في محطة سيارات الأجرة الكبيرة بمحاذاة الدائرة الأمنية الأولى وسط القنيطرة، وقبل ساعتين من مغرب شمس يوم الأحد، وقفت طوابير من الناس تنتظر دورها للركوب في الناقلات المتجهة صوب شاطئ المهدية، الذي أضحى يستهوي الأسر والشباب لتناول وجبة الإفطار الرمضانية تحت نجوم السماء وأمام أمواج البحر المتلاطمة، خاصة أن شهر الصيام تزامن هذه السنة وفصل الربيع.
أمينة طالبة جامعية ومحبة للبيئة، في الواحدة والعشرين سنة من عمرها، كانت من بين هؤلاء المصطفين أمام سيارات الأجرة تنتظر دورها للحاق بزميلاتها اللائي كن ينتظرنها في شاطئ المهدية لتقاسم وجبة الإفطار والاستمتاع بالأجواء التي يوفرها الفضاء الساحلي، كانت تحمل على كتفها الأيسر حقيبة من السعف تحوي بعضا من الفطائر والعصير وفي يدها اليمنى أكياسا كبيرة من البلاستيك الأسود، وهو ما استرعى انتباهنا لنطرح عليها السؤال فكان ردها أنها تقوم بتوزيعها على رواد الشاطئ بعد كسر الصيام لتحفيزهم على جمع نفاياتهم ومخلفات طعامهم وحثهم على ترك المكان نظيفا حين المغادرة.
مبادرة أمينة لم تأت عبثا وإنما جاءت لما عاينته من ممارسات غير مسؤولة تصدر عن عدد من زوار شاطئ المهدية حيث يعمد هؤلاء، بمجرد الانتهاء من وجبة الإفطار، إلى التخلص من النفايات وقناني العصير وعلب الحليب فوق الرمال أو بمياه البحر دون التفكير في عواقب ذلك على البيئة البحرية وعلى سلامة الناس، هذه التصرفات السلبية اعتبرتها الشابة العشرينية تتعارض ومقاصد الشهر الفضيل الذي يدعو إلى التحلي بالصفات الحميدة والتخلي عن الأعمال السيئة.
تلويث الأماكن العامة كالشواطئ والحدائق العمومية وعدم الحرص على نظافتها ينم عن عدم الوعي بأهمية الحفاظ على هذه المرافق واحترامها، ويشير كذلك إلى غياب المحاسبة وضعف المراقبة من لدن المسؤولين المنوط بهم تفعيل القوانين المتعلقة بالممتلكات العمومية وتطبيقها ضد المخربين والعابثين بها، كما يحدث حاليا بالسواحل الشاطئية بمناسبة رمضان، إذ أن مشاهد النفايات المرمية فوق الرمال ليست مقتصرة فقط على شاطئ المهدية وإنما تشمل معظم شواطئ المملكة التي باتت مرتعا للقاذورات المثيرة للاشمئزاز.
وتعليقا على هذا الموضوع، أفاد منصور حاجي، فاعل مدني وباحث في سلك الدكتوراه تخصص أنثروبولوجيا المجال الحضري بجامعة ابن طفيل، أن سلوك تلويث الفضاءات العمومية ينم عن ضعف الشعور بالمسؤولية تجاه المجال العام وعدم الشعور بامتلاك المجال والانتماء إليه بالشكل الذي يضمن المحافظة عليه، وهذا راجع إلى مجموعة من العوامل منها ما هو ثقافي وسياسي وتدبيري بالدرجة الأولى حيث أصبحت السياسات العمومية تتجه نحو التشارك والتحسيس والتوعية للحفاظ على نظافة الملك العمومي والفضاءات الخضراء والشواطئ للرفع من مستوى الوعي بالانتماء والوطنية وروح المسؤولية تجاه الفضاء العام ومصلحة الوطن.
وأوضح حاجي في حديثه لـ"الصحراء المغربية" أن هذه الظاهرة يمكن مقاربتها في ارتباط بالمجال العام المشترك الذي يعتبر الشارع والحدائق العمومية والشواطئ وغيرها، الفضاء الثانوي espace secondaire والذي يستمد خصائصه من نقيض المجال الأولي espace primaire وهو المنزل الذي يتميز بالعلاقات الحميمة للعائلة والأسرة وعلاقات الجوار، وأردف قائلا "إذن نحن أمام إشكالية الهوية والانتماء للمجال وبالتالي الشعور بالمسؤولية تجاه المجال المتملك، حيث تتسم هذه العلاقة بالتمايز بين المجال الخاص والمجال العام المشترك الذي يستطيع الإنسان من خلاله الابتعاد عن القواعد والمعايير الاجتماعية سواء على مستوى الأسرة التي تفرض على الأفراد قيم الاحترام والقواعد المشتركة وهو نفسه الفضاء العام الذي تحكمه قوانين الدولة والمعايير الاجتماعية المشتركة، ما يتيح للفرد إمكانية الهروب من بعض أشكال الرقابة الاجتماعية، وبالتالي فشخصية الفرد تنمو وتتطور في هذا النوع من المجالات، يفيد المصدر ذاته.
وتبعا لذلك، اعتبر منصور حاجي أن هذه السلوكات السلبية هي نتاج لوعي مجتمعي لايزال قاصرا على استيعاب حجم المسؤولية المشتركة بين المواطن والدولة في تحقيق التنمية المنشودة للوطن.
وعن الاقتراحات التي يمكن طرحها من أجل التخفيف من حدة الممارسات غير الحضارية التي تشهدها الشواطئ المغربية، أكد الفاعل المدني على ضرورة تدخل المجتمع المدني والشركات المفوض لها تدبير النظافة من خلال تكثيف حملات التوعية والتحسيس في هذه الفضاءات خلال الشهر الفضيل كما هو الشأن بالنسبة للحملات التوعوية المتعلقة بنظافة الشوارع بمناسبة عيد الأضحى، إلى جانب تخصيص أماكن لرمي النفايات وأكياس خاصة لتجميعها.
كما تحدث حاجي عن أهمية تعزيز السلوكات الإيجابية والمحافظة على نظافة الأماكن العمومية بوضع آلات تجميع ذكية خاصة بتثمين النفايات تتيح الاستفادة من خدمات الأنترنيت مثلا، أو قسيمات شراء رمزية كما هو الشأن في بعض الدول الأوربية، فضلا عن تفعيل الدور الزجري لشرطة البيئة والسلطات العمومية المحلية للحد من انتشار هذه السلوكات السلبية.
أسماء إزواون