كل يوم من فعاليات "ميدايز 2024"، تحمل لك أجندة مواعيده جلسات نقاش عدة مفتوحة أمام المشاركين، مطروحة على طاولتها قضايا لا تقل أي واحدة منها أهمية عن الأخرى. وهي برمجة لا يمكن إلا أن تضعك في حيرة الاختيار، وهو ما عشناها، أمس الخميس.
ففي اليوم الثاني من المنتدى الذي تحتضنه مدينة طنجة، من 27 إلى 30 نونبر 2024، تحت شعار "سيادات وقدرات الصمود: نحو توازن عالمي جديد"، كان مليئا بالحيوية والنقاشات المثيرة، حيث تناولت الجلسات مواضيع استراتيجية محورية مثل مبادرة الأطلسي، ومستقبل التنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة والتحضيرات الجارية لاستضافة المغرب مونديال 2030، في ملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال، والتي تميزت بمداخلات قيمة لضيوف بارزين تقاسموا آرائهم وسط قاعات اكتظت عن آخرها بحاضرين، شكل الشباب شريحة مهمة منهم.
وهو المشهد الذي لم يغب عن القاعات الأخرى التي احتضنت باقي النقاشات، ما يبين حجم الإقبال الكثيف على هذا الحدث الدولي الكبير، الذي فتح أمام المشاركين، أول أمس الخميس، لاستكشاف آفاق قضايا تستأثر باهتمام وطني وقاري ودولي.
ترحيب كبير بالمبادرة الملكية
وسط زحمة الاختيار والحضور، كما وسبق لنا الإشارة إلى ذلك، لم يكن تناول قضية شديدة الأهمية على المستوى الإقليمي والدولي، إلا لتحظى جلسته بمتابعة خاصة، وذلك ما كان. فمبادرة الأطلسي كانت من أبرز المواضيع التي شغلت المشاركين، والتي سار نقاشها في عدة اتجاهات، منها الفرص الكثيرة التي تتيحها أمام دول القارة وباقي الدول، وذلك وسط ترحيب كبيرة بهذه الخطوة المغربية الرائدة.
وأكد المتدخلون، خلال هذه الجلسة تحت عنوان "إفريقيا الأطلسية وما وراءها: أفق جديد للتكامل الاقتصادي والنمو والتنمية المشتركة"، أن هذه المبادرة الدولية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، فرصة لتحقيق التكامل الإقليمي للدول الساحلية وغير الساحلية، مشيرين إلى أنها تحترم سيادة الدول، ومؤكدين، في الوقت نفسه، على وجوب دعمها من أجل تطوير إفريقيا.
وفي هذا الصدد، أشاد وزير الشؤون الخارجية والدفاع الأسبق بجمهورية الرأس الأخضر، لويس فيليبي تافاريس، بالقيادة الحكيمة لجلالة الملك بإفريقيا، والذي قال بأنه يتمتع برؤية استشرافية تستجيب إلى أهداف التنمية الأساسية، مضيفا بأن المبادرة تصب في هذا المنحى، فهي تحترم سيادة الدول ولديها آلية تنفيذ جيدة متمثلة في الدبلوماسية المغربية المتعددة الأبعاد.
وأبرز لويس فيليبي تافاريس أن المغرب قنطرة مهمة بين العالم وإفريقيا جنوب الصحراء، موضحا أن "المشروع يأخذ بالاعتبار الأصول التاريخية والجوانب الإنسانية، ويجلب السلام والاستقرار السياسي للدول الـ23 المطلة على المحيط الأطلسي".
كما شدد وزير الشؤون الخارجية والدفاع الأسبق على وجوب دعم هذه المبادرة من أجل تطوير إفريقيا، التي أكد على أنها أصبحت واجهة العالم حاليا.
ومضى قائلا "علينا أن نعمل معا لضمان أن تساهم المشاريع المخطط لها (خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، وميناء الداخلة الأطلسي، وما إلى ذلك) والمبادرات المغربية الأخرى في تنمية إفريقيا"، مضيفا "علينا أن نجتمع معا. لتعليم وتدريب شبابنا، بهدف المضي قدما وخلق النمو والتنمية لجميع الأفارقة".
بدوره، قال فرانسوا لونسيني فال، رئيس الوزراء السابق لجمهورية غينيا، إن المبادرة تحقق التكامل الإقليمي للدول الساحلية وغير الساحلية، مشيرا إلى أنها مشروع مبتكر، والذي يجب أن يكون مصدر اهتمام جميع هذه الدول. وذكر فرانسوا لونسيني فال بأنها "مبادرة تنسيق لجميع الدول الإفريقية"، مبرزا أهمية تمكين الدول الساحلية وغير الساحلية من الاستفادة من المحيط الأطلسي ومن الموارد الهائلة التي يحتويها.
وبهذا الخصوص، أثار ما تشكله المسائل الأمنية من تهديد بالنسبة لهذه الدول، مؤكدا على ضرورة القضاء على ظاهرة الإرهاب للتي تلقي لظلالها عل المنطقة ككل، والجرائم المنبثقة عنها.
أما رئيس وزراء غينيا بيساو السابق، أوغوستو أرتور أنطونيو دا سيلفا، فأشار إلى أن مشروع خط أنابيب الغاز الإفريقي الأطلسي الطموح سيلعب دورا مهما في تعزيز التكامل الإقليمي، مشددا على ضرورة الاستثمار بشكل أكبر في تعزيز قدرات دول القارة.
من جهته، قال رئيس الوزراء الهايتي السابق، لوران لاموت، إن مبادرة الأطلسي ستطور إفريقيا بشكل كبير، مشيرا إلى أنها تشكل فرصة فريدة من أجل مساعدة الدول الإفريقية والأوروبية من أجل التواصل والتنسيق معا.
وطرح لوران لاموت، في هذا السياق، الوصول إلى التمويل الخاص والعام للوصول إلى تحقيق هدف التنمية الملموس، والذي يعد من الركائز الأساسية لهذا المشروع الكبير، مسلطا الضوء على أهمية مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا ونيجيريا والمغرب، الذي سيوفر فرصا هائلة للشركات الناشئة والشباب الأفارقة وبلدان الساحل غير الساحلية.
تنمية الأقاليم الجنوبية.. إعجاب
بعد هذ النقاش الغني الذي اتسم بالترحيب الكبير بمبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، انتقل الاهتمام إلى قضية أخرى حيوية، ألا وهي هي التنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأجمع خلالها سياسيون وأكاديميون أفارقة على الإشادة بالنموذج التنموي الجديد لهذه الأقاليم، والذي جعل من المنطقة أرضية للتنمية المستدامة ومنصة جذابة للاستثمارات.
وفي هذا الإطار، أكد المستشار الخاص لرئيس جمهورية مدغشقر، باتريك راجولينا، أن "المغرب انخرط في مسلسل مستمر لتنمية الأقاليم الجنوبية، كما حقق منجزات مثيرة للإعجاب"، موضحا أن هذه الاستراتيجية جعلت من الأقاليم الجنوبية حواضر قائمة الذات وليس مجرد جهات تابعة للمركز.
ودعا راجولينا إلى ضرورة مواكبة هذه الاستراتيجية بتسويق وخلق علامة اقتصادية للأقاليم الجنوبية مع تشجيع المقاولات، المغربية والأجنبية، على الاستقرار بالمنطقة من خلال وضع حوافز جبائية.
كما أشاد باتريك راجولينا برؤية جلالة الملك التي مكنت المغرب من التوفر على دبلوماسية فعالة، مبرزا أن المغرب حاضر بقوة في المحافل الدولية، سيما بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كما حقق منجزات دبلوماسية كثيرة، تتعلق أساسا باعتراف الدول الكبرى بمغربية الصحراء.
من جهته، قال وزير خارجية جمهورية جزر القمر الاتحادية السابق، فهمي سعيد إبراهيم، إن "حق المغرب في أرضيه بالأقاليم الجنوبية لا يمكن إنكاره، موضحا بأنها "تشكل اليوم نموذجا رائعا لقدرة المغرب على الابتكار والتنمية، ما جعل المنطقة تسجل إحدى أعلى معدلات النمو وتستقطب استثمارات كبيرة".
وذكر سعيد إبراهيم أن "المغرب، تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك، عمل على تطوير الأقاليم الجنوبية وجعل منها أداة رائعة للدبلوماسية"، مضيفا أن هذه الأقاليم شهدت تحولا مدهشا على مدى 20 سنة الماضية، بفضل منجزات المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها". وزاد موضحا "من وجهة نظر إفريقية، لا يمكن لنا إلا أن نعبر عن إعجابنا بهذا الأمر وبالمنجزات المحققة".
وشدد على أنه "أمام هذا التقدم، لا يمكن لأي أحد دحض الدلائل ولا تزوير التاريخ، فالأقاليم الجنوبية كانت دوما تؤدي البيعة، وهي الرابط القانوني بين السكان وملوك المغرب"، معتبرا أن "المغرب أمة وبلد عريق، يشهد نهضة متواصلة منذ الاستقلال، وعرف، بفضل أصالته، كيف يبصم على مسار تنموي رائع".
وفي مداخلته، قال وزير الخارجية السابق لجمهورية ليبيريا، غبيزونغار ميلتون فيندلي، إن حجم ما تم إنجازه بهذه الأقاليم في هذه السنوات كبير جدا، معتبرا أن المغرب وضع سياسات بأهداف مستقبلية محددة لتنمية الأقاليم الجنوبية. وأشار إلى أن هذا النموذج يتعين استلهامه من طرف بلدان غرب ووسط وشرق إفريقيا بالنظر إلى النتائج المحققة، سيما تحويل هذه المناطق القاحلة إلى نقاط جذب اقتصادي.
من جانبه، قال الأستاذ الجامعي والخبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، إن المغرب حول الأقاليم الجنوبية التي كانت في السابق منطقة خالية إلى منطقة ذات أبعاد جيو استراتيجية، مبرزا أن هذه الأقاليم من شأنها أن تخلق نوعا من التعاضد السياسي والاقتصادي. كما ذكر بأنها أصبحت مهمة على المستوى الإقليمي والواجهة الأطلسية.
جديد مونديال 2023
في مواعيد اليوم الثاني للمنتدى، كانت الرياضة حاضرة بدورها على طاولة النقاش. فمع مشارفة فعاليات هذه اليوم على الانتهاء، غطت أجواء مفعمة بالحماس والآمال الكبيرة على جلسة تناولت موضوعا شديد الأهمية كذلك بالنسبة للمغاربة، ألا وهو مونديال 2023. وتطرق المشاركون، خلال هذا الموعد، إلى الاستعدادات اللوجستية والاستراتيجية لاستضافة هذت الحدث العالمي الكبير، مستعرضين مدى إسهامه في تعزيز الصورة العالمية للمملكة.
وبهذا الخصوص، كشف يوسف بلقاسمي، المدير العام لشركة "سونارجيس" وعضو اللجنة المكلفة بملف الترشيح المغربي لكأس العالم، عن آخر مستجدات التحضيرات المتعلقة بهذا العرس العالمي، مبرزا أن "الفيفا" ستعلن، في مؤتمرها المنعقد في 10 دجنبر المقبل، عن إسهاماتها في مونديال 2030. وقال يوسف بلقاسمي إن تنظيم كأس العالم يتطلب جهودا كبيرة، وأن الاتحاد الدولي لكرة القدم وضع متطلبات ومعايير محددة بخصوص هذه التظاهرة الرياضية، مقدما، في هذا الصدد، لمحة عن المشاريع التي أطلقت، ومنها تأهيل الملاعب الستة المستضيفة للمونديال وتشييد ملعب بنسليمان، الذي أكد بأنه سيكون الأكبر في العالم بعدد مقاعد يصل إلى 115 ألفا.
واستحضر، في هذا الإطار أيضا، مشاريع أخرى، منها المتعلقة بالفنادق، مبرزا أن الهدف توفير غرف أكثر بهذه المنشآت السياحية استعدادا لاستقبال 3 ملايين من السياح في المونديال، والذي يتزامن مع فترة الصيف التي تشاهد توافد أعداد مهمة من الزوار على المملكة لقضاء عطلتهم.
وفي هذا السياق، أكدت جيهان التوزاني، مديرة الاستراتيجية والتخطيط بالشركة المغربية للهندسة السياحية، أن مشروع إعادة تأهيل الفنادق سيساهم في تعزيز قدرات المملكة في تنظيم هذا الحدث الكروي العالمي، مضيفة أن عددا من هذه المنشآت حاليا لا بأس به وتحتاج فقط لتستفيد من هذه العملية حتى تستجيب للمتطلبات.
كما أفادت مديرة الاستراتيجية والتخطيط بالشركة المغربية للهندسة السياحية أن 15 ألف غرفة ستهجز للمونديال، لتزيد موضحة "لدينا خارطة طريق للسياحة، وهي طموحة، وستمكننا من استضافة العديد من الأحداث الرياضية". وأكدت جيهان التوزاني أن البنية التحتية مهمة بالنسبة لهذه المؤسسات السياحية، مشددة على الحاجة لوضع آليات من أجل الترفيه وآليات أخرى تصب في مصلحة التنظيم الجيد للبطولة. من جهته، ذكر راؤول غونساليس، الرئيس التنفيذي لمجموعة "بارسيلو"، أن كأس يشكل فرصة جيدة جدا للنهوض بحياة المغاربة، مؤكدا قدرة المجموعة الفندقية على طاقة الاستيعابية لمنشآتها السياحية من 6 إلى 7 آلاف غرفة، تحضيرا لكأس العالم 2030.
وأضاف راؤول غونساليس "استثمرنا أموالا كثيرة في المغرب في الـ10 سنوات الأخيرة، وأعتقد أننا سنسير على نفس النهج"، ليمضي موضحا، في هذا الصدد، "سنرى إمكانياتنا ونبحث عن عقود مع الدولة". وفي حديثه عن أدوات تعزيز صورة المغرب خلال استضافة هذا الحدث الرياضي العالمي، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة "بارسيلو"، "عندما أزور المملكة أرى الجميع يتحدث عن مونديال 2030، لهذا عليكم الحفاظ على الصبغة المحلية والثقافية" والتفكير في الخطوة الموالية لما بعد هذه المحطة، قبل أن يختم تدخله مخاطبا الحاضرين "اعملوا بجد.. واستمتعوا" باستضافة هذا الحدث الذي سيساهم في زيادة الناتج الخام للدولة.
من جانبه، أكد مؤسس ورئيس مكتب الاستشارة الاستراتيجية "ذي ملتي بولاريتي ريبورت" (The Multipolarity Report)، ألكسندر كاتب، أن استضافة هذا النوع من التظاهرات سيكون له أثر على عكس صورة المغرب في العالم، خصوصا إذا ربطنا ذلك برياضة لديها شعبية كبيرة، وهي كرة القدم.
ويجمع هذا المنتدى، الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أزيد من 250 متحدثا رفيع المستوى، من بينهم رؤساء دول وحكومات، وصناع القرار السياسي، والحائزون على جوائز نوبل، وزعماء العالم. شركات عالمية كبيرة وشخصيات مؤثرة أمام جمهور يزيد على 6000 مشارك من أكثر من 100 دولة، بحسب مؤسسة منتدى ميدايز ومعهد أماديوس. ويتناول هذه السنة مجموعة واسعة من المواضيع الجيواستراتيجية، من خلال حوالي خمسين جلسة نقاش مبرمجة، مع إيلاء اهتمام خاص بالتحديات والفرص التي تواجه إفريقيا وبلدان الجنوب.
وهذه هي المرة الأولى التي ينعقد المنتدى بقصر الثقافة والفنون بمدينة طنجة (الكائن بشارع محمد السادس، كورنيش مالاباطا). و"ميدايز" فرض نفسه منذ إحداثه في 2008، كأداة "للقوة الناعمة"، تعكس السياسة الخارجية الطموحة والاستباقية للمملكة والتي ترمز إليها رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حسب ما يؤكده المنظمون.
كما يوضحون أن علامة المنتدى ووزنه وتأثيره تعززوا مع مرور السنين، مما جعل من "منتدى الجنوب" ملتقى للتبادل غير الرسمي والمهم بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين رفيعي المستوى، وعزز مكانته كحدث عالمي رائد يحمل تطلعات البلدان الإفريقية وكذا بلدان الجنوب.
وتتميز هذه النسخة ببرمجة الدورة الثالثة لقمة ( MEDays) للاستثمار (MIS)، التي ستركز على النهوض بالاستثمارات في إفريقيا، لتؤكد بالتالي التزام المنتدى من أجل التنمية المستدامة والشاملة.
تصوير: حسن سرادني