أكادير: سعيد أهمان
داخل مطرح تاملاست العمومي شمال شرق مدينة أكادير، يبحثون عما يسدون به رمقهم اليومي، في حرفة غير منظمة، علهم يغنمون دراهم معدودات يسدون بها رمق المئات من الأسر، على الرغم من أنهم يواجهون مخاطر حقيقة، وغالبا مت تقع لهم مفاجئات. "الصحراء المغربية" انتقلت إلى مطرح تاملاست، والتقت هؤلاء العمال الذين يُلقبون بـ"الميخاليين" في مهنة تحتاج لتنظيم، وتعرض أصحابها لمخاطر لا تنتهي.
غنائم يومية تتراوح بين 80 و500 درهم يوميا
سنهم يتراوح ما بين 11 ربيعا و70 عاما، فيما أعدادهم تتراوح ما بين 150 و200 شخص، وهو ما أكدته دراسة ميدانية أنجزتها مصالح الجماعة الترابية لأكادير عبر مكتب دراسات خاص.
يشرح عمر، 29 عاما، وهو "ميخالي" في مطرح تاملاست، يشتغل في هاته الحرفة مذ كان يدرس ولأكثر من 11 عاما. يقول: انقطعت عن الدراسة من مستوى التاسعة إعدادي، ولدي أخوان يشغلان الحرفة نفسها، وهما من شجعاني على هذا العمل.
الحاجة والفقر عاملان وراء اختيار عمر ورفاقه ممارسة هذه الحرفة القريبة من مقر سكناه بجوار المطرح العمومي لأكادير الكبير، ليوفروا قوت يومهم اليومي.
ويضيف عمر أن مداخيل الواحد منا تتراوح ما بين 80 و500 درهم في أحايين أخرى، وبعمل يومي لا يقل عن الساعتين، وقد يصل إلى 5 أو 6 ساعات، منذ أن تفتتح أبواب المطرح في السادسة صباحا، حيث تفرغ أولى الشاحنات على مدار يوم كامل.
وبحسب إحصاءات رسمية حصلت عليها "الصحراء المغربية" من مدبري المطرح العمومي "تامسلاست"، فإن نحو 400 شاحنة أزبال تفرغ النفايات يوميا قادمة من جماعات أكادير الكبير (أكادير وإنزكان والدشيرة وأيت ملول) وجماعة أولاد تايمة (تارودانت) وجماعة الدراركة (على طريق مراكش).
ويختلف نظام التحصيل من "ميخالي" إلى آخر، فهناك من يبيع ما يلمه يوميا، وهناك من يبيع "غلاله" كل أسبوع، وهناك من يبيع "حصاده" كل أسبوعين، بحسب حاجة كل واحد منهم من المال، يقول عمر الذي يعتبر نفسه أقدم "ميخالي" بهذا المطرح العمومي، موضحا: "ما نحصده يتم بيعه بسعر غير مستقر للكيلوغرام الواحد بعد فرزه لفائدة أرباب الجملة. والنحاس أغلى المنتجات التي يتم فرزها من أكوام النفايات، إلى جانب بعض القطع التي تباع على حالتها".
ويتم اقتسام شاحنات الأزبال بين "ميخاليي" مطرح تاملاست، حيث يعهد لكل واحد التنقيب على نفايات شاحنة أو مجموعة يتكفل بها لوحده، وفق ما عايناه خلال زيارتنا للموقع.
والمطرح لدى "الميخاليين" ليس موردا فقط لبيع "غلاله"، بل أيضا لسد رمق الجوع. يشرح علي، وهو ممسك علبة حليب عثر عليها في المزبلة: نجد مواد غذائية صالحة للاستهلاك تتخلص منها الأسر، نتأكد من صلاحية تاريخها ونتناولها من دون أن نصاب بأي علة.
وعلى المسار نفسه يشرح إبراهيم، الملقب بـ "ستيكا"، وهو يتناول موزا عثر عليه على التو بعد إفراغ حاوية من أيت ملول، مبتسما: "ها حنا أخويا كاناكلو بالصحة والراحة، وما عمر لبرة ضربتها أكثر من 20 عام، وما عمرني مرضت الحمد لله".
أوراق مالية في علبة "نيدو"
بقدر ما صارت هاته حرفة غير منظمة، فإنها لا تسلم من طرائف ومواقف ومفاجئات، بعضها سار وآخر صادم.
أولى الطرائف لـ "الميخالي" إبراهيم، من مواليد 1985 الذي غادر فصول الدراسة عام 2001 في مستوى الثالثة إعدادي، إذ عثر ذات مرة على علبة حليب مجفف "نيدو" بها أوراق مالية من فئة 200 درهم.
يقول إبراهيم: في عام 2012، عثرت على علبة نيدو مفرغة من حاوية قدمت من شاحنة جلبت نفايات فنادق أكادير، وهي مملوءة بأوراق مالية، فتحت العلبة وأغلقتها فورا، لما عثرت فيها على أوراق مالية.
وواصل عمر سرد حكايته، قائلا: "النيدو عامر بالزرقات، صافي أنا خرجو عينيا، وأنا كنقول غادي ندير لاباس، وكنت كانحلم ندير شي مشروع".
حلم عمر، الذي انطلق من غنيمة أزبال، يتواصل: "بديت نفكر ندير شي بيكوب ونبيع الخضرة ولا البنان، فاش مشيت للدار قلت للخوادري راه خوك صافي، دار لاباس".
غير أن عمر فوجئ بما لم يكن في الحسبان قائلا "فاش حليت البيدو طاح ليا الما في الركابي، لقيت ورقة ديال 4000 ريال ومن اللور ديالها بيض، ما قدرتش نبلغ البوليس حيث خفت يشدوني".. بعدها، قام عمر بحرق الأوراق المالية المزورة، فدفن معها حلمه وفرحته التي لم تكتمل.
ويشير عمر إلى صديقه عبد الله، الذي يشتغل إلى جنبه لأكثر من 12 عاما، حيث عثر على أطراف من رجلي إنسان، لفظته شاحنات إحدى المواقع التي تلم نفايات المصحات الخاصة بمدينة أكادير.
يقول عبد الله: عثرت على رجلي إنسان، وقد أخطرت مسؤولي المطرح الذين أخبروا السلطات للقيام بالبحث وشرعوا في التحقيق في القضية. أما الطيب، ذي الخمسين عاما، فيؤكد أن لكل "يوم رزقه"، قائلا "كاين مرة نلقاو قطع صغيرة للحلي، ومرة أدوات منزلية ثمينة من فضة أو ذهب.. كل نهار ورزقو".
غير أن كبار "ميخاليي" تاملاست، يعتبرون في حديثهم لـ"الصحراء المغربية" أن نفايات الأحياء الراقية بالمدينة، وعلى رأسها حي "مارينا"، يعد الأغلى ثمنا والأفيد مردودية، في مقابل نفايات الأحياء الشعبية، التي لا تسلم من أيادي "النباشة" الذين يغربلونها قبل أن تصل إلى المطرح العمومي، على حد تعبيرهم. هاته المواقف والمخاطر لم تثن "ميخاليي" تاملاست عن مواصلة حرفتهم، التي قالوا إنهم "تأقلموا معها وصارت وضعا عاديا يسدون بها رمق عيشهم ويواجهون بها متاعب الحياة"، وفق توضيحاتهم.
الحاجة لتنظيم الحرفة في إطار تعاوني
كشفت المصالح الجماعية المكلفة بالبيئة لـ"الصحراء المغربية" أن الجماعة أنجزت دراسة حول هاته الحرفة بالمطرح العمومي تاملاست، وحصرت أعدادهم في 200 شخص.
وخلصت الدراسة الميدانية، التي عهد إلى مكتب خاص بإنجازها، أن مدخول كل "ميخالي" يتراوح ما بين 200 إلى 300 درهم يوميا، وفقا لتصريحاتهم التي أدلوا بها للباحثين.
وخلال المقابلات الميدانية التي أجريت مع "مخاليي" المطرح العمومي لتاملاست، أبدى 90 في المائة منهم، رغبتهم الانتظام في تعاونية وتوزيع الأرباح فيما بينهم، وتأمين التغطية الصحية وتأمين مستقبل لهم عبر الضمان الاجتماعي (CNSS).
ويرى المهندس الجماعي، جمال أجراوي، المكلف بالبيئة بالمصالح الجماعية لأكادير في توضيحاته للجريدة أن هاته الدراسة ستساهم في تنظيم هاته الحرفة، كما ستخفف العبء على الجماعة الترابية، والشركة نائلة صفقة التدبير المفوض في معالجة النفايات بطريقة علمية تراعي الحفاظ على البيئة وتضمن تدبير أجود لمطرح أكادير الكبير.
وبحسب أجراوي، فإن الطريقة التي يتم بها تدبير النفايات وعزلها وتصنيفها في مطرح تاملاست بدعم من "الميخاليين"، شكلت مشروعا بيئيا مندمجا تم تقديمه كتجربة متفردة في المغرب في إطار المؤتمر العالمي للمناخ "كوب 22".
تصوير: خاص