يواجه مركز استقبال ومعالجة نداءات الإغاثة التابع للقيادة الجهوية للوقاية المدنية بجهة الدارالبيضاء- سطات تقاطر كم هائل من المكالمات عبر «الخط 15»، قد تصل إلى 20 مكالمة في الدقيقة، لكن سرعان ما يتضح أن أزيد من 90 في المائة منها تشويشية وغير جادة، هدفها إشغال هذا الخط المهم المخصص لتدبير وتنسيق عمليات التدخل والإغاثة، في التفاهات ومحاولة تزجية الوقت والتسلية.
وأعلن الكومندان زوهير الهيري، رئيس مركز استقبال ومعالجة نداءات الإغاثة التابع للقيادة الجهوية للوقاية المدنية بجهة الدارالبيضاء- سطات، أن الجهة تحتل الصدارة من حيث عدد التدخلات، حسب إحصائيات 2020، بأزيد من 79 ألف تدخل، بمعدل 5587 تدخلا في الشهر، و186 تدخلا في اليوم، و8 تدخلات في الساعة، و0.12 تدخل في الدقيقة.
وذكر الكومندار الهيري، خلال زيارة لـ»الصحراء المغربية» لهذا المركز، أن البلاغات الكاذبة التي توصلت بها مصالح الوقاية المدنية وطنيا عبر الخط المجاني 15، بلغت 5079 بلاغا تبين أنها كاذبة وغير صحيحة بعد إرسال فرق التدخل إلى مكان الحادث.
خلية تلقي النداءات وتنسيق التدخلات
داخل مقر القيادة الجهوية للوقاية المدنية بجهة الدارالبيضاء-سطات بمنطقة كاليفورنيا، يوجد مركز استقبال ومعالجة نداءات الإغاثة عبر «الخط 15»، الذي يستقبل ويدير نداءات التدخل لـ10 قيادات إقليمية للوقاية المدنية تتوزع على 10 عمالات بالجهة.
وحسب الكومندان زوهير الهيري، فإن المركز يستقبل مكالمات ونداءات المواطنين من العمالات العشر، إذ بمجرد تلقي مكالمة يعمل الموظف المكلف على أخذ مجموعة من المعلومات من المواطنين المبلغين عن الحادث، طبيعته، ومكان وقوعه، ويحاول بخبرته التأكد من صحته، ثم يعمل بسرعة على توجيه التدخل إلى الثكنة أو الوحدة القريبة من موقع الحادث، ويظل متابعا لعملية التدخل إلى حين الانتهاء منه.
وأوضح الهيري أن المركز لا يقوم فقط باستقبال نداءات الإغاثة، بل يقوم أيضا بإدارة حتى عمليات التدخل.
مكالمات غير جادة وانفجار قنينة غاز
صباح أول أمس الثلاثاء حوالي العاشرة صباحا، كان موظفا استقبال النداءات منهمكين في معالجة المكالمات الواحدة تلو الأخرى (المركز يشتغل بنظام المداومة 24/24 ساعة). بسرعة وحرفية عالية يرد الموظفان على المكالمات الواردة، وسرعان ما ينتقلان من واحدة إلى أخرى، بعد التأكد من أنها مكالمات تشويشية وغير جادة، من قبل أشخاص باتوا يستغلون «الخط 15» المجاني في تزجية الوقت، وفي بعض الأحيان يكون مضمون المكالمة خادشا للحياء.
يقول أحد موظفي استقبال النداءات أن عدد المكالمات يتضاعف ابتداء من الحادية عشرة صباحا، وأيضا خلال نهاية الأسبوع، خصوصا يومي السبت والأحد.
وأضاف أن هناك عددا كبيرا من المكالمات غير الجادة والتشويشية، لكن بفضل خبرة موظفي الاستقبال ومجموعة من الأسئلة التي تطرح، يجري اكتشاف زيف البلاغ.
كما تحدث أن مجموعة من المشوشين على الخط 15، أصبحت أرقامهم معروفة ومألوفة لدى موظفي الاستقبال، ويجري التعامل معها بسرعة تلافيا لإشغال الخط، وفسح المجال أمام البلاغات الجادة التي قد ترد في أية لحظة.
تصادف وجودنا داخل المركز مع تلقي نداء للاستغاثة، هذه المرة كان بلاغا جادا، ويتعلق الأمر بانفجار قنينة غاز من الحجم الصغير داخل محلبة بشارع يعقوب المنصور، بتراب عمالة الحي الحسني. من المعطيات التي أكدت مصداقية البلاغ، توالي المكالمات التي تطلب النجدة من مصالح الوقاية المدنية.
بمجرد تلقي البلاغ، سارع موظف الاستقبال إلى مخاطبة الثكنة القريبة من موقع الحادث، وهي ثكنة أنفا، مدها بالمعطيات الأولية، ونسق معها بالإسراع في الدفع بشاحنة إطفاء، وسيارة إسعاف نحو موقع الحادث. ارتفعت حرارة العمل داخل المركز مع توالي المكالمات حول الحادث، وبينما انهمك أحد الموظفين في تتبع عملية التدخل المرتبطة به، بحيث طلب إرسال سيارة إسعاف أخرى، بعد توصله بمعلومات بخصوص ارتفاع عدد المصابين، انشغل زميله الآخر في الرد على المكالمات الواردة، وطلب هو الآخر إرسال سيارة إسعاف إلى موقع آخر، يرتبط هذه المرة بحادثة سير.
وفي تعليقه على كيفية معالجة هذا البلاغ، قال الهيري إن المركز توصل بمكالمة على الساعة 10.48، وجرى التنسيق مع فريق التدخل، حيث أرسلت شاحنة إطفاء وسيارة إسعاف في بداية الأمر، مشيرا إلى أنه على الساعة 10.51 جرى تلقي بلاغ آخر حول الحادث نفسه يؤكد أن عدد المصابين مرتفع، ليجري مباشرة إرسال سيارة إسعاف ثانية.
وبالنسبة لتوقيت وصول شاحنة الإطفاء وسيارة الإسعاف، أكد الهيري أنهما كانتا في موقع الحادث حوالي الساعة 10.54، أي في ظرف حوالي 3 دقائق، بفضل عدم وجود ازدحام في حركة السير في ذلك الوقت، وأيضا قرب موقع الحادث من الثكنة.
ويتوفر المركز، حسب الكومندان الهيري، على وسائل ومعدات مهمة يستغلها على أحسن وجه في تدبير عمليات التدخل، ومعالجة أكبر عدد من النداءات.
وطالب بالتوقف عن إطلاق أحكام قيمة على جهاز الوقاية المدنية، وعناصره، والكف عن اتهامهم بالتقاعس عن أداء مهامهم، مشددا على أن واقع الحال داخل المركز كما عاينته الجريدة يبرهن أن موظفي الاستقبال لم يتهاونا في أداء عملهما على أكمل وجه إلى جانب الفرق التي انتقلت إلى مكان الحادث.
وأكد أن عمل الوقاية المدنية عمل مستمر وشاق، ولا يوجد فيه مجال للإهمال أو التقاعس عن أداء الواجب المهني والرسالة النبيلة.
وأشار إلى أنه عند خروج شاحنة الإطفاء وسيارة الإسعاف وعناصر الوقاية المدنية من الثكنة، يمكن أن يواجهوا عراقيل من قبيل ازدحام في حركة السير، وكثرة الأشغال، وعوامل أخرى، تكون خارج سيطرة رجال الوقاية المدنية، وبالتالي لا يتحكمون فيها، وربما تعيق وصولهم إلى موقع الحادث بالسرعة المطلوبة.
تنسيق التدخل من بدايته إلى نهايته
بمجرد اندلاع حريق ما، والتوصل بنداء حوله، يجري مباشرة، يقول رئيس المركز، إرسال شاحنة إطفاء وسيارة إسعاف، مشيرا إلى أن المركز يتابع وينسق التدخل، وبمجرد تلقي مزيد من المعطيات الجديدة حول الحريق وطبيعته، يجري التعامل مع الوضع في حينه.
وأوضح أنه إذا كان هناك انفجار أو انهيار في البناية يجري الدفع بمعدات وفرق أخرى تكون دائمة على أهبة الاستعداد للتحرك. وذكر أن هناك مرونة في تدبير الموارد البشرية ومعدات التدخل من مختلف الثكنات على مستوى جهة الدارالبيضاء-سطات.
وشدد على أنه كلما كان تلقي طلب الإغاثة بسرعة كلما جرى معالجته في حينه، وتفعيل عملية التدخل في الوقت المناسب، مبرزا أن إشغال الخط في مكالمات غير جادة، يعيق معالجة الكم الهائل من المكالمات الواردة، ويتسبب بذلك في تأخير أو حرمان أشخاص قد يكونون في أمس الحاجة إلى التدخل. وتحدث عن تسجيل عدد مهم من البلاغات الكاذبة، بحيث يتحدث خلالها المبلغ بنبرة من الجدية، التي تجعل عناصر الوقاية المدنية تتفاعل بسرعة مع النداء، وترسل فرق التدخل إلى الموقع المفترض للحادث، بيد أنها تفاجئ عند وصولها بكونه بلاغ كاذب.
واعتبر أن الأمر فيه إهدار لجهد وطاقة فرق التدخل، كما أنه يمكن أن يتسبب في احتمال تأخير التدخل في حادث آخر يمكن أن يقع تزامنا مع هذا البلاغ الكاذب، بسبب الرغبة في التسلية، وغياب الوعي، وانعدام روح المسؤولية، وسوء استعمال الخط المجاني.
كما طالب المواطنين بالمبادرة بالاتصال بمراكز الوقاية المدنية للتبليغ عن وقوع الحوادث، وألا يغامروا بحياتهم، ويأخذوا المبادرة في التدخل من أجل إخماد الحرائق، لأنهم لا يتوفرون على المعدات الواقية، والتكوين والتدريب المناسب، وكذا الوسائل اللوجستيكية للقيام بالتدخل، ما قد يعرض حياتهم للخطر، ويزيد من عدد الخسائر والضحايا.
رسالة تحسيس بأهمية ودور الخط 15
الوضع الذي يعيشه المركز باستمرار، جعل الهيري يوجه رسالة إلى جميع فئات المجتمع التي تساهم في التحسيس والتكوين والتربية، للقيام بدورها من أجل التعريف بالخط المجاني 15، وأدواره، وأهدافه، إلى جانب إبراز الإكراهات التي يعانيها رجال الوقاية المدنية في أداء مهامهم، في حالة كان هناك سوء استعمال للخط.
كما حث على تحسيس هؤلاء المشوشين والمستهترين بالعدول عن هذا السلوك، لأنه يمكن أن يحرموا أشخاصا من تلقي يد المساعدة، ويعرضوا حياتهم بشكل مباشر للخطر.
وتحدث رئيس المركز على أهمية حضور المهام النبيلة للوقاية المدنية ضمن منظومة التربية والتكوين، مشيرا إلى أنه أجرى دراسة حول تمثيلية الجهاز في محتوى المقررات، ولم يجد ضمن المستوى الثانوي أية إشارة، في حين خصص مقرر مرشدي في اللغة العربية المستوى الخامس ابتدائي، حيزا للحديث عن مغربية تشتغل في الوقاية المدنية بإيطاليا، في وقت كنا نتمنى أن يتناول هذا النص الكفاءات النسائية التي تشتغل بالوقاية المدنية على الصعيد الوطني، نظرا لخضوعهن لنفس التكوين النظري والتدريبي على غرار باقي العناصر، كما برهن على قدرتهن للقيام بالمهام الإدارية والميدانية على حد سواء.
ودعا إلى عدم تبخيس دور أفراد الوقاية المدنية، لأنهم في أمس الحاجة إلى التشجيع والتحفيز، لاشتغالهم بجد وتفان ونكران الذات على مدار 24 ساعة، واستعدادهم الدائم للتضحية بحياتهم في سبيل إنقاذ المواطنين وحماية الممتلكات سعيا لأداء رسالتهم النبيلة.
تصوير: حسن سرادني