استعرض محمد شبيب، رئيس شعبة حماية الأسرة والفئات الخاصة برئاسة النيابة العامة، آخر الإحصائيات المسجلة فيما يتعلق بجريمة الاتجار بالبشر في السنوات الأخيرة، موضحا أنها باتت من أخطر الجرائم التي تشهد تطورا متفاوتا بتسجيل 153 متابعا في إطارها بينهم 142 راشدا و11 قاصرا، و92 ذكرا و61 من النساء، حيث أن 146 من المتابعين مغاربة، و7 فقط منهم أجانب، مبرزا أن أغلب الضحايا من النساء والأطفال، وأن التوعية بالتشجيع على التبليغ وإعطاء الضحية مركزه القانوني من شأنه فك ألغازها والحد وردع مرتكبيها.
وأضاف شبيب، وهو عضو باللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، في معرض مداخلته حول "الإطار القانوني الوطني: القانون رقم 27.14"، خلال الورشة التدريبية والتحسيسية " لدعم قدرات مهنيي وسائط الاعلام في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه وتهريب المهاجرين"، المنظمة من طرف اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه بشراكة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والتي احتضنتها مدينة مراكش على مدى يومين "الخميس والجمعة"، أن الملاحظ من هذه الأرقام أن نسبة مهمة من المتابعين هن من النساء بـ 40 في المائة، معلال ذلك بكون عدد القضايا المتعلقة أساسا بالإتجار بالبشر تتم بغرض الاستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير ترتكبها نساء أو يساهمن في ذلك، خاصة ما يتعلق باستقطاب واستدراج الضحايا أو إيوائهم (وفقا للتقرير الأخير لرئاسة النيابة العامة).
وفي هذا الإطار، أكد المتحدث أن هذه الجريمة في ارتفاع مستمر لا سميا فيما يتعلق باستغلال الأطفال والنساء في الاتجار بالبشر، مضيفا أن المغرب لا يخرج عن هذا السياق، حيث يلاحظ من خلال الاحصائيات المستقاة من التقارير السنوية لرئاسة النيابة العامة التي تفرد جزءا خاصا منها للأرقام حول جريمة الاتجار بالبشر، أنها كانت في تصاعد منذ سنة 2017، غير أن المنحنى انخفض في سنة 2020 بسبب الأزمة الصحية العالمية المرتبطة بكوفيد 19، قبل أن تشهد ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة.
وفسر محمد شبيب ذلك بأن هناك نوع من التبليغ من طرف الضحايا، فضلا عن وجود أجهزة مكلفة بهذه القضايا بنوع من اليقظة والترقب والضرب على أيدي المتاجرين، كما يلاحظ من خلال الإحصائيات وجود تدابير حمائية لفائدة الضحايا لتمتيعهم بمجموعة من المقتضيات التي نص عليها القانون، سيرا على مواثيق "قوانين باليرمو" التي تنطلق من الوقاية إلى الحماية قبل الزجر.
وبخصوص أنواع الاستغلال، لفت المسؤول القضائي إلى أن ما تم رصده على المستوى الوطني هو تقريبا على غرار ما يرصد على المستوى الدولي، حيث يأتي الاستغلال الجنسي على رأس هذه الأنواع، ثم يأتي العمل القسري والاستغلال في التسول (حسب الحالات)، ثم الاعمال الشبيهة بالرق (تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2022 سجل ارتفاعا فيها)، ثم بعض الممارسات التي تسجل بشكل متدني من قبيل نزع الأعضاء البشرية أو المتاجرة بها أو استغلال الأشخاص في التجارب الطبية بشكل ضئيل جدا.
وفي هذا الصدد، أبرز ممثل رئاسة النيابة العامة، من خلال استعراض حالات عدد من القضايا في هذا الباب، أن التطرق للإطار القانوني المنظم للاتجار في البشر المرتبط أساسا بالقانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 16 غشت 2016، حيث وضع إطارا متكاملا يتطرق للجريمة بعناصرها سواء من حيث التعريف والتحديد والأركان والوصف باعتبارها جناية، كما تطرق لظروف التشديد وبعض الجنح المرتبطة بالجريمة.
وخلال مداخلته، ركز شبيب على المفاهيم التي تستعمل من طرف وسائل الإعلام، موضحا أن المشرع المغربي دقق في استعمال مصطلح الاتجار بالبشر عوضا عن الإتجار في الأشخاص وذلك خلافا لبعض التشريعات المقارنة، حيث استفاض في التمييز بين جريمة الاتجار في البشر وجريمة تهريب المهاجرين باعتبار أنه دائما ما يقع نوع من الخلط بين مفهومهما، ما يؤدي إلى إصدار بعض البلاغات التي تمزج في شكل غير منسجم بين الجريمتين، والحال أن كل جريمة لها أركانها وشروطها بخلاف الجريمة والفعل الاخر.
كما حدد رئيس شعبة حماية الأسرة والفئات الخاصة برئاسة النيابة العامة، الشروط الأربعة التي تميز جريمة الاتجار بالبشر عن جريمة تهريب المهاجرين، قائلا إن الفرق الأساسي يتجلى في أن تهريب المهاجرين دائما يكون عبر الحدود الوطنية أي من دولة إلى أخرى، والحال أن جريمة الاتجار بالبشر عكس ذلك، اذ يمكن أن تكون جريمة عابرة للقارات كما يمكن أن تكون جريمة ترتكب داخل نفس الدولة وبين نفس المواطنين.
وأضاف أن التهريب يكون غالبا بإرادة تلقائية من الشخص الذي يرغب في التهريب بخلاف الاتجار بالبشر الذي تكون فيها إرادة الضحية "معيبة" نتيجة الوسائل المستعملة من احتيال وخداع وسوء استعمال السلطة في مواجهة الضحية، وهناك أيضا المنفعة المالية بالنسبة للشخص الذي يرغب في التهريب، حيث يقدم مقابلا ماديا للشخص المهرب، بخلاف الاتجار بالبشر الذي يكون شكل المنفعة مادي أو عيني.
وبالنسبة للعنصر الأخير، قال شبيب إنه يتمثل في استمرار الاستغلال، فبالنسبة للمهاجرين بمجرد استكمال عملية التهريب تنقطع الصلة بين المهرب والشخص الراغب في التهريب، أما الاتجار بالبشر فيستمر فيه الاستغلال بقدر ما استمرت العلاقة بين المتاجر والمتاجر به وبعدة صور، حددها المشرع المغربي من قبيل الاستغلال في الدعارة واستغلال دعارة الغير والعمل القسري وأعمال الرقة والأعمال الشبيهة بالرق، والسخرة والتسول ونزع الأعضاء البشرية واستغلال الأشخاص في أعمال إجرامية أو النزاعات المسلحة.
أما مميزات جريمة الاتجار بالبشر، فهي تعتبر جريمة مركبة وغير نمطية، ويمكن أن تتخذ عدة أشكال، وتمارس في بعض الأحيان تحت ستار أنشطة مشروعة وعادية وأهم خصوصية هي أن الضحية يتخذ فيها مظهر الجاني، واعتبر أنه سيقع نوع من الإضرار بالضحية حين معاملته كالجاني، وبالتالي تمكين الأخير من الإفلات من العقاب.
وأكد أن إعطاء الضحية مركزه القانوني بأن نخلق منه متعاونا من شأنه أن يساعد في فك لغز هذه الجرائم لأن أغلب الجناة هم شبكات تتوارى إلى الخلف بمجرد توقيف الضحية واعتباره متهما، والحال أن المشرع هنا قلب معيار التعامل مع الأشخاص المتاجر بهم، وذلك بتمتيعهم بمركز الضحايا وخلق ضحايا متعاونين قبل بدأ بدأ إجراءات التحقيق، وتمكينه من التعويض والانصاف، لكن إن تبين أنه أخذ مظهر الضحية والحال أنه متورط ومتهم فالقضاء يأخذ مساره في حقه بالمتابعة.
وشدد شبيب، في مداخلته على أن جرائم الاتجار بالبشر تتطلب نوعا من الردع الخاص، بأن لا يكون الهاجس هو تسطير المتابعة بل احترام الخطوات التي سطرها المنتظم الدولي في هذا الإطار، والمنطلقة بالحماية بالأساس والوقاية في إطار الاعلام والتحسيس والتوعية ثم الزجر والمتابعة القانونية.
وفيما يتعلق بمحور الورشة التدريبية، قال شبيب إن دور الإعلام مهم جدا لكونه الناطق والمبلغ والقائم بالدور التوعوي والتأطيري للمجتمع، حيث ينطلق من مبدأ الوقاية، مستحضرا تجربة البروتوكول الترابي لحماية النساء والأطفال الذي تمخض عنه "إعلان مراكش"، وكان الإعلام فيه شريكا أساسيا بكونه القائم بدور التوعية والتأطير بخصوص حماية النساء والأطفال، والحال ينطبق على جريمة الإتجار بالبشر، حيث ينطلق دوره من الوقاية إن على مستوى التوعية من خلال برمجة عدد من الوصلات والقاءات التي تبين خطورة الجريمة والتشجيع على الخروج من الصمت والتبليغ عنها، أو مواكبة تغطية المحاكمات والقضايا المرتبطة بالظاهرة، ليكون المجتمع على إحاطة بما تعرفه هذه القضايا من تطور، وفي نفس الوقت تحقيق جانب الردع من خلال تقديم الأحكام الصادرة فيها، والتي تعكس دور القضاء في محاربتها والحزم للتصدي لها.