عيـن طاهـر.. الخطّـارة الوحيـدة الواضـحة المعـالـم المتبقـية بمـراكش فـي حاجـة للإنـقــاذ

الصحراء المغربية
الإثنين 08 نونبر 2021 - 17:21

في مراكش الحمراء، تقترن أشجار النخيل بالحياة من خلال الاستفادة من السقي بنظام الخطارات، وهو نظام سقوي، أنعش هذه الأشجار، التي تطلق عنانها نحو السماء. ويقول العارفون بنظام السقي.

إن الخطارت اعتمدت في تزويد مدينة مراكش ونواحيها بالماء، وكانت آلية ناجعة في تخزين وتوزيع هذه المادة الحيوية بهذه المنطقة، خصوصا عندما يكون نقص حاد في التساقطات المطرية. وارتبطت هذه المدينة التي يتوزع طقسها بين البارد في فصل الشتاء، والحار في فصل الصيف، بنظام سقي أبدعه الأجداد، وتميز بفرادته وخصوصيته في شمال إفريقيا.

وحافظ هذا النظام السقوي البدائي بشكل كبير على النظام الإيكولوجي بمراكش ونواحيها، مما عزز سحر المدينة التاريخية وجاذبيتها، لتكون مستقرا لعدد من الشخصيات المغربية والأجنبية وملاذا للاستمتاع بأجوائها المفعمة بالنشاط والحيوية، وهو ما أهلها لتكون مدينة متفردة ووجهة للترويح عن النفس.

وذكر بول باسكون في كتابه «Le haouz de Marrakech» أن المجال الحوزي لمراكش يضم حوالي 567 خطارة، منها 500 خطارة نشيطة، و67 جافة، وتروي 13 في المائة من المساحة المسقية العامة، و65 في المائة من المساحة المروية بالمياه الباطنية، و20 في المائة من المساحة المروية العامة بالاشتراك مع العيون والضخ، وتستخرج الخطارات لوحدها 68.98 في المائة من مياه السديمة بالحوز أي  5059 ل/ث من أصل 7333 ل/ث.

 

قــــــــــصــــــة أول خـــطّــــــــارة

أرشيفات الكتابات التاريخية تشير إلى أن ظهور هذه التقنية بالمغرب يعود إلى عهد المرابطين على يدي المهندس الأندلسي عبيد لله بن يونس، وجاء في كتاب «وصف إفريقيا» للحسن الوزان المعروف بـ»ليون الإفريقي» أن «هذا الرجل جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين، فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئرا مربعة كبيرة التربيع، ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض، ومر يحفر بتدريج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان، حتى وصل الماء إلى البستان وهو منسكب على وجه الأرض يصب فيه، فهو جار مع الأيام لا يفتر، فاستحسن أمير المسلمين ما فعل عبيد لله بن يونس المهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده، ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحتفرون الأرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات، واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها».

 

«عـــــيـن طـــــاهــــــر» تتدهـــــور

تشكل «عين طاهر» وواحة النخيل التي تحيط بها بتراب الملحقة الإدارية الازدهار بمقاطعة جليز نموذجا على نجاعة هذا النظام سابقا حيث أصبح يعد ذاكرة جماعية للمراكشيين وتراثا تاريخيا وإيكولوجيا للمدينة الحمراء، فضلا عن كونها تعتبر إحدى معالم التراث المائي لمراكش. لكن مع التوسع العمراني، الذي عرفته مدينة مراكش بعيد تحقيق الاستقلال، ولا سيما خلال فترة التسعينات من القرن الماضي، ونتيجة غياب وجود استراتيجية واضحة لحفظ هذا التراث المائي، الذي يشكل إحدى معالم الذاكرة الجماعية للمغاربة اختفت العديد من الخطارات وتم ردم أغلبها، لتحل محلها مجمعات وتجزئات سكنية، وخطارة «طاهر» الخطارة الوحيدة الواضحة المعالم المتبقية بمدينة مراكش التي استطاعت مقاومة الزحف العمراني وكانت حتى عهد قريب مصدرا مائيا لرونق واحة خضراء متنوعة المغروسات. الوضع الراهن للعين المذكورة التي تخترق أحياء الشرف والياسمين وتاشفين، دفع بفدرالية المنار للوحدة والتضامن التي تضم عددا من الجمعيات إلى التحرك عبر مراسلة عدد من المسؤولين في شخص والي جهة مراكش-آسفي، ورئيس جهة مراكش-آسفي، ورئيس المنطقة الحضرية الحي المحمدي، وكذا وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، ورئيس مجلس مقاطعة جليز، وكاتب الدولة لدى وزير السكنى وسياسة التعمير، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، من أجل العمل على إنقاذها من الوضع المتدهور الذي تعيشه، والمحافظة على هذه العين التي تحولت في ظل الإهمال إلى خطر محدق بالساكنة ولاسيما تلاميذ المؤسسات التعليمية المجاورة، كما أضحت مرتعا لقطاع الطرق واللصوص الذين يترصدون المارة ومطرحا للأتربة والأزبال التي تضر بالمجال البيئي للمنطقة.

سكان مجموعة من الأحياء بالملحقة الإدارية الازدهار بمقاطعة جليز، عبروا أكثر من مرة عن استيائهم العميق وتذمرهم من الأخطار البيئية التي تطرحها «عين طاهر» التاريخية، التي تعكس واقع الحال وتزيح ورقة التوت عن عورة الاختلالات التي ما انفكت تضرب مجمل فضاءات المدينة.

أبا احمد، هكذا ينادونه في الحي القريب من «عين طاهر»، التي أصبح ماؤها غورا، ولم يعد يستفيد منه أي كائن، كان إنسانا أو حيوانا أو طائرا، يتذكر تلك الأيام، التي لم تعد تتداول بين الناس، كانت الخضرة تحيط بجنبات الواحة، وماء العين تنشر رذاذها في كل مكان، الماء أحيى الزرع والضرع، ولأن مراكش، كما يقول، كانت المدينة الوحيدة في المغرب التي أبدع أناسها نظام الخطارة، شريط يمر في باطن الأرض، ويخرج صافيا زلالا، يستفيد منه الفلاح في الفلاحة وغيره في الشرب والاستحمام. وأضاف في تصريح لـ»الصحراء المغربية» أنه يستحيي أن يمر من قرب هذا المكان الذي أصبح أثرا بعد عين. وحسب عدد من المهتمين، فإن كارثية الوضع بـ»عين طاهر»، تزداد عندما يجول الزائر بنظره بين أشجار النخيل، فتنعكس لديه صورة أشجار تتحدث لغة الموت البطيء وتسيير بخطى رغما عنها نحو شبح الفناء والاندثار، حيث شجع وضعها المتدهور بعض الأشخاص الذين يقومون بجمع النفايات ونقل بقايا مواد البناء على جعلها مطرحا لهذه المواد التي تزيد من استفحال وضعها المتدهور وتنذر في المستقبل القريب بتحولها إلى مزبلة إذا لم تتخذ الإجراءات القانونية للحيلولة دون ذلك وإذا لم تواكبها حملات لتوعية السكان المجاورين لها بضرورة المحافظة عليها لكي يتبنوها كجزء من ذاكرتهم الجماعية وكينونتهم التاريخية.

 

خطّارة ما قبـــــل الحمايــــة الفـــــرنسية

حسن البوهي باحث في التراث الهيدروليكي، أوضح أن خطارة «ابن قدور» أو «عين طاهر» كما هو متعارف عليه في عرف السكان المحليين وبعض الباحثين الأكاديميين المهتمين بها، كانت حتى عهد قريب مصدرا لمياه لا ينضب صبيبها، مشكلة معالم واحة غناء تضم أصناف متنوعة من أشجار النخيل والمغروسات التي تضفي على المجال رونقا خاصا، مساهمة بذلك في الحفاظ على التوازن الإيكولوجي.

وأضاف البوهي في تصريح خص به «الصحراء المغربية» أن تاريخ حفر هذه الخطارة يعود إلى فترة ما قبل الحماية الفرنسية بالمغرب سنة 1912 وهي خطارة حديثة التأسيس نسبيا مقارنة مع مجموعة من الخطارات بالحوز المراكشي التي تعود إلى فترات زمنية موغلة في القدم تتزامن مع قيام الدول التي تداولت حكم المغرب بدءا من المرابطين والموحدين مرورا بالمرينيين والوطاسين وصولا إلى السعديين والعلويين.

وأشار البوهي إلى أن الخطارة أو الكظامة هي شبكة من القنوات التي تعمل على التحريك الباطني للماء ونقله لمسافات طويلة دون تعرضه للتبخر، وهي تظهر على شكل سلسلة خطية من الآبار التي يربط بينها مجرى باطني، وتتطلب سديمة مائية غنية غير عميقة كخزان للمياه، ومنحدرات خفيفة تجعل انحدار الخطارة أقل من انحنائي السديمة والسطح حتى يتدفق الماء، ثم طبقات كتومة غير نافذة تحول دون استمرار تسرب الماء كالطين مثلا.

وبعد أن أكد على ضرورة إيجاد حلول لإعادة ترميم خطارة «عين طاهر» والنهوض بوضعيتها المتدهورة، دعا البوهي إلى إعادة الاعتبار للخطارة السالف ذكرها وواحة النخيل المرتبطة بها، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمراكشيين وتراثا تاريخيا وإيكولوجيا لا نظير له بالمدينة الحمراء.

 

أبحاث أكاديميــــة حول «عين طاهــــر»

وكان مجموعة من الباحثين والدارسين الأكاديميين، قاموا بإجراء مجموعة من الأبحاث حول خطارة «عين طاهر»، ووجهت مراسلة في الموضوع إلى عدد من المسؤولين، من أجل العمل على إنقاذها من الوضع المتدهور الذي تعيشه، والمحافظة على هذه الخطارة التي توجد في مجال يعرف فيه التوسع العمراني تناميا متزايدا.

كما تقدموا بمشروع تنموي يوفر فرص شغل للسكان من خلال إعادة تأهيل واستصلاح تلك الواحة، غير أن هذه المراسلات لم تجد سبيلا لتحقيق الأهداف المتوخاة منها، وعلى الرغم من وجود بعض التفاعل الإيجابي لبعض المسؤولين فإنهم لم يقوموا بترجمة ذلك التفاعل النظري على أرض الواقع من خلال إجراءات عملية محددة للنهوض بالوضعية المتدهورة للخطارة وواحة النخيل المرتبطة بها.

وسبق لمجموعة من الخبراء والمهندسين الدوليين في المنشآت المائية التقليدية، أن قاموا بزيارة استطلاعية لخطارة «عين طاهر»، ووقفوا على الوضع المتدهور للخطارة المذكورة، التي تعتبر الوحيدة من بين معالم التراث المائي لمدينة مراكش، وذلك على هامش مشاركتهم في مؤتمر دولي احتضنته مدينة مراكش حول «التراث المائي والتقنيات التقليدية لتصريف المياه».




تابعونا على فيسبوك