منتدى الحكمة

يخرق صمت المثقفين المغاربة عن الرسوم الدنماركية

الثلاثاء 14 مارس 2006 - 11:53
طه عبد الرحمان

بصدور بيان استنكاري ومسؤول عن "منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين" بخصوص الرسوم الكاريكاتورية سيئة الذكر، تكون النخبة الثقافية المغربية قد خرجت نسبيا عن صمتها المطبق اتجاه الضجة العالمية التي أثيرت حول الموضوع.

فقد اعتبر بيان صادر عن المنتدى أن الرسوم المسيئة بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أحدثت شرخا كبيرا بين العالمين: الغربي والإسلامي، مطالبا بعدم الاكتفاء بالنظر عند هذه الرسوم بعينها، والنظر إليها على أنها هي وحدها السبب في تأزم هذه العلاقة، ومؤكدا على أن استصدار تشريعات قانوينة تحمي جميع الأديان من الإساءة إليها والتطاول عليها، وإن كان ضروريا، لا يكفي بمفرده للقضاء على جذور الأزمة
جاء ذلك في بيان صدر في الموضوع وألقاه طه عبد الرحمن، رئيس المنتدى، بمقر الهيئة زوال السبت الماضي.

واعتبر البيان أن النفاذ إلى عمق إشكالية هذه العلاقة المتأزمة بين العالمين لا يتأتى إلا من خلال مداخل ثلاثة أساسية ينبغي الأخذ بها مجتمعة: أحدهما تراكم العدوان، بحيث لا يمكن فهم الأزمة القائمة إلا إذا ربطنا نشر هذه الرسوم الساخرة بما سبقها من إنتاجات فكرية وأدبية وفنية تطفح وقاحة واستهتارا بمشاعر المسلمين، ومن ممارسات شائنة طالت المصحف الشريف، تدنيسا وتحريفا، وتدخلات سافرة مسَّت محتويات التعليم الديني والمقدسات الإسلامية، ثم سلوكات شاذة ومُخزية أذاقت السجناء المسلمين أصنافا من التعذيب وألوانا من الإهانة؛ وكل هذه التصرفات، على فظاعتها.

يضيف نص البيان، ما هي إلا فصل من فصول سياسة عدوانية مستمرة عبر تاريخ طويل، ابتدأت بالحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، واستمرت مع الاستعمار، ومازالت مستمرة بما أنشأته من بؤر التوتر والاحتقان المتمثلة في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان وإندونيسيا والشيشان وإيران وغيرها، وعندئذ، لا عجب أن يُجسِّد الغرب، في أعين المقهورين، مفاسد الظلم والطغيان وازدواجية المعايير؛ لذلك، فإن كل استفزاز يَصدر منه إزاء العالم الإسلامي، من شأنه أن يوقظ في النفوس هذه المشاعر الساخطة.

أما المدخل الثاني، فيرتبط بترسيخ التصور النمطي الغربي الفاسد عن الإسلام؛ فهذا التصور الذي يحمله المخيال الجمعي عند الغرب لعب ولا يزال يلعب أدوارا حاسمة في بناء رؤاه واتخاذ مواقف حيال الذات والآخر، فالصور المستهزئة التي أشعلت فتيل الأزمة، تُوضّح كيف أن هذا التصور النمطي الغربي جرى على عادة ربط الإسلام بالعنف والتعصب والهمجية والانغلاق.

ولو سلَّمنا بأن الإساءة إلى الرسول (ص) قد تنمُّ عن جهل مرتكبها بمقدار الأذى الذي ألحقه بالمسلمين، فلا يمكن أن نُسلِّم بأن هذا التصور النمطي يعكس حقيقة الصورة المضمرة في المخيال الجمعي الغربي عن الإسلام؛ فالغرب حقا، لم يغادر قرونه الوسطى في ما يخص صورته عن هذا الدين الحنيف.

كما توقف البيان عند المدخل الثالث، ويتعلق بالتسيّب في ممارسة حرية التعبير؛ ملاحظا أن الغرب (السياسي والفكري والفني والإعلامي) الذي يدَّعي أن حرية التعبير، كواحد من حقوق الإنسان الثابتة، حرية مطلقة غير مقيَّدة؛ إلا أن المفارقة العظمى في موقفه هي أنه يرفع عنها، فعلا، كل القيود والضوابط متى حصل استهداف الإسلام والمسلمين؛ لكنه يبادر إلى مصادرتها كليا متى تعلق الأمر بشبهة "معاداة السامية" أو التشكيك في "المحرقة"، ولا يخفى أن حرية التعبير ليست بهذا الإطلاق المزعوم ولا بهذا التسيب المذموم.

وينهض دليلا على ذلك وجود قيود متعددة يسرد البيان مجموعة من القيود السياسية والإيديولوجية والقانونية والقيمية والأخلاقية. وفي الأخير، نبَّه البيان إلى أن استصدار تشريعات قانوينة تحمي جميع الأديان من الإساءة إليها والتطاول عليها، لا يكفي بمفرده للقضاء على جذور الأزمة، فقد تكون مثل هذه التشريعات خطوة أولى في طريق الحد من الاستفزازات السافرة وفي امتصاص الغضب المتنامي، ولكنها لا تستطيع أن تُغيّر نمط العلاقة الاستعمارية والاستعلائية التي يقيمها الغرب مع العالم الإسلامي، ولا أن تُبدّل الصور النمطية التي كونَّها عن الإسلام.

ومن ينكر أن تغيير هذه العلاقة وتبديل هذه الصور يدخلان في صميم اختصاص الثقافة والتربية؛ ولا يستطيع أن ينهض بهذه المهمات الثقافية والتربوية إلا أهل الفكر، ولهذا السبب تحديدا، يهيب البيان، بالحكماء والشرفاء من أهل الفكر في كلا العالمين: الإسلامي والغربي أن يهبّوا إلى تحمُّل هذه المهمة التنويرية التربوية الجسيمة، والتي تقوم على تفكيك الصور النمطية التي يتشكل منها المخيال لدى الغرب وكشف السلوكات الاستكبارية التي ما فتئ ينتهجها إزاء شعوب العالم الإسلامي.




تابعونا على فيسبوك