أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي النسخة الثانية لحملة "تحدي الكارني" في شهر رمضان، الرامية إلى تسديد ديون الأسر المعوزة المتراكمة لدى محلات البقالة بهدف تخفيف عبء تكاليف المعيشة عن هذه الفئة التي اكتوت بالأزمة وأثقلت الديون كاهلها. مبادرة لقيت ترحيبا من لدن رواد المنصات الرقمية، وأعادت إلى الواجهة الدور المحوري الذي يلعبه "مول الحانوت" داخل المجتمع ليس فقط في تقريب مواد التموين للمواطنين بل في الحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال الخدمات الجليلة التي يسديها للمواطنين بما فيها دعم ومساعدة الأشخاص المعوزين أو ممن هم في ضائقة مالية وذلك بالسماح لهم بالتبضع منه مقابل دفع ما بذمتهم في آخر الشهر أو حين تتوفر النقود.
ويعتمد البقال في هذه المعاملة على دفتر القروض أو "الكارني"، الذي يدون فيه اسم الزبون وأسماء وأسعار المواد الغذائية التي يقدمها للشخص دون أية ضمانات أو شروط تلزمه بسداد ما عليه من ديون في حالة التخلف عن الأداء عندما يحين الأجل، وهو ما يجعل هذا الأمر يعتبر مجازفة تعكس الحس التضامني لدى تاجر البقالة وشجاعته في تسليم مواد التموين للأشخاص العاجزين عن أداء ثمنها، خاصة في الفترة الراهنة المتسمة بالغلاء والتي تتزامن مع شهر الصيام حيث يزداد الإقبال على المواد الغذائية ويتضاعف الإنفاق لدى الأسر.
ارتفاع ديون "الكارني" بـ45 في المائة
وفي هذا السياق، قال جواد الصالحي، تاجر بقالة بالقنيطرة، إن مديونية زبنائه ازدادت بنسبة 45 في المائة خلال الفترة الحالية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وعزا ذلك إلى الارتفاعات المهولة في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية الأساسية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن أداء المبالغ المسجلة في دفتر الديون، والتي تتراوح ما بين 1500 و6000 درهم للزبون.
وصرح المصدر ذاته لـ"الصحراء المغربية" أنه بالرغم من انعكاسات "الكارني" على مداخيله ومعاملاته مع الشركات الموزعة، إلا أنه يحرص على "الكارني" لمساهمته في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومساعدة المعوزين، موضحا أن 5 في المائة من السلع التي يشتريها من الشركات يقرضها للزبناء، كما أنه فقد العام الماضي قرابة 30 ألف درهم قيمة مواد غذائية عجز أصحابها عن أداء ثمنها حين وصل وقت الدفع، ناهيك عمن يغادر الحي ويتنصل مما بذمته من ديون لـ"مول الحانوت".
"مول الحانوت" ملجأ المستهلك
من جهته، أوضح عيسى أشوط، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والحرفيين بالرباط المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، في إفادته لـ"الصحراء المغربية"، أن "الكريدي" أو "الكارني" يرتبط ارتباطا وثيقا مع مول الحانوت، حيث أن معظم الزبناء من مختلف الطبقات الاجتماعية يملكون دفترا للقروض لدى التاجر الصغير ويؤدون ما عليهم من ديون في آخر الشهر ودون أية ضمانات بحكم الثقة والمصداقية التي تطبع العلاقة بين بائع البقالة وسكان الحي.
وأردف أشوط قائلا إن اختلاف الإمكانيات المادية للزبناء وقدرتهم على دفع ما بذمتهم من الديون تجعل اعتماد البقال على "الكريدي" مخاطرة قد تعصف بالرأسمال وتضيع الأرباح مما يؤدي إلى عجز التاجر عن مواكبة السوق وتوفير الحاجيات الأساسية للزبناء، مشيرا في هذا الصدد إلى أن التاجر الصغير دائما يعاني مع "كارني الكريدي" بسبب انعدام الضمانات، خاصة بعد اندلاع جائحة كورونا وما تلاها من تفاقم الأزمة نتيجة ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية لفئة واسعة من المجتمع، وهو ما جعل فئات واسعة من التجار الصغار يتأثرون كثيرا بسبب انعدام الضمانات، ورغم ذلك، يضيف المصدر ذاته، فإن "مول الحانوت" يبقى ملجأ المستهلك المغلوب على أمره للتزود بلقمة العيش في انتظار أن يجود عليه الزمن وتتحسن ظروفه.
وتابع المهني أن ما يقوم به "مول الحانوت: من أعمال اجتماعية نابع من ثقافة المجتمع المغربي المبنية على أسس التضامن والتكافل الاجتماعي، منوها بالمبادرة التي أطلقها رواد الفضاء الأزرق لرفع "تحدي الكارني" من أجل تسديد ديون المستهلكين العاجزين، واعتبرها تشجيعا للتاجر الصغير على الاستمرار في تقديم خدماته الاجتماعية للمستهلك مهما كانت ظروفه وتكريما له، لافتا إلى أن عمل التاجر الصغير لا يتوقف عند منح الزبناء ما يحتاجونه من مواد غذائية وتأجيل السداد، بل يقوم أيضا بإقراض زبائنه المال لقضاء حوائجهم بدون ضمانات، "الضمانة الوحيدة هي الثقة".
منافسة الأسواق الممتازة
يشكو التجار الصغار من المنافسة غير المتكافئة مع الأسواق الممتازة التي عرفت في السنوات الأخيرة الماضية انتشارا كاسحا لفروعها بكل حي وزقاق خصوصا بالمدن الكبرى، وباتت تهدد استمرارية محلات البقالة وتؤثر على صمودها رغم الخدمات التي توفرها للمواطنين مقارنة بالمحلات التجارية الكبرى، حسب عيسى أشوط، الذي أكد على ضرورة سن قانون ينظم انتشار الأسواق الكبرى وفروعها من أجل حماية التجار الصغار وضمان استقرار عملهم وإعادة الاعتبار للمكانة الجوهرية التي يحتلونها داخل المجتمع.
وحذر الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والحرفيين بالرباط في حديثه لـ"الصحراء المغربية" من "الانتشار السرطاني" للمحلات التجارية الكبرى ووقعه على وضعية تجار البقالة وعلى مصير التعامل بواسطة "كارني الكريدي" الذي يعتبر "صمام أمان" لفئات عريضة من المواطنين ويساهم بشكل كبير في استقرار المجتمع، داعيا في هذا الصدد، الجهات الوصية على القطاع إلى توفير الحماية اللازمة للتاجر الصغير حفاظا على الحلقة الأساسية في الدورة الاقتصادية بالمغرب.
ويوجد أكثر من 300 ألف تاجر مواد غذائية، وحسب الأرقام الرسمية فإن فئة التجار الصغار تشكل 81 في المائة من التجارة الداخلية بالمغرب، ويشغل القطاع 1.5 مليون شخص ويعتبر أكثر قطاع مشغل بالمغرب بعد قطاع الفلاحة.
أسماء ازواوان