اكتست محطة أوكايمدن السياحية بجبال الأطلس الكبير برداء البياض، إثر تساقطات ثلجية مهمة عرفتها المنطقة خلال الأيام الأخيرة، أدخلت فرحة كبيرة على السكان والزوار، لتصبح وجهة مفضلة لعدد من الأسر المغربية بفضل ما تتميز وتغري به من مشاهد طبيعية ناصعة البياض، حيث تصنف كأفضل محطة لممارسة التزلج بالقارة الإفريقية، لكونها تكتسي بالثلوج الوفيرة خلال فصل الشتاء.
الرحلة إلى محطة أوكايمدن الواقعة على بعد حوالي 60 كلم من مدينة مراكش، عبر السيارة استغرقت ساعة ونصف الساعة، وعلى طول المسافة المؤدية إلى المنطقة، كانت السماء شبه صافية والجو مشمس وهو ما يستهوي عشاق الطبيعة والرياضات الشتوية، حيث ظلت هذه المحطة السياحية مع بداية فصل الشتاء تسحر الألباب وتلهم المبدعين.
على امتداد الطريق المؤدية لأوكايمدن، رصدت "الصحراء المغربية" سلسلة من المناظر الخلابة والألوان الزاهية، وقرى في أعالي الجبال، وعيون وأشجار مغطاة بالثلوج، تحت سماء قليلة السحب إلى غائمة، تعطي للمتأمل نظرة عن أصالة وغنى الطبيعة المغربية.
مع الاقتراب إلى المحطة، يسود صمت فريد في قلب طبيعة مضيافة وخلابة، يكسره في بعض الأحيان صوت بعض منابع المياه أو نداء للساكنة المحلية مرحبة بالزوار أو بسمة تلقائية على محيا الأطفال الصغار الذين لا يترددون في تحية المارة، في مشهد يجسد لبساطة الساكنة المحلية وحفاوة استقبالها وكرمها وحبها للآخر.
عند الوصول إلى المحطة، يبدو المشهد جميلا وجذابا، لاسيما إذا تزامن مع التساقطات الثلجية، ثلوج بيضاء تغطي جبال هذه المنطقة التي يتراوح علو قممها ما بين 2600 و3270 مترا، وتزداد جمالا كلما لامستها اشعة الشمس، لتمنح لمرتاديها الفرصة للاستمتاع بجمالية المنظر وممارسة بعض الرياضات الشتوية، ويزداد مقام الثلوج بهذه المنطقة لأزيد من 120 يوما.
خلال الإقامة بالمحطة السياحية أوكايمدن، حيث الهدوء والطبيعة والراحة التي تشكل جميعها الحياة الهادئة والبطيئة، يستكشف الزائر نمط العيش الذي يتناغم مع هذه المنطقة، والتي تدعو المرء الى القيام برحلة للاستمتاع بحلم العالم الشرقي.
رواج سياحي وتجاري
التساقطات الثلجية المهمة خلقت رواجا تجاريا وسياحيا مهما، من شأنها انعاش الاقتصاد المحلي جراء استقطاب المحطة العديد من الزوار المغاربة والأجانب، بفضل تنوع الخصائص الطبيعية لمحطة أوكايمدن، وفي منطقة التزلج، يواصل مدربو التزلج تقديم خدماتهم، وكذلك مؤجرو معدات التزلج والباعة المتجولون الذين يبحثون عن زبناء محتملين.
وتكتسي محطة أوكايمدن أهمية اقتصادية وبيئية كبيرة، على الرغم من غلبة الطابع الموسمي على الأنشطة التي تمارس بها (بشكل عام بين منتصف دجنبر إلى منتصف أبريل)، حيث يساهم هذا الموقع في تنويع العرض السياحي المحلي، ويوفر أجواء هادئة، والترفيه والاستمتاع، وربط الصلة مجددا بالطبيعة الجميلة.
سياح من داخل المغرب وخارجه يقصدون محطة أوكايمدن خصوصا خلال عطلة نهاية الاسبوع، حيث تقدم لزوارها العديد من الانشطة الترفيهية، وتعتبر بمثابة متنفس للهروب من ضوضاء المدينة نحو هدوء وجمال الطبيعة.
لكن أكثر ما يشد الانتباه في هذه المحطة السياحية التي تتنفس بياضا المناظر المحيطة بها، المقاهي والمطاعم التقليدية، التي تطل على الجبال المكسوة بالثلوج وعلى موقع التزلج، متراصة على الطريق حيث تقدم وجبات إفطار غنية وشهية، مع شاي بالنعناع وأعشاب محلية وخبز الشعير المحضر بالطريقة التقليدية، والذي يقدم مع زيت الزيتون والعسل والزبدة والبيض البلدي.
هكذا صادفنا صاحب مقهى شعبي يردد لا زمة طاجين مغربي بلحم التيس، لكن برودة الطقس تعجل بالمرء بأخذ قسط من الراحة وهو أمام طاجين دافئ يذهب عنه غائلة الجوع ومغبة العياء، المكان رغم طبيعته البسيطة يدخل نوعا من الفرح على النفس وأنت ترشف كأسا من الشاي منعنعا، وتنتظر قدوم الطاجين الذي تسبقه رائحته الطيبة، تتذكر أنك في منتجع جمع كل بياض الدنيا.
وفي هذا الصدد، عبر رشيد صاحب المقهى عن فرحه بعودة الثلوج لهذه المحطة الواقعة على ارتفاع 2275 متر، مشيرا إلى أن هذا الموقع الجميل يحتاج، أكثر من أي وقت مضى إلى اهتمام خاص من لدن مختلف الفاعلين.
وأشاد رشيد في تصريح ل"الصحراء المغربية" بالجهود المبذولة من قبل مختلف المتدخلين للتخفيف من تداعيات الأزمة الصحية وتمكين الموقع من استعاد ديناميته وجاذبيته، مؤكدا أن التساقطات الثلجية الأخيرة على مستوى المحطة خلفت حالة من الفرح والرضا لدى الساكنة المحلية التي تعلق آمالا كبيرة على عودة الحياة إلى طبيعتها في هذا الموقع.
وجهة سياحية تستقطب الزوار
يقول زكرياء من أبناء المنطقة في حديثه ل"الصحراء المغربية"، إن التساقطات الثلجية المهمة التي عاشت على إيقاعها محطة أوكايمدن، كانت كفيلة لجعلها وجهة أساسية لعدد من السياح المغاربة والأجانب، بعيدا عن الضوضاء التي تعرفها القلعة الحمراء مراكش، حيث تستسلم جوارح الزائرين لهذا الفضاء السياحي المتميز للسكون التام الذي يزيده بياض قمم الجبال المكسوة بالثلوج.
وأضاف زكرياء أن تساقط الثلوج جعل من الطبيعة لوحة فنية جميلة، إلا أنها تشكل رمزا لمعاناة سكان عدة دواوير في المنطقة.
وأوضح عدد من متتبعي الشأن المحلي بالمنطقة، أن محطة أوكايمدن السياحية رغم أنها تشكل عنصر جذب قوي للسياح ويتوافد عليها سنويا عشرات الآلاف من الزوار، إلا انها لا تستفيد من هذا الرواج ومداخيلها المالية تستثمر لفائدة دواوير أخرى بالمنطقة، بينما هي تستمر في اجترار الخصاص الحاد في التجهيزات الضرورية والفوضى، علما أن رداءة جودة الخدمات بها سينتج عنها كساد محطة التزحلق التي ستنعكس آثاره بشكل سلبي على مجموع دواوير المنطقة، وستتسبب في أزمة تشغيل حادة في صفوف السكان الذين يمارسون عدة أنشطة مرتبطة بالسياحة الجبلية لاسيما خلال فترة التساقطات الثلجية.
إعادة تأهيل محطة أوكايمدن
في انتظار إطلاق أشغال إعادة هيكلة محطة أوكايمدن السياحية في إطار مشروع وطني ضخم، موجه لتعزيز جاذبيتها وإنشاء "علامة معترف بها دوليا"، تظل محطة التزلج بأوكايمدن تراثا طبيعيا وواحدة من أكثر المواقع استقطابا للزوار من المغرب والخارج، خاصة خلال فصل الشتاء.
وباستثمارات إجمالية تقدر بـ 230 مليون درهم، سيمكن هذا المشروع المحطة من تقديم خدمات ذات جودة، وتعزيز قدرتها على الاستقبال وتوفير أنشطة غنية ومتنوعة، قادرة على وضع حد لإشكالية الموسمية.
كما ستساهم في النهوض بمؤهلات الجبل ومحيطه المباشر، وتوفير منتوج متميز ذي إشعاع قوي، فضلا عن إعطاء دينامية مضطردة للمناطق المجاورة لجبل أوكايمدن، وكذا التحسيس بأهمية ممارسة الرياضة.
وسبق للشركة المغربية للهندسة السياحية تحت إشراف وزارة السياحة أن كلفت مكتب دراسات متخصص من أجل وضع مخطط تنمية للمحطة من شأنه ان يسهم في تقوية موقعها ويمنح لها آفاقا جديدة وتنشيطا مستداما على طول السنة عوض الأنشطة الظرفية المقتصرة على فترة تساقط الثلوج التي تقل عن 4 أشهر سنويا.
وتناولت هذه الإستراتيجية في إطار مقاربة مندمجة كل المحاور بما في ذلك تأهيل المنطقة وتطوير المسالك الطرقية وتحسين عرض وجودة الخدمات والأنشطة التي ستتوفر بالمحطة علاوة على كيفية برمجة المشاريع بها في أفق 2030 سعيا لجدب ما يناهز 500.000 سائح سنويا.
كما تناولت دراسة هذا المشروع جميع الزوايا الاقتصادية، التقنية ، السياحية، الثقافية، الرياضية والبيئية، علاوة على معايير الأمن والسلامة والولوجيات مع الحفاظ على التراث المادي واللامادي الذي تزخر به المنطقة.