نجاح زراعة الزيتون بمنطقة صحراوية بأسا الزاك يقلب كل الموازين

الصحراء المغربية
الإثنين 17 أكتوبر 2022 - 16:25

بعد الانطلاق من مدينة كلميم ومرورا بمدينة أسا لم يعد هناك سوى الأفق المحفوف بجبالي "باني" و"الوركزيز" المتوزايين في شموخ مبهر لجمال طبيعة الصحراء المغربية وتضاريسها التي لا تؤثثها سوى أشجار "الطلح" (الأكاسيا) والهدوء الساحر.

كانت الغاية من هذه الرحلة هي زيارة ضيعة فلاحية استثنائية من حيث الفكرة والتحدي للظروف المناخية، تقع بدوار بورسيس بـالجماعة الترابية "عوينة الهنا" التي تتضمن كذلك قرية "عوينة تركز" و"أم العويتكات".

وفي الطريق إلى هناك توقفت "الصحراء المغربية" بأطلال المعهد العلمي للأبحات شبه الصحراوية وهي عبارة عن بقايا عدة مرافق تذكر بما كان يعرفه منذ نشأته سنة 1934، حيث كان هناك العديد من الباحثين المهتمين بجغرافية الصحراء وجوانبها الجيولوجية، يقيمون في هذا المبنى الشاسع وينطلقون في رحلاتهم الاستكشافية هناك.

وبعده بكيلومترات قليلة كانت الدهشة والمفاجأة التي لا يمكن التكهن بهما إطلاقا، حيث تنتصب ضيعة فلاحية تشرق بلونها الأخضر وسط امتدادات الصحراء اللامتناهية، الأمر كان من الصعب تصديقه، ولكن كلما اقتربت العربة التي كانت تقلنا كلما أصبح الأمر واقعيا.

وبعد تجاوز مدخل الضيعة استقبلنا الحاج عبد اللطيف بولعقيدات، صهر مؤسسها وابن صاحبها "لزغم الكنتاوي"، وبعد جولة بين أشجار الزيتون التي أينعت في فضائها إلى جانب النخيل وأشجار المورينغا الصغيرة وآبار المياه التي تغذي جداولها، قال عبد اللطيف بولعقيدات إن دوار بورسيس الذي لا يأوي سوى أربع عائلات حاليا سيتوسع مع هذه التجربة التي قلبت كل الموازين فبذل الهجرة إلى المدن بدأ أهل المنطقة يحاكون ما تحقق بهذه الضيعة والأمل كبير في ازدهار هذه التجربة.

وعن بدايات هذا المشروع الحلم، قال عبد اللطيف الذي كان يشتغل سابقا ببنك المغرب أن الأمر يعود كله إلى صهره "الحاج مبارك لزغم" فهو من أسس لظهور هذا "الدوار"، واستطرد موضحا أن الحاج مبارك الذي توفي سنة 2020، كان مهاجرا إلى فرنسا حيث كان يشتغل هناك، وكان يخصص ثلث راتبه للعيش هناك، والثلث الثاني يرسله إلى أبنائه، والثلث المتبقى يذخره لتحقيق حلمه بخلق مزرعة في أعماق شساعة "إقليم آسا-الزاك"، وأضاف ما كان بدوار بورسيس قبل نشأته سوى بعض خيام موسمية للرحل والآن الأمور تختلف تماما.

وأورد الحاج عبد اللطيف في تصريح لـ "الصحراء المغربية" أن منطلق هذا "المشروع المعجزة" كان سنة 1982، عندما عاد صهره من بلد المهجر وقام بحفر بئر بعمق 38 مترا اعتمادا على ما تحصل من مذخراته، وعندها أطلق على هذا المكان اسم "بورسيس" وكان اسمه "أم لكمام"، وشرع في غرس أشجار النخيل والزيتون والتين و مختلف أنواع الاشجارالغريبة عن البيئة الصحراوية، حيث كان يعمل بمعية أبناءه مستعينا في العديد من الأحيان بعمال مستأجرين، وقال"كل شيء ينبت بهذه الأرض سبحان الله"، كما أشار إلى أن ظهور إمكانيات ومؤهلات فلاحة واعدة دفعت مؤسس هذه الضيعة إلى توسيعها بإضافة تربية الأغنام والماعز والأبقار.

وأضاف "مباشرة بعد وفاة صهري الحاج مبارك لزغم رحمه الله "، كان علينا لزاما الإستمرار في هذه التجربة التي أعطت ثمارها، ومنذ بدأت الأشجار تؤتي أكلها عملنا على توزيع غلاتها مجانا سيرا على ما كان يقوم به الحاج لزغم، ولكننا نظن أننا مع توسع زراعات الضيعة ربما سنلجأ إلى التسويق".

وعن الصعوبات التي تواجهها الضيعة، أوضح أن المشكل الذي تعاني منه هو عدم تحمل أشجار الزيتون لقوة الرياح التي تعرفها المنطقة لا سيما وقت الازهار، لكنه أكد أنه بالرغم من ذلك فالمنتوج مقنع ومطمئن، وعبر عن تفاؤله بسخاء أكبر لأشجار الزيتون البالغ عددها 450 شجرة، وقال النجاح الذي حققناه يحفزنا على الاستمرار خاصة وأن المساحة الإجمالية للضيعة تبلغ أزيد من 60 هكتارا. وبخصوص أشجار النخيل أكد أن عددها حاليا يبلغ 1200 نخلة .

وقال إن نعمة "مياه الآبار" المجهزة بألواح الطاقة الشمسية تجعل من اعتماد أي نوع من الزراعة ممكنا، وقال "من كان يصدق ما هو أمامنا الآن، وأنا على يقين أن تثمين مؤهلات هذه المنطقة سيخلق جاذبية غير متوقعة، وأرى أن هذا الرهان سيساهم في خلق مناصب الشغل ومزيد من الإقبال على دوار بورسيس".

"لزغم الكنتاوي" ابن مؤسس هذه الضيعة تحدث بافتخار عن هذا الإنجاز، وأورد  أن والده تغنى بالضيعة باللهجة الحساينة إذ قال "بورسيس من يوم نزلناك حمدنا المولى عليه نهار، من حبك بالجهد خدمناك لين خلينا فيك آثار، والنعمة عادت فيك اليوم وعادت كمن دار، يرحم تركز لكانو فيك ما كتعداو على جار، الكلابا لثنين عبار سيدي سويدي وبا المختار، والسور اللي مزكنن بك بناه المولى ملحجار، والتاريخ يدور سميك الدار تسند علدار"،  معبرا عن تمسكه بالعيش في دوار بورسيس الذي سيصبح نموذجا للتحدي والعطاء، وموقنا بأن "القادم أجمل".

أبناء الحاج "مبارك لزغم" وصهره عبد اللطيف لم يقفوا عند منتهى هذا التحدي، بل تجاوزا الأمر بتفكير استباقي لتحويل الضيعة إلى مأوى سياحي للباحثين و المهتمين بالسياحة الاستكشافية حيث تم تشييد بنايتين متباعدتين عبارة عن فيلتين بهندسة رائعة اعتمادا على مواد محلية، وتم تجهيزهما بكل ما يلزم لحفاوة الاستقبال والراحة، وربما سيصبحان ملاذا للباحثين عن معانقة بهاء الصحراء المغربية وهدوئها الفاتن. كما قام أبناء مبارك لزغم بتهيئة فضاء لنصب خيام في حالة زيارة وفود عديدة.

وحول هذا الموضوع، اتصلت "الصحراء المغربية" بـ علي أولاد سيدي محند متخصص في السياحة المستدامة والتنمية البشرية والتراث الجيولوجي ودكتور في المعهد العلمي بالرباط جامعة محمد الخامس، الذي أكد في تصريح له، أن ضيعة بورسيس توجد في الجماعة الترابية عوينة الهنا، على الضفة الشمالية لواد درعة، جنوب سلسلة جبل باني المكون المتميز والنادر للأطلس القديم.

وأضاف الدكتور علي أولاد سيدي محند الذي زار هذا المكان، أن هذه التجربة الفلاحية المعجزة، يمكن أيضا اعتبارها ضيعة سياحية، جاءت فوق أرضية رسوبية مكونة من صخور كلسية نتيجة تعرية مكونات جبل باني التي حملتها الوديان والمجاري التي تصب في وادي درعة.

وقال "هذه الأرضية تفتقر للمواد العضوية التي تغدي التربة وتجعلها صالحة للزراعة. إلا أن الإرادة القوية لأصحاب الضيعة جعل جزء منها جنة ذات نخيل وفواكه عدة، وأشجار مثمرة، وحناء...الضيعة تحتوي على مرافق وعدة وحدات سكنية تتسع لعشرات من الزوار".

وتابع المتحدث قائلا "ضيعة بورسيس السياحية توجد في فضاء قروي شبه صحراوي، تحفه الجبال القديمة من كل جانب وهي ذات بنية جيولوجية قديمة، تنتمي للحقب الجيولوجية الأولى، حيث تعرضت لعدة ظواهر جيولوجية من الالتواءات والانكسارات والتعرية بكل أنواعها المائية والرياحية والفوارق الحرارية الكبيرة (Gel et Dégel) .

وإلى جانب العديد من المؤهلات التي استعرضها الدكتور علي أولاد سيدي محند، فإنه يرى أن السكان المحيطين بالضيعة ما زالوا متمسكين بثرات متميز للمنطقة، موضحا أن هذا المعطى يمكن استثماره إلى جانب الموروث الطبيعي لجلب السياح المولعين بالسياحة المسؤولة والمستدامة.

 

 

 




تابعونا على فيسبوك