ما إن تدلف قدماك رمال شاطئ المهدية حتى تستقبلك مجموعة من المراهقين والشباب اسمرت سحنتهم وشحبت بسبب أشعة الشمس الحارقة وارتسمت على صدورهم العارية أوشام وخطوط تثير الكثير من التكهنات، سرعان ما تبددها ابتسامتهم وتعاملهم اللطيف، يبحثون عن قوت يومهم في العمل تحت إمرة أشخاص يكترون بقعا أرضية تناهز مساحة الواحدة منها 100 متر مربع، وبسومة كرائية تتراوح بين 7000 و8000 درهم للشهر، تدفع للمستفيدين من رخص استغلال مساحات شاسعة من الأملاك البحرية العمومية.
يعمل هؤلاء الشباب بأجر يومي يقدر ما بين 80 و120 درهما، يعرضون عليك واقيات شمسية وطاولات وكراسي متراصة بنظام بالمنطقة المقابلة من البحر وهي الطريقة التي يستعملها مستغلو الملك البحري لحجز البقع الأرضية ومنع مرتادي الشاطئ من وضع مناشفهم على رمال الشاطئ دون دفع مقابل ذلك مبالغ تتراوح ما بين 30 و50 درهما.
وعاينت «الصحراء المغربية» غياب تام للافتات التي تحدد أثمان كراء المظلات والكراسي والطاولات لمرتادي الشاطئ المجبرين على التفاوض مع العارضين لتخفيض الأسعار مقابل الحصول على مكان جيد للاستمتاع بيوم هادئ بعيدا عن أجواء المدينة الصاخبة، إلا أن تصرفات بعض المكترين تعكر مزاج المصطافين وتسيئ لسمعة شاطئ المهدية، بسبب الجدال حول اختلاف الأثمان وعدم تحديد سعر موحد.
وفي هذا الصدد، اعتبر الفاعل الجمعوي، حميد الصياد، الطريقة التي يعمد إليها «المحتلون» للملك البحري بالمهدية خرقا للقوانين والمعايير المعمول بها في هذا الشأن. واستنكر في حديث لـ»الصحراء المغربية» غياب السلطات المسؤولة عن مراقبة الأملاك البحرية وحمايتها من المستغلين دون وجه حق، حسب قوله، مشيرا إلى الحرج والضيق اللذين يعتريا المصطافين حين يطلب منهم مغادرة المكان بدعوى امتلاك حق تأجيره ويجبرون على دفع ثمن للمكوث به دون إعلامهم مسبقا بالجهة المستفيدة من ترخيص الاحتلال المؤقت للأملاك البحرية أو الإشارة إلى الأسعار المحددة للاستغلال.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن هناك من لا يملك أية رخصة ويحتل الملك البحري ويكتريه لأصحاب المظلات والكراسي بالثمن الذي يريده، متسائلا عن مصير الأموال التي يدفعها المصطافون في الوقت الذي تعاني ميزانية جماعة المدينة من التضعضع والخصاص، فضلا عن عدم ترجمة هذه المداخيل على أرض الواقع من أجل الحفاظ على نظافة الشاطئ وتقديم خدمات في المستوى الذي يتطلع إليه زوار شاطئ المهدية. وطالب الفاعل الجمعوي من السلطات الوصية تحمل مسؤوليتها وإماطة اللثام عن الضبابية التي تحوم حول صفقات منح التراخيص المتعلقة باستغلال الأملاك البحرية العمومية والمتحكمين بها، والتي تزداد استفحالا كل موسم صيفي وتسيئ للمجهودات المبذولة لإنعاش السياحة بالمنطقة.
من جهته، أشار عبد الرحمان الغوات، فاعل جمعوي ومن سكان مدينة المهدية، إلى الفوضى والتسيب اللذين تشهدهما الرخص الممنوحة من قبل الجماعة المحلية بخصوص الاحتلال المؤقت للأملاك البحرية، التي أصبحت ظاهرة غريبة في السنوات الأخيرة، وعهدت إلى غير أصحابها وأصبحوا يتحكمون فيمن يستحق الترخيص، في غياب تام لتتبع الشرطة الإدارية التابعة للمجلس الجماعي ومراقبتها لهذه العملية وفقا لصلاحيتها، وفقا لتعبيره.
وأضاف الغوات في تصريح لـ»الصحراء المغربية» أن «عدم تدبير رخص الاستغلال المؤقت وفقا لما تمليه مقتضيات القوانين التشريعية بهذا الخصوص، يجعل زوار شاطئ المهدية تحت رحمة المحتلين مما يؤدي إلى حدوث شنآن وتوثر بين المصطافين والمكترين» داعيا إلى تصحيح وضعية المساحات المستغلة من الملك العمومي البحري بطرق غير قانونية.
وبالرغم من مبادرة وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء لمواجهة الاستغلال غير القانوني للملك العمومي البحري، أصدرت مذكرة تضع شروطا جديدة لتقنين عمليات الاستغلال وتقليص مدتها القانونية من 99 إلى 5 سنوات فقط، ومراجعة كافة عقود الكراء الخاصة باستغلال الملك البحري، لا تزال الوزارة الوصية عاجزة عن وقف هذه الظاهرة التي تزداد استفحالا في بعض الشواطئ المغربية.
كما سجل المجلس الأعلى للحسابات، من خلال دراسة جدول الإتاوات المتعلقة بالاحتلال العمومي البحري، عجز الوزارة السالفة الذكر عن فرض احترام الشروط الواردة في قرارات الترخيص بالاحتلال المؤقت ودفاتر التحملات المتعلقة بها.
وسجل تقرير المجلس عدم احترام المقتضيات المنظمة للاحتلال المؤقت للملك العمومي البحري، وأكد أن العديد من الأشخاص المستفيدين من رخص استغلال الملك البحري لا يؤدون الإتاوات المستحقة، فضلا عن تجاوزهم المساحات المرخص لهم بها ولا يحترمون المقتضيات القانونية مما يسبب في استغلال مفرط لهذه الأملاك العمومية.
أسماء إزووان