مسرحية هنا طاح اللويز

بين لغة المثقف وخطاب الفقيه

الأربعاء 22 مارس 2006 - 11:56

كان لجمهور الرباط موعد مع مسرحية "هنا طاح اللويز" بمسرح محمد الخامس مساء يوم الأربعاء الماضي عرف خلاله إقبالا جماهيريا يثلج الصدر باعتباره اشارة ايجابية بأن هناك عشاقا لأبي الفنون ممن يتابعون الحركة المسرحية المغربية.


الموضوع من تأليف وإخراج مسعود بوحسين تشخيص حسنة الطنطاوي، بنعيسى الجيراري، محمد الشوبي والحسين بوحسين، أربعة أبطال وسط ديكور بسيط ولكنه معبريعطي فكرة مسبقة عن الساكنة، يتناوبون على ارسال رسائل مشفرة حينا وواضحة أحيانا.

وفي غضون ساعتين من الزمن تقاسموا فيها البعض من هموم المواطن مع الجمهور الذي صمد رغم برودة القاعة التي خففت منها دفء المسرحية خصوصا وأنه يمثل طرفا معنيا من مجتمع يئن في سكون قاتل تحت وطأة القهر على مستوى الثلاثية الجهنمية عندما تصيبها الصائبة وهي الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، لتخترق هذا السكون صرخة المعطلين الذين استنفدوا جميع المحاولات لإيجاد حلول لمشاكلهم.

يقوم بدور أحد العناصر من هذه الشريحة في شخصية رحال الممثل محمد الشوبي ، لبس قميص الدكتور المعطل وجاء على مقاسه لأنه جعل المتفرج يتعاطف معه بعد أن فتح نافذة يطل منها على واقع أصبح مشهدا يوميا في الحياة الاجتماعية المغربية تتحدث عنها الصحف كمادة مثيرة جعلت من مواطنين مثقفين وعاطلين دفع بهم اليأس إلى إحراق أنفسهم واللجوء إلى الانتحار هروبا من وضع صعب جدا يتعرضون فيه إلى شتى الإهانات من طرف السلطات التي تمنعهم من الإضراب والاعتصام وهو حق مشروع.

رحال، الدكتور المعطل ما زال يحتفظ بشيء من عزة النفس يحاول أن يوهم نفسه ويقنع المحيطين به بأن البلد الذي لفظه ويتحاشى الحوار معه هو بحاجة اليه وإلى خبرته
تضطره الظروف الاقتصادية والاجتماعية إلى كراء غرفة بئيسة في بيت بئيس يلتقي فيه بجارة هي رقية، تقوم بالدور حسنة الطنطاوي ، إنسانة تعيش على حلم الهجرة الى الطاليان للقاء زوج لا يوجد إلا في مخيلتها وتحاول بكل امكانياتها أن تستمر في الحياة بالتقرب من جارها المثقف والهمس إليه بأنها سيدة محترمة تبحث عن عيش محترم، ولكنها لا تتورع في المطالبة بمقابل دخوله المرحاض الذي جعلت منه مصدرا ماديا، فتدخل معه في حوار عقيم يتحدث فيه رحال بلغة الملكية العامة، حقوق المواطن والقوانين المشروطة.

كلمات ومعاني لا محل لها في معجم رقية الأمية عبرت عنها عندما تظاهرت بالمرض وطلبت من الدكتور أن يفحصها انطلاقا من أن الدكتور بالنسبة لها هو الطبيب فقط لا غير
أما الشخصية الجميلة التي استطاعت أن تضفي على المسرحية نوعا من الكوميديا السوداء التي تقر بأن كثرة الهم تضحك وصفق لها الجمهور كثيرا تحية لها، هو الفقيه و قام بالدور بنعيسى الجيراري أبدع فيه بحركاته وقسمات وجهه يمزج بين لغة "الفقهاء" المشعوذين الضالعين في غياهب السحر وتسخير الجان، وخطاب المثقفين، بسهولة يقنع رقية بقوة تأثيره على خدامه من الجن.

يدخل في دائرة الضوء بعفوية وسذاجة الشاب حمودة ـ الممثل الحسين بوحسين ـ و يقوم بدور السمسار الذي يقتنص الزبائن لكراء الشقة، يسر حمودة للفقيه أنه يريد الهجرة الى الخارج فيقنعه هذا الأخير إنه بإمكانه أن يسهل له السفر إلى الضفة الأخرى بمساعدة ميمون وذلك حسب رغبته لأن ميمون يتمتع بقوة خارقة إذ يتجول عبر البر والبحر والسماء.

حمودة يمثل شخصية الشاب الذي يقتل وقته في أعمال لا تسمن ولا تغني من جوع للهروب من واقع أدمى جروحه، فلما تجرأ وتمرد على الفقيه عاقبه بالحبس داخل المرحاض لمدة ثلاثة أيام طالت حسب رغبته في مشهد يحمل أكثر من رمز يشير فيه المؤلف إلى النفسية التي يعيشها السجناء وربما يرمز بالمرحاض إلى عالم يفتقر إلى أبسط شروط العيش ليخرج منه حمودة فاقد العقل، مضطربا نفسيا ويشير إلى السجن كمكان من المفروض أن يكون إصلاحية تساهم في تهذيب السجين وتشعره بأن العقاب من أجل خطإ عليه ألا يعيد ارتكابه، لكن الواقع يكشف عن الوجه الآخر الذي يصبح فيه الضغط النفسي فظيعا يدفع بالسجين إلى الجنون.

ولو أن العنوان يبقى بعيدا بعض الشيء عن الموضوع العام و إشارة خجولة إلى قيمة المادة و اللهاث وراءها في زمن أصبحت فيه القيم الإنسانية لا شيء فالمسرحية تعتبر دعوة تضامنية مع الفئة المهمشة لإدانة من هم المسؤولون عن وضع لا تحترم فيه حقوق الإنسان وبالتالي تكون قد أوصلت رسالة بطريقة أكثر منها قربا إلى البسط عوض العنف.




تابعونا على فيسبوك