في سابقة من نوعها، نجح فريق دولي من الباحثين، مكون من باحثين مغاربة من جامعة القاضي عياض بمراكش، وفرنسا وإستونيا، في توصيف آثار حركة الكائنات متعددة الخلايا، يعود عمرها إلى حوالي 539 مليون سنة، في جبال الأطلس الصغير الغربي، لتكتمل آخر حلقات تاريخ كوكب الأرض بالمملكة المغربية.
وكان جنوب منطقة تارودانت موضوع الدراسة، التي مكنت من تحديد الحلقة المفقودة من السجل الستراتغرافي المغربي، الذي يشمل كامل تاريخ الحياة على الأرض، انطلاقا من مظاهر الحياة البدائية أحادية الخلية في العصر ما قبل الكمبري حتى ظهور الإنسان في العصر الرباعي.
وساهم هذا الاكتشاف في تحديد أول المؤشرات البيولوجية المحددة للحدود الستراتغرافية بين العصر الإدياكاري (نهاية الزمن البريكامبري) والعصر الكمبري، الذي شهد ازدهار الحياة وتنوع الكائنات الحية متعددة الخلايا.
وجرى الإعلان عن هذا الاكتشاف في مجلة «Precambrian research» العلمية، التي بينت أن ظهور هذه الكائنات خلال العصر الكمبري، يمثل مرحلة رئيسية لم توثق بشكل كبير بعد في السجلات الطبقاتية، حيث تقع أهم وأكثر المواقع المدروسة خلال العقود الأخيرة في كندا والصين وأستراليا، بالإضافة إلى موقع إفريقي وحيد في ناميبيا. وذكر بلاغ صادر عن جامعة القاضي عياض بمراكش، أن هذه الأبحاث الميدانية أجريت جنوب منطقة تارودانت، تحت إشراف عبد الفتاح عزيزي، أستاذ باحث في كلية العلوم والتقنيات بمراكش، وبدعم من أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، وإقليم نوفيل أكويتين بفرنسا، والمركز الإستوني للكيمياء التحليلية بإستونيا.
وأضاف البلاغ، الذي توصلت «الصحراء المغربية» بنسخة منه، أن سلسلة الأطلس الصغير الغربي تحتوي على مساحات شاسعة تظهر فيها طبقات رسوبية بحرية لم تخضع للتحول بعد ترسبها، تغطي الفترة الزمنية بين العصر الإدياكاري والكمبري، الذي يحتوي محليا على طبقات تظهر نشاط الكائنات الحية على شكل آثار أفقية وعمودية، تشهد على نشاط الكائنات متعددة الخلايا مثل الديدان وكائنات أخرى تشبه الشقائق البحرية.
وأوضح البلاغ أن هذه الآثار تعرف علميا بـ ( Conichnus وplanolites، palaeophycus، Gordia ،Helminthoidichnites ،Monomorphichnus ،Treptichnids)، مشيرا إلى أن هاته الآثار بقيت شاهدة على أول ظهور لكائنات حية قادرة على التحرك والحفر في الرواسب.
وأكد البلاغ أن التكامل بين المعطيات الأحفورية ونتائج نظائر الكربون 13، مكن من تحديد الطبقات التي تمثل الحدود بين العصر الإدياكاري والكمبري في الأطلس الصغير الغربي.
واشتملت الدراسة على نتائج التحاليل النظائرية للكربون 13 التي أجريت على الطبقات المترسبة ما بين الحقب الإدياكاري والكمبري، في الموقع نفسه، والتي أظهرت تطابقا مع النتائج المسجلة في مواقع أخرى من بقاع العالم. وفي هذا الإطار، أوضح عبد الفتاح عزيزي، أستاذ باحث في كلية العلوم والتقنيات التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، رئيس فريق الدراسة، أن هذا الاكتشاف كان الحلقة الأخيرة لنكمل تاريخ الحياة على كوكب الأرض بالمملكة المغربية، مشيرا الى أن هذا الموقع المكتشف بنواحي تارودانت هو الثاني في القارة الإفريقية، بعد موقع منطقة ناميبيا في جنوب إفريقيا.
وأكد عزيزي، في اتصال بـ»الصحراء المغربية، أن اكتشاف هاته الآثار تطلب سنوات، حيث انطلقت مهمة الفريق في سنة 2018 إلى 2020، لتبدأ بعدها مراحل أخرى تهم تقييم ودراسة الآثار المستكشفة، حتى تم الإعلان رسميا عن النتائج في سنة 2023. وحسب الأستاذ الباحث بكلية العلوم والتقنيات بمراكش، فإن هاته الاكتشافات تبقى أولية، على أن نمر إلى دراسات جديدة تهم الوسط الذي تعيش فيه هاته الكائنات، ونحاول الإجابة عن سؤال: كيف تشكلت وتطورت الحياة على كوكب الأرض؟
وأشار عزيزي إلى أن تاريخ كوكب الأرض بكامله يوجد في الأراضي المغربية بشكل رسمي، بعد هذا الاكتشاف الذي يقع بين حقبتي الإدياكاري والكمبري (حوالي 539 مليون سنة)، مؤكدا أن العينات المستكشفة توجد في مختبر جامعة القاضي عياض بمراكش، والآثار الأخرى توجد في عين المكان، وسيتم العمل مستقبلا على تأمينها وحفظها من التلف.