مع غروب الشمس بمدينة مراكش خلال فصل الشتاء، تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض الى مستويات متدنية، وتبدأ معها حركات أشخاص ممن يعتبرون في حالة تشرد وبدون مأوى، حرمتهم الظروف دفئ الأسرة لإيجاد مكان يقيهم قساوة القر، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويبحثون عن أي شيئ يلفون بهم أجسادهم حتى تتمكن من تحمل شدة البرد القارس.
حالات لاتخطئها العين تصادفك بالعديد من الأزقة والأحياء بالمدينة الحمراء، ولكل واحد من هؤلاء الأشخاص ممن يعتبرون في حالة تشرد أو بدون مأوى قصة إنسانية مختلفة، لكن مآلهم واحد وهو التشرد والبؤس وقضاء فترة مناخية قاسية في العراء، والبحث عن ما يسد رمقهم ويدفئ أجسادهم المثقلة بالهموم.
مبادرات عديدة تتكاثف خلال فصل الشتاء تتضافر فيها جهود المجتمع المدني والسلطات المحلية والجهات الوصية للتخفيف من معاناة الأشخاص في وضعية الشارع، من خلال توفير الغداء واللباس ومكان يقيهم من لسعات البرد القارس.
وأمام هذه الظروف القاسية، انخرط عدد من الفاعلين الجمعويين داخل "جمعية نبضة أمل" في حملات خيرية استهدفت مجموعة من الأشخاص بدون مأوى والذين يبيتون في العراء لتخفيف معاناة هذه الفئة، التي تتخذ من الفضاءات المحاذية للمحطة الطرقية للمسافرين وبعض المحلات التجارية مأوى لها بدل حضن الأسرة الدافئ، من خلال تقديم أشكال الرعاية لهم من تغذية وتطبيب.
وخلال خرجة تضامنية ليلية، شارك فيها كل من أعضاء جمعية نبضة أمل ومتطوعين بالجمعية وعدد من المحسنين، تم توزيع أزيد من 100 وجبة عشاء معدة منزليا لفائدة الأشخاص ممن يعتبرون في حالة تشرد وبدون مأوى.
وخلفت هذه العملية، التي تدخل في إطار تقوية التماسك الاجتماعي ومحاربة مختلف مظاهر الفقر والهشاشة والإقصاء، ارتياحا عميقا في صفوف الفئات المستفيدة، خصوصا وأن مثل هده الالتفاتات التضامنية يكون لها الوقع الحسن في نفوس المستفيدين.
وحسب المنظمين، فإن هذه العملية تندرج في إطار تكريس ثقافة التضامن والتآزر التي تهدف إلى التخفيف من معاناة الأشخاص بدون مأوى انسجاما مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
وأكد عزالدين العطراوي فاعل جمعوي، في اتصال ب"الصحراء المغربية"، أنه على الرغم من المجهودات التي يبذلها المجتمع المدني وأيضا القطاعات الحكومية المعنية، وتعدد المبادرات الانسانية، فإنها تبقى غير كافية في غياب اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك في أفق تقديم حلول جذرية، أبرزها العودة إلى المأوى الطبيعي المتمثل في حضن الأسرة، أو الإيواء بالمراكز الاجتماعية للحفاظ على صحة وسلامة هذه الفئات الاجتماعية من قساوة البرد مع بذل المزيد من الجهود لإعادة إدماجهم في المجتمع.
من جهة أخرى، كشفت نتائج الدراسة الخاصة بوضعية الطفولة بمدينة مراكش، التي تمت منذ 2019 في إطار شراكة بين المرصد الوطني لحقوق الطفل، واللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بعمالة مراكش،أن 34 في المائة من الأطفال يقضون الليل في الشارع، و30 في المائة في المنازل المهجورة، و13 في المائة في الحدائق العامة أو محطة الحافلات.
وأكد مصطفى بوجراد عن مكتب الدراسات المعتمد من طرف المرصد الوطني لحقوق الطفل، خلال تقديمه لعرض حول نتائج هذه الدراسة، في إطار المبادرة القارية لمدن بدون أطفال في وضعية شارع، أن أكثر من طفل واحد من كل طفلين في وضعية الشارع بمدينة مراكش يقيمون خارج ولاية المدينة، 49 في المائة من مدينة مراكش، و13 في المائة من الجهة، و24 في المائة من مناطق أخرى من المملكة، و14 في المائة من المهاجرين ببلدان جنوب الصحراء.
وأوضح بوجراد أنه خلال هذه الدراسة تم الاتصال بأكثر من 1625 طفل من خلال استجوابه والإنصات إليه، وإحصاء الأطفال في وضعية شارع على مرحلتين،مشيرا إلى أن 72 في المائة من أطفال الشوارع عبروا عن رغبتهم في العودة إلى أسرهم.
وحسب المعطيات التي قدمها بوجراد، فإن 55 في المائة من الأطفال في وضعية شارع، يعيشون الفقر وعدم الاستقرار، و28 في المائة من الأطفال يعيشون مشاكل أسرية، وأن أغلب الأطفال المهاجرين، يتمركزون في مقاطعة جليز التي تضم 45 طفلا، ضمنهم 63 في المائة سنهم أقل من 15 سنة، 65 في المائة ذكورا و35 في المائة إناثا.
وأشار إلى أن الهدف من هذه الدراسة التقنية والإستراتيجية، هو تزويد عمالة مراكش بأداة عملية لتنفيذ المبادرة القارية لمدن بدون أطفال في وضعية شارع، من خلال وضع إستراتيجية التدخل العملي التي تتكون من رسم الخرائط، إستراتيجية حصرية ملائمة وخطة عمل تنفيذية لمدة ثلاث سنوات لتفعيل وتنفيذ مشروع "مراكش .. مدينة بدون أطفال في وضعية الشارع".