تفاح الظل للقاص ياسين عدنان

حالات أمكنة وشخوص قريبة إلى الواقع

الإثنين 17 يوليوز 2006 - 06:00
غلاف الكتاب

عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، صدر للشاعر والقاص ياسين عدنان مجموعة قصصية تحت عنوان"تفاح الظل".

عنوان مركب من كلمتين، وإن بدا مثيرا شيئا ما، فإن القاص اختزل به المجموعة بكاملها
ففي أدبيات الزراعة، لا وجود لفاكهة تنمو في الظل، من هنا فالعنوان يشي بفاكهة أخرى من فواكه العشق.

وتفاح الظل اسم أيضا وعنوان بارز لقصة تتوسط المجموعة، وتعتبر ـ حسب اعتقادنا ـ سويداء العمل.

المجموعة من القطع المتوسط، وتشتمل على قصص : "فرح البنات بالمطر الخفيف"،"حاطب حب" , "مرآة الجدة"، "درس عذري"، "فيلم حلمي طويل"، "تفاح الظل"، "نجم فوق السطح،" "عبدو المسعوف" و"الصدمة والترويع".

نحن، إذن، أمام مجموعة من الألفاظ تخدم المعاني والمعنى.

فكل قصة تستند وتنهض على حالة لغوية خاصة، وعلى أسلوب خاص أيضا، إذ اختار الراوي(القاص) لإبداعه القصصي أزمنة معينة، واتكأ على مكانين كبيرين في خرائطه الإبداعية، وهما مدينتا ورزازات حيث كان يدرس، ومراكش الحمراء حيث مسكن العائلة.

القصص التي تؤثت فضاء »تفاح الظل« لا تتشابه في تيماتها وتمظهراتها الفنية والسردية عموما.

فالكاتب - القاص دائم الحراك، فهو يتحدث بضمير المتكلم، حتى يخيل للقارىء، أن القصة جزء من ذاكرة الكاتب، بل جزء من سيرته الذاتية، إلا أن احترافية في السرد والوصف سرعان ما تبدد كل الظنون وتكشف اننا إزاء قلم يخترق الفضاءات والشخوص والأمكنة والحواري، ناسجا ومؤلفا حوارات حميمية، ومعتنيا أكثر بالطابع الجنسي البارد والحار للحكاية.

فتمثيلا لا حصرا، نجد في قصة »تفاح الظل« مشاهد ولوحات حميمية ذات طابع جنسي شبقي، حيث ذات الكاتب هي ذات رجاء الشخصية الرئيسية في الأضمومة، إلى جانب صديقتها نعمة، إذ يجعل من القصة موقفا إبداعيا، ومن هذا الموقف قصة أخرى، فالكاتب في هذه القصة، يبوح بكل ما هو حميمي ببراءة أشبه ببراءة الأطفال، في فنية جمالية وسردية لا توصف.

وصف وسرد نادرا ما نصادفهما في أعمال قصصية أخرى، فبجرأة كبيرة حينا، وبحس معرفي قوي، ينهض العمل معمدا بطقوس الكتابة المشهدية، مسافرا بالقارىء إلى عوالم جوانية لشخوص وكائنات، حيث يبقى المتتبع والمتيم بحب القراءة مشدودا بكل أحاسيسه إلى أعمال تبوح بأشهى التفاصيل وأدقها.

في "درس عذري" وهي قصة أخرى من المجموعة، يستثمر الكاتب ويوظف حالات خاصة وزمن معين، هو زمن التحصيل الدراسي، فخيوط الحكاية تبدأ من مقاعد الدرس، وتحديدا من المقعدين الأخيرين اللذين يجمعان عاشقين منغمسين في ذات واحدة، وفي روح واحدة، حيث يتوحد الفرد في الاثنين.

الحكاية تنهض على صور من الحكي الرصين.

إذ لم يكن العاشقان توأمين كما جاء في فضاء القصة، إلا أن عشقا جنونيا إلى حد الوله جمعهما.

فالكاتب-القاص ياسين عدنان نجح في خلق فضاء عجائبي، منتصرا للغة إدراكية حسية حميمية، حيث نلمس تجربة عميقة وخبرة في قراءة الذوات في عنفوانها وفي صخبها وفي سكونها.

بالمناسبة ندخل بلا استئذان إلى "درس عذري" حتى نكشف التوجه العام للحكاية التي احتضنت عالم العاشقين، يقول الراوي : "وكأن المقعد الأخير من الصف الثالث مرصود باسمهما، أو مقدر عليهما كما قدر على أهل الكهف أن يلبثوا في الكهف بضع سنين، لكن دعوني أصفهما لكم لتكتمل الصورة.كان أطول منها ببضعة سنتمترات، وأصغر منها ببضعة أشهر.بشعر أكثر سوادا ووجه أكثر إشراقا وعينين باسمتين.أما هي فاسمحوا لي أن أصفها لكم بألف ليلة وليلة : كانت صبية رشيقة، قاعدة النهد، ذات حسن وجمال، وقد واعتدال، وجبين كغرة الهلال، وألحاظ كعيون الغزلان، ونهدين كرمانتين باتفاق، وبطن مطوي تحت الثياب كطي السجل للسحاب" ص 22 .

الملاحظة في هذه الفقرة-الشاهد، أن ياسين عدنان تمكن من آليات الوصف والسرد معا، بأسلوب التشبيه والاستعارة، مفجرا طاقاته الإبداعية والإلهامية، إذ نستشف جانبا مضيئا من ركامه المعرفي والثقافي إلى جانب رفده من عيون الأدب، فهو يوظف إحالات قرآنية حينما أشار إلى أصحاب الكهف عرضا.

الدهشة الأولى تأخذنا إلى تلك الدقة في الوصف، وتلك القراءة المورفولوجية للجسد بشكل عام.

في قراءة لأعمال الشاعر والكاتب والقاص والأديب، عدنان ياسين، وأخص بالذكر الأعمال النثرية وتحديدا المجموعة التي بين أيدينا، نقف على حساسية جديدة في الأدب المغربي
فالقاص يستند إلى مخزونه الثقافي ورصيده المعرفي، مؤمنا بأن الكتابة التي لا تثير تساؤلات ولا تستنفر ذكاء القارىء ومخيلته، تبدو كتابة عابرة غير ناضجة، وإبداعا مكرورا بلا طعم ولا رائحة.

وحالة "تفاح الظل" كمجموعة قصصية تنتمي إلى الواقع وتتنفس الواقع، وكل قصة تختلف عن مثيلاتها من حيث السرد والأسلوب، على اعتبار أن اللغة هنا تشكل جسدا للنص، وليست مجرد أداة تعبيرية.

فخصوصية القاص الإبداعية طافحة معبرة عن نفسها بصوت مرتفع، بدءا من القصة الأولى التي اختار لها عنوان : "فرح البنات بالمطر"إلى نهاية المجموعة.

ربما ياسين عدنان تأهب لكل عمل قصصي بحالة لغوية مختلفة، شأنه في ذلك شأن كتاب كبار، وأسوق هنا مثلا، الروائي جمال الغيطاني، ففي روايته »الزيني بركات« كتبها بلغة القرن السادس عشر، فهي تختلف كثيرا عن رواية وقائع »حارة الزعفراني« التي كتبها بأسلوب حداثي.

فياسين عدنان في هذا العمل يعيش كل قصة بحالتها وبرموزها، بل بأبطالها الواقعيين والمفترضين.

أخيرا وليس آخر، نقف عند القصة الأخيرة "الصدمة والترويع" والتي بدا فيها القاص متأثرا بأحداث العراق، خصوصا بغداد الألفية الجديدة، بغداد الحروب، ولا غرو أن يوظف الكاتب عنوانا فرعيا تحت اسم »يوميات الحروب« لتكتمل الصورة.

في هذه القصة، يسافر بنا القاص إلى يوميات بغداد بأسلوب تقريري إخباري، ولما كان يعتمل في الصدور، صدور العالم العربي، قياسا إلى التظاهرات التي شهدتها مجموعة من العواصم، وتحديدا الرباط التي خرجت في مسيرة شعبية لدعم صمود العراق.

"تفاح الظل"مجموعة قصصية تؤمن بالجرأة وتسهم في أنسنة الوجود، وترميم شروخ الزمن، فالقاص وظف لغة عاشقة وأسلوبا مثيرا يسترشد بآليات الوصف والسرد، كاشفا عالما غرائبيا وتخييليا بلا حدود حينا، وأحايين أخرى عوالم ذات طابع جنسي حميمي
صدر للمؤلف ياسين عدنان، »مانيكان« ديوان شعري، منشورات اتحاد كتاب المغرب »من يصدق الرسائل« قصص، دار ميريت، القاهرة 2001 .

"رصيف القيامة" شعر، دار المدى دمشق 2003، إضافة إلى المجموعة القصصية »تفاح الظل« التي حاولنا تسليط بعض من الضوء عليها، لأننا لا ندعي أننا نملك أدوات نقدية، أو نمارس نقدا أدبيا، فقط لامسناها بشكل أفقي حتى نقربها إلى القارىء.




تابعونا على فيسبوك