الدورة الثانية لمهرجان الثقافة الأمازيغية بفاس

عبد الحق المريني يستعرض مكانة المرأة المغربية في التنمية البشرية الوطنية قديما وحديثا

الجمعة 28 يوليوز 2006 - 18:00
عبد الحق المريني

تختتمأخيرا بفاس، فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الثقافة الأمازيغية المنظم هذه السنة تحت شعار "الثقافة الأمازيغية والتنمية البشرية".

وفي هذا الإطار قدم الدكتور عبد الحق المريني ورقة في موضوع"مكانة المرأة المغربية في التنمية البشرية الوطنية قديما وحديثا" قرأتها بالنيابة الدكتورة فاطمة صديقي، نوردها في ما يلي : مساهمة المرأة المغربية في التنمية البشرية الوطنية هذا، واقع لا غبار عليه ولا مناص منه.

إذ التصفيق لا يكون بيد واحدة "يان أوفوس أور مايك"(يد واحدة لا تعجن الرغيف)
فالمجتمع، أي مجتمع، لا يمكن له أن يتصور بأن نصفه الرجالي بوسعه أن يكون قطب التنمية البشرية في بلاده بمفرده، هذا يستحيل تحقيقه، لأن أي تنمية لا يمكن أن تتحقق، إلا بفضل نصفي المجتمع الذكوري والأنثوي، وبتكاثف جهودهما تكاثفا متواصلا متوازنا.

فالمجتمع كالجسم لا يمكنه أن يقوم بأدواره المنوطة به، إلا إذا كان نصفاه يعملان في انسجام وتوازن، وارتباط وتضامن.

وإذا رجعنا إلى تاريخ المغرب، نجد أن المرأة المغربية المثقفة العالمة من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي ، كان لها دور فعال وأساسي في تنمية الفكر المغربي وتنويره وإغنائه بالدراسات والمصنفات والمساجلات مع فطاحل العلماء من الرجال
فمصنفات التاريخ المغربي والسير والتراجم والآداب والحديث تزخر بأسماء المعلمات، والعالمات، والمحدثات، والأديبات والشاعرات، والطبيبات، والمتصوفات، والمربيات، والمجاهدات، والمشيدات للمعالم الحضارية، وحتى بالسياسيات.

فحدث عن البحر في هذا المجال ولا حرج فتنمية الفكر المغربي التي ساهمت فيه المرأة المغربية عبر العصور بنصيب وافر، هو أهم عنصر في التنمية البشرية ببلادنا ماضيا وحاضرا.

فما بالعهد من قدم : لقد قامت "الفقيهات" قبل تأسيس مدارس البنات ببلادنا بدور تاريخي في محاربة الأمية في الأوساط النسوية بـ »دار الفقيهة« وخاصة في بعض الحواضر المغربية، وفي تفقيه النساء في شؤون دينهن، وغرس روح الوطنية في نفوسهن، مما هيأ بعضهن أن يساهمن في معارك المقاومة والتحرير.

وكثيرا ما أشاد الشعر الأمازيغي بنضال المرأة وتحملها للشدائد إلى جانب الرجل، وهو يخوض معارك التحرير.

ولا يغيب عن ذهننا أن الأدب الشفوي المتمثل في أشعار الأغاني الشعبية وفي الخرافات والحكايات والأحاجي والأمثال، سواء في الحاضرة أو في الوسط القروي الذي تحتضنه الجبال والهضاب والسهول، هو أدب نسوي بالدرجة الأولى.

وقد ساهم هذا الأدب على لسان النساء في المحافظة على الدارجة المغربية، من جهة وعلى اللهجات الأمازيغية من جهة أخرى في الأوساط الاجتماعية المغربية بدون استثناء
فتعتبر هذه المساهمة النسوية إذا ركيزة أساسية من ركائز التنمية ببلادنا.

ومع تطور الأزمان والأحداث، خرجت المرأة المغربية من دائرة اللهجات الشفوية إلى اللغات المكتوبة عن طريق تعلمها وولوجها لعالم المعرفة، وممارستها للوظائف والمهن الحرة، خارج بيتها ودائرتها الضيقة المغلقة، كما أشارت إلى ذلك في أحد بحوثها الأستاذة في علوم اللسانيات الدكتورة فاطمة صديقي.

وبذلك خرجت المرأة من نطاق التهميش الذي عانت منه كثيرا إلى نطاق العناية والرعاية، وبالتالي إلى نطاق المشاركة الفعالة في ميدان التنمية ببلادها.

وموازاة مع هذا مازالت صورة المرأة القروية، ابنة الجبال والهضاب والسهول ماثلة أمام أعيننا، فهي تنخرط بكل قواها في النسيج الاقتصادي وتنميته، فتحرث الأرض، وتزرع النبات، وتغزل الصوف، وتنسج الألبسة وتصنع الزرابي المزركشة، وتقطف الثمار من أشجار بساتينها، وتربي دواجنها، وترعى ماشيتها، وتمخض لبنها لتستخرج منه زبدته، وتذهب للأسواق للمتاجرة في إنتاجها وما حققته بعرق جبينها.

كما تهتم في نفس الوقت بتربية أبنائها، وتدبير شؤون بيتها، والقيام بلوازم مسكنها، وطبخ الأطعمة والرغيف لأهلها وضيوفها مخصصة مائدة للرجال وثانية للنساء وثالثة للأولاد.

ولا تنسى المرأة القروية العازبة نفسها في خضم هذه الأعمال التي نطلق عليها صفة التنموية بدون حرج أو تردد، فتتجاذب أطراف الحديث الحلو مع زملائها في العمل تؤدي إلى »إمخلي وتيمخليت« وتنتهي بـ "إيسلي وتيسليت".

وعندما حل عهد الاستقلال، واهتم الدستور المغربي بتقنين مساواة المرأة المغربية بشقيقها الرجل في التمتع بالحقوق السياسية، وحرية الرأي والاجتماع، وتأسيس الجمعيات، والانخراط في الهيئات السياسية والعلمية والثقافية، والمساهمة في الحملات الانتخابية، وفي تقلد الوظائف والمناصب العمومية العليا، وفي التمتع بحرية التربية والشغل على السواء بدون تمييز أو تفضيل، وفي الانخراط في الميادين العسكرية بجميع أصنافها وفنونها، فتحت الأبواب للمرأة المغربية الحضرية والقروية على مصراعيها، وتقدمت إلى الأمام بخطى متزنة وثابتة لا تعبأ بالذين في قلوبهم زيغ أو مرض، وبرهنت منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين على نضجها وكفاءتها في كل الميادين العلمية والإنتاجية والتقنية والإبداعية، وعلى مقدرتها للنهوض بوطنها سياسيا وأدبيا وعلميا وحضاريا وثقافيا واجتماعيا وفنيا ورياضيا، وتمثيليا في المؤتمرات والندوات الوطنية والدولية، مبرهنة بذلك على مقدرتها وكفاءتها، ومقدمة دليلها الذي لا يقبل الجدل أنها قادرة على المساهمة الفعالة في ميدان التنمية البشرية في وطنها على قدم المساواة مع الرجل الذي لا تقل عنه ذكاء وإدراكا وحنكة ودراية ومردودية وإنتاجا.

والدليل على ذلك هي هذه الصور الناطقة بكل معانيها عن المساهمات النسوية في جميع مجالات التنمية في أوساط المجتمع المدني بجميع فصائله وطبقاته.

فليس هناك بالمغرب آنيا أي نشاط تنموي، سواء كان فكريا أو صناعيا أو علميا أو تجاريا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو تربويا أو تقنيا أو طبيا أو فنيا، إلا وتكون المرأة المغربية حاضرة فيه بثقلها وبخبرتها وبكفاءتها : فهي تقدم المساعدات المادية والمعنوية للفئات المعوزة، وتحارب الأمية في الأوساط النسوية، وتساعد القرويات على الاستقرار في محيطهن، وتطوير كفاءتهن في أنشطتهن القروية، كالفلاحة والصناعة التقليدية والتجارة في الأسواق، وتفتح أوراش العمل لإدماج الفتيات المهمشات، وتمهد السبل أمام الأطفال المتخلى عنهم واليتامى لانتشالهم من دروب الانحلال والانحراف، وتعمل لإدماج المعاقين في مجتمعهم حتى لا يبقون عالة عليه، وتقوم بحملات لتحسيس النساء بوسائل الوقاية الناجعة ضد الأمراض المعدية، وتبعد عن المقهورات من الزوجات شيح عنف الأزواج المتهورين، وعقوق الأبناء الضالين، وظلم ذوي القربى من الرجال والنساء المتنطعين.

كما تعمل جاهدة في مسلسل التنمية الاقتصادية وخاصة في القطاع الخاص كأجيرة وكإطار وكمقاولة وكمسيرة، مبرهنة على مهارتها في الميادين التقنية والمعلوماتية، وفي مجالات التدبير والتسيير واقتصاد السوق التي كانت من أهم خصائص الرجال واختصاصاتهم.

ولعل مما يجب التذكير به في اختتام هذه المداخلة الرمزية، أن أفلاطون تنبأ قديما ـ كما قال الفلاسفة ـ في كتاباته عن المدينة الفاضلة، حيث أظهر في مجتمعها المثالي الرجال والنساء كأفراد يحرسون هذه المدينة ويحكمونها على السواء، رغم اختلافهم في التكوين البيولوجي، ورغم ما قيل قي ما بعد عن المرأة في القرن التاسع عشر، بأن عاطفتها تغلب عقلها.

وسبحان مبدل الأحوال كلل الله مساعي نساءنا ورجالنا من أجل تنمية مستدامة لبلادنا ـ كل في مجاله وحسب مؤهلاته ـ بالفوز والنجاح والله المستعان.




تابعونا على فيسبوك