في أفق بلوغ القصة القصيرة سن الرشد

محمد عزيز المصباحي : الأدب المغربي حديث، بدون جذور ولا أعلام

الأحد 12 مارس 2006 - 14:10
محمد عزيز المصباحي

قال محمد عزيز المصباحي الأديب والقاص المغربي، إن تاريخ الأدب المغربي الحديث يبين أن القصة القصيرة استطاعت أن تراكم عددا مهما من النصوص والمجموعات القصصية، يعادل في مجموعه ثمانين سنة من ممارسة الكتابة القصصية، كما راكمت عدد من الأسماء لقاصين وقاصات خرج بع


وأضاف المصباحي خلال الندوة التي عقدها نهاية الأسبوع الماضي فرع اتحاد كتاب المغرب بالمحمدية حول القصة المغربية الجديدة، أنه أمام هذا الوضع المتسم بانعدام وضوح الرؤية، وفي غياب شبه تام للنقد القصصي، وبداية هيمنة الكتابة الافتراضية أضاف : فإن الملاحظ المجرد لا يمكن أن يقرّ هل هو أمام أدب في طور التكوين أم أمام أدب في طور الاضمحلال والانقراض ؟؟ ما دمنا نقر بوجود تراكم نصوصي ولا نملك، بالمقابل، قواعد ولا نظرية ولا دراسات مواكبة وحاضنة لهذا الإنتاج؟ هل نستطيع أن نتحدث باطمئنان عن القصة القصيرة المغربية، قديمة كانت أو جديدة ؟ ماذا نقصد بالجديدة وماذا نقصد بالقديمة كيف نضبط هذه المصطلحات في حقول العلوم الإنسانية؟ وداخل هذا الركام القصصي، هل نستطيع أن نحتضن باطمئنان نصوصا معينة باعتبارها قصصا قصيرة جيدة ومتميزة بفرادتها ونمذجتها وتجريبيتها ، تستحق ـ على الأقل ـ أن تمثل قصتنا القصيرة الدالة والجديرة بجنس أدبي عالمي، كتابي، حديث، وجديرة بكونها مغربية؟ بل يمكن أن نجد بينها ومثيلتها في أوربا وأميركا اللاتينية وآسيا نقط التماثل وصلات القرابة في القيم والرؤية والتصور .

وأشار إلى أن أغلب كتاب القصة القصيرة وقرائها، بالإضافة إلى أساتذة الأدب المغربي، يفتقدون تصورا ولو أوليا، لنظرية تهتم بتفاصيل وأسرار وخلفيات القصة القصيرة في المغرب وبالتالي يشتكون على الدوام من انعدام كتابات نقدية منهجية متخصصة، باعتبارها القراءة المثالية الممكنة بل، حتى في ما أنجز باسم البحث العلمي بخصوص هذا الموضوع، وجده المصباحي يتجاهل إن لم يكن يجهل أن للقصة القصيرة فلسفتها الخاصة بها كنمط أدبي وثقافي يرتبط بظروف تاريخية واجتماعية محددة.

والنتيجة يتابع المصباحي أن الكثير من الكتابات القصصية والعديد من كتاب القصة لم يستطيعوا التخلص النهائي من هيمنة قراءاتهم أو كتاباتهم الروائية، من جملها وأساليبها وآلياتها وبنياتها فبالأحرى إدراكَ التناقض الأجناسي والفلسفي الموجود بين جنس الرواية وجنس القصة القصيرة، وأكد على أن لا غرابة إذا وجدنا كتابا يلجأون إلى كتابة القصة ويمارسونها بذوق ووعي روائي، يكتبونها وهم لايومنون بجوهرها، بجحودها وتطرفها وكفرها وإباحيتها وجماليتها الخاصة.

وتساءل عن أية خانة يمكن أن نضع أنفسنا ونحن نتحدث عن راهنية القصة القصيرة وعن مستقبلها وماضيها، عن قديمها وجديدها، في غياب هذه النظرية وهذا النقد وهذه الرؤية؟ واعتبر المصباحي أن القصة القصيرة من هذا المنطلق هي وليدة مجتمعات تتوفر على رأي عام وعلى مجتمع مدني قارئ ، وهي القلب النابض لمجتمعات تجاوزت بالفعل الثقافة الشفاهية.

وهو الأمر الذي لايتوفر للقصة المغربية، التي تعارك وتعاني مجتمعا مدنيا لازال في علم الغيب، و نظاما أسرويا هشا، وتعليما عتيقا بدون تصور وطني ولا برامج ولا أهداف حقيقية، وأمية تضرب أطنابها في كل اتجاه.

داخل عالم وعولمة تتحرك بسرعة فائقة وتقنية عالية ومعرفة تجاوزت المكتبات التقليدية إلى الشبكة العنكبوتية المتطورة يوما عن يوم ورغم كل المعيقات سجل المصباحي أن القصة القصيرة باعتبارها جنسا أدبيا حديثا قد دخلت في صلب الثقافة المغربية وكونت لنفسها مرجعية وأفقا تترجمه النماذج القصصية القليلة التي استطاعت أن تستوعب جوهر هذا الجنس الأدبي المستورد وأن تعمل على خلق ورعاية نمط من القراء المماثلين له، وأضاف أن هذه النماذج هي التي تلبي سؤال وجود القصة القصيرة في المغرب، بينما الأغلبية الساحقة من النصوص المكتوبة لا يربطها بالقصة القصيرة، الحقيقية بهذا المعنى، سوى إصرار كتابها على تجنيسها من خلال قناعتهم الشخصية بأن ما يكتبونه هو قصة قصيرة وليست شيئا آخر أو هي شيء آخر يمكن تسميته بالكتابة أو الحكاية أو نصوص سردية أو مجرد قص.

وأوضح أن الاضطراب في الاسم والمصطلح يجد معادله الموضوعي في تعدد وغموض وانفصام القراء المحتملين للقصة القصيرة المرتبطة بوجود هذا النوع من القراء المرتبطين بالمدينة وبالكتابة وبالاغتراب والعبث واللاجدوى القصة القصيرة هي الأكثر ارتباطا بهذه الرؤية وبهذا الإنسان.

ونبه إلى أن قراء القصة هم الذين يلعبون الدور الحاسم في بلورة مفهومها وملامحها ومفاصلها ولغاتها، وبما أنهم ليسوا فئة اجتماعية متجانسة ، بل فئات ومللا ونِحلا، فكذلك هي القصة القصيرة لابد أن تكون غير متجانسة ومتعددة ومتداخلة ، كل نمط قصصي يرتبط بفئة من القراء المختلفين عن نظرائهم من قراء القصة نفسها أو قراء الشعر أو الرواية.

وعلى هذا الأساس قال المصباحي لايمكن الحديث عن البدايات الأولى للقصة القصيرة أو عن ماضيها أو مستقبلها بدون القيام بتصنيف نقدي أكاديمي لأنماط القصة عندنا، وبدون تراكم نقدي ونظري يسمح بكتابة تاريخها وتحديد ميلادها وتياراتها ومسالكها وخصائصها وعصاباتها.


وبعد ذلك يمكن تحديد النمط القصصي المراد الحديث حوله وعنه وأضاف أنه غالبا ما يتم الحديث عن القصة وفي أذهاننا النماذج القصصية التي استطاعت أن تتبوأ قمة الاهتمام والتداول والنقد والقراءة والتي تستحق بالفعل أن تمثل القصة القصيرة في المغرب
واعتبر أن وجود هذه النماذج وطرق كتابتها وآليات اشتغالها تثبت أن القصة القصيرة في المغرب قصة تجريبية بل تثبت أكثر من ذالك أن الأدب المغربي، شعره ونثره، هو أدب تجريبي سواء بالنظر إلى عمره أو بالنظر إلى أصله الغربي أو بالنظر إلى القطيعة التي يؤسسها ويتبناها مع ما كان يكتب المغاربة قبل التقائهم بالغرب، فالأدب المغربي حديث، بدون جذور وبلا أعلام وبدون أساتذة.

لذلك وجب انتظار بلوغ القصة القصيرة سن الرشد مع نهاية القرن العشرين لنجد جملة من الظواهر الكتابية و المعطيات الفنية تسمح بتسجيل القصة القصيرة الحديثة التي تتمتع بمجموعة من الخصال ذكر منها المصباحي كونها جنسا أدبيا هجينا يترك الصفاء الأجناسي للشعر والرواية ولو أن مسألة الصفاء مجرد وهم يحتاج إلى المزيد من المساءلة والبحث، وأنها تأخذ من الشعر أجمل ما فيه (الموسيقى)، وتأخذ من الرواية فرشاة رسم الأمكنة والأشياء ومن النكتة بنيتها ومن الحكاية الشعبية واللغة اليومية كلامها الساقط والرذيل، وأضاف أنها تحكي بضمير المتكلم وبالتالي ترغم الراوي على الدخول والتورط والمواجهة، وترغمه على أن يرى العالم والحياة والآخرين من خلال الذات في انفعالاتها وأبعادها ومتطلباتها وأوساخهامن خلال نوع من التداخل بين الذات والموضوع، وهو ماوجده بارزا لدى القاصات العربيات بصفة عامة حيت تتحول الكتابة إلى نوع من المكاشفة والتعري العلني أمام القارئ "استريبتيز".

وأضاف أن القصة القصيرة تتمرد على الواقعية، حيث أن كتاب القصة في الستينات من القرن الماضي وتحت تأثير الموجات الفكرية والإيديولوجية القومية يتمسكون بوحدة الحكاية ويدافعون عن علاقتها الحميمة بالواقع وأن الواقع هو الملهم والكتابة أداة لتغيير الواقع، وهم مايزالون رغم أن الواقع لم يتغير لابفعل الكتابة ولابفعل السياسة، إن لم يكن ازداد سوءا، موضحا أن واقع كاتب أرستقراطي ليس هو واقع كاتب لا يملك قوت يومه، وأضاف أن الكتابة تغيرت الآن وأصبح الواقع الكامن في عمق الذات الكاتبة أكثر صلابة ووضوحا من واقع يتجاوزنا بعجائبيته ورمزيته وإيحاءاته.

وختم المصباحي بأن القصة القصيرة نص عجائبي بامتياز، واعتببرها الصرح الذي يوضح التناقض بين الواقع المعاش وبين أخر متخيل وخارق وورطة الكاتب هي عدم إمكانية فرز الحقيقي من المزيف وعدم تحديد من يعكس الآخر.

واعتبر أن التراكم لم يؤد إلى الكيف الطبيعي وإنما أدى إلى القطيعة بين قصة الستينيات والقصة المعاصرة، أو بالأحرى لم تتبلور قصة قصيرة جديدة يمكن اعتبارها ابنة شرعية لقصة الستينيات بقدر ما تبلور الآن لدى الكتاب الشباب وعي قصصي جديد سواء في التعامل مع اللغة العربية الفصحى أو في التعامل مع مكونات وميكانيزمات الكتابة القصصية.
الوعي بضرورة إعلان العصيان القصصي ضد أرسطو وتمريغ لحيته وشرائعه في التراب من خلال رفض مقولات الزمن والمكان والصيرورة الوعي بالتيمات الحقيقية المتحركة كالديدان تحت جلد الكاتب ثم الوعي بنوعية القارئ الذي تكتب على شرفه القصة القصيرة.




تابعونا على فيسبوك