تتسول فاطمة مع أنها تملك دورا ومحلات

الخميس 03 غشت 2006 - 10:24

يرجع المهتمون أسباب ظاهرة التسول، بشكل أساسي، للفقر وضيق ذات اليد، مع التأكيد على أن نظرة المجتمع للتسول تختلف من بلد لبلد، ومن شخص إلى آخر.

ويتفق الجميع على أن ظاهرة التسول تعتبر من الظواهر الأكثر تعقيدا وتشابكا وإرباكا، لكل من يحاول وضعها تحت النظر أو قيد الدراسة أو تحويلها إلى مادة إعلامية.
ويجري تقسيم المتسولين إلى فئات، فهناك متسولون محترفون، ومتسولون متسولون، ومتسولون ظرفيون، وبين هؤلاء وأولئك، هناك متسلون أغنياء.

ويجري تقسيم المتسولين إلى فئات، فهناك متسولون محترفون، ومتسولون متسولون، ومتسولون ظرفيون، وبين هؤلاء وأولئك، هناك متسلون أغنياء.
ومع أن التسول ظاهرة اجتماعية اعتاد عليها الناس في معظم أنحاء العالم، فإن البعض يرى أن التسول قد يكون له مفهوم خاطئ لدى معظم الناس، إذ يجري ربطه شكليا، بشخص فقير يرتدي البالي من الثياب، ويتجول عبر الأزقة والمحلات التجارية، طارقا أبوب المنازل طالبا المال والأكل.

ويذهب البعض إلى حد الحديث عن طرق أخرى للتسول تجد مكانا لها بيننا، هي من حيث الظاهر أكثر تهذيبا، ولو أنها برأي البعض أكثر ابتزازا وانتهازية، إذ يجري التمثيل لذلك بمجالس الحكام التي عرفت عبر التاريخ، والتي كان لا يخلو مجلس منها من الشعراء المداحين، الذين ينظمون قصائد المديح قاصدين من وراء ذلك، الحصول على عطاء وافر يجزله لهم هذا الحاكم أو ذاك، وهي الطرق التي تتواصل في زمننا بأشكال وصيغ أخرى، لكن بنفس المضمون.

إن المتسول هو من يطلب مالا أو غيره، غير أن الشبهة تظل، برأي البعض، قائمة بألا يكون محتاجا أصلاً، ومن عادة المتسول أن يتوسل بعاهات أو بسوء الحال أو بالأطفال، وذلك بغض النظر عن صدقه أو كذبه.

ويبرز التسول كظاهرة تتصاعد حدتها، من جهة أنها تنتشر عبر الشوارع والأزقة والأماكن العامة الأخرى خادشة كبرياء البعض، أو مشوشة على البعض الآخر، حتى أن البعض من المتسولين يلجأ إلى عرض خدماتهم المقنعة - أو بالأحرى تسولهم المقنع- ، مثل مسح زجاج السيارات أثناء التوقف عند الإشارات المرورية، أو التطوع بحمل الحقائب إلى السيارات، مثلا .

أحد الصحافيين، نقل ذات مرة، أنه وبينما كان داخل أحد المصارف، شاهد بعينيه أحد المتسولين المعروفين في الحي الذي يسكن فيه، يدخل المصرف وهو يحمل مبلغا من المال، وحين سألته الموظفة عما يريد، مد إليها حزمة المال طالبا منها، أن تضيف المبلغ إلى رصيده، وأكد الصحافي أنه شاهد الرجل بعد عدة أيام يمارس التسول من جديد وفي المكان نفسه.

ليس بالضرورة أن يكون المتسول معدوما، مادام بعضهم قد امتهن التسول ويجمع منه أكثر بكثير من قوت يومه.
ولأنها ظاهرة تؤثر على صورة البلد وتخدش كبرياءه الإنساني، فإن كل البلدان ظلت تنخرط في كل ما يحد من هذه الظاهرة، خصوصا حين يتعدى امتهانها حدود الحاجة، ليصير احترافا يراكم خلاله المتسول مالا وفيرا يخزنه كل يوم ليتابع مسار التسول، مع أنه قد يكون في غنى عن كل ذلك.

لأجل ذلك يؤكد المسؤولون على ضرورة التصدي للتسول "الاحترافي" مع التشديد على الدور الذي يمكن أن يضطلع به المواطنون في ردع هذه الظاهرة.

المواطنون بدورهم يسمعون حكايات متسولين أغنياء، يملكون الدور والأموال ومع ذلك تراهم يتابعون الخط نفسه، على مستوى الاستجداء والتسول، إذ نصير بصدد أسئلة يتداخل فيها الاجتماعي والنفسي وتكوين الفرد ووعيه واختياراته في الحياة.

وقلما تجد مواطنا عاديا، لا يستطيع أن يخبرك عن متسول غني أو ميسور الحال، حتى أن منهم من يلون حديثه برداء السخرية من متسولين يمدون أيديهم للاستجداء، باعتبار أنه يمكن أن يكون لديهم من المال والعقار، أكثر ممن يتسولون منهم المال والطعام
الأمثلة وافرة ولكل واحد منا قصته مع المتسولين.

فمنا من يصادفه الشاب "اللي انقطع به الحبل" والمرأة التي مات زوجها والشيخ العجوز الذي تنكر له الأبناء.
توجد فاطمة في منتصف الخمسينيات من العمر، لفاطمة برنامج تسول يومي
في الصباح توزع تسولها بين مكتب البريد والمخبزة.
في المساء، قبيل صلاة العصر، تتسول بجانب المسجد وبعد ذلك تعود لتجلس بجانب المخبزة من جديد.

من نبرتها في التسول قد تجد نفسك مدفوعا لمدها بدراهم من دون أن تتمكن من رد استجدائها بعبارة "الله يسهل" أو "الله يجيب" .

لكن الخضار الذي يوجد بالحي القريب من المخبزة يعرف كثيرا عن حكايتها. فهي تملك دورا تكتري بعضها ولها أبناء كبار يعيلون أنفسهم. لا يدري الخضار السبب الذي يجعل هذه السيدة تصر على التسول.
في هذه الحالة يمكن لعلماء النفس والاجتماع والمهتمون بالظاهرة أن يقدموا تشريحا للحالة والواقع.

يرجع الخضار تسول فاطمة، مع أنها تمتلك دورا ومالا يغني عن الاستجداء والتسول، إلى "البلية" و"التعود" على التسول. لا يلتمس الخضار العذر لفاطمة، لكنه يطلب لها الهداية و"العْفو" من الله.

بعيدا عن مراكش، في ضواحي بني ملال، هناك حالات من نفس المستوى والنوع، ومن ذلك، حكاية شخص جاوز الخمسينيات يقضي أيامه متجولا بين القرى، متسولا المال والقمح والأكل مع أن الجميع يعرف أنه يتحدر من أسرة غنية، وأن الحيلة أعيت عائلته في رده عما يقدم عليه، البعض يقول إن به "مس". وآخرون يكتفون بالدعاء إلى الله تعالى أن يلطف بالجميع.




تابعونا على فيسبوك