكان القدرة لتهييج الشارع الإسلامي في كل بلد حتى لو توافرت لهما الرغبة في ذلك
ومرة أخرى، فكل هذا يجرى تحت ذريعة حرية الكلام أو الصحافة، وهذه ليست قضية مطروحة، ثم انه لا توجد قضية تستحق سلوك طريق ينتهي بوقوع قتلى كما حدث في موضوع الصور الكاريكاتورية.

والغريب في الأمر ان حكومات أوروبية عدة ومسؤولين بلعوا كذبة حرية الكلام، مع ان عندهم قوانين ضد "التحريض على الكره"، وقد استعملت في قضايا عنصرية ولكن ليس في قضايا دينية.

وكان رسامو الصور المسيئة سينتهون أمام المحاكم حتماً لو انهم بدل النبي محمد (ص) صوروا شخصية يهودي من نوع شايلوك، بأنف كبير معقوف وضفيرتين وثوب أسود، وقد حمل متفجرات وكأنه يهم بتنفيذ عملية انتحارية.
مثل هذه اللاسامية مرفوض حتماً، وكان العدل يقتضي ان ترفض كذلك إهانة دين ونبيّه وأتباعه بحجة حرية الكلام غير المطروحة.

الضرر وقع وأتمنى شخصياً لو أن مظاهر العنف في الرد على الإساءة تختفي كلها، فهي تسيء إلى المسلمين قبل أعدائهم، ثم ان من الواضح ان بعض المتطرفين تسللوا الى صفوف متظاهرين أبرياء ومارسوا العنف تنفيذاً لأجندة سياسية، عادة ضد البلد الذي نُظمت التظاهرة فيه، وليس ضد الرسوم الكاريكاتورية ومؤيديها
لن أقول أن هناك مؤامرة، ولكن أقول ان رد الفعل الإسلامي العنيف يخدم أجندة أمثال روز وبايبس، والاستفزاز أعطى ثماره كما يريد أعداء المسلمين ".




تابعونا على فيسبوك