على امتداد الطريق المؤدية انطلاقا من جماعة آيت ميمون، الواقعة شرق عمالة إقليم الخميسات، في اتجاه اكوراي، مرورا بجماعة رأس أيجري، بإقليم الحاجب، تمتد حقول البصل والثوم على مساحات شاسعة من الأراضي المنسبطة ذات تربة الحمري والترس، وهي منطقة عرفت، أخيرا، تطورا كبيرا على مستوى عصرنة القطاع الفلاحي، من خلال الاعتماد على وسائل الإنتاج الحديثة، ولم يعد السكان يعتمدون فقط على الفلاحة المعاشية البورية، التي تعتمد على الأمطار الموسمية، بل أصبحت كل الضيعات والحقول الفلاحية مجهزة بأحدث التجهيزات والمعدات الفلاحية، ما زاد من القدرة الإنتاجية للقطاع الفلاحي، وخلق فرص الشغل والرواج الاقتصادي بالمنطقة.
يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الثوم الأحمر 15 درهما في الأسواق، فيما لا يتجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد من الثوم الأبيض سبعة دراهم اعتبارا لطبيعة كل نوع ومجالات استعماله.
بالقرب من المركز القروي بوشبل، على طول جنبات الطريق القادمة من سبت جحجوح بضاحية اكوراي بعمالة إقليم الحاجب، ينتشر عدد من العمال والعاملات الجالسين على الأرض، يحتمون بمظلات من أشعة الشمس الحارقة التي تعرفها المنطقة بداية شهر يونيو، منهمكون في العمل وسط أكوام من رزمات من الثوم، التي نقلت من مصدر إنتاجها بالحقول الرئيسية إلى هناك، حيث يقوم العمال والعاملات بشذب رؤوس الثوم بواسطة مقص وإزالة ذيولها، قبل وضعها في الكيس. وكل رزمة يجتمع فيها ما يفوق 50 رأسا من الثوم.
عمي لحسن، فلاح، يبلغ من العمر حوالي 60 سنة، حدثنا بلكنته الأطلسية والابتسامة تغطي محياه عن سبب وجوده بهذا المكان رفقة عدد من العمال، فقال إن منطقة اكوراي من المناطق المغربية التي يتعاطى سكانها للفلاحة وتربية المواشي، كما تعد المزود الرئيسي لباقي جهات المملكة بالمواد الغذائية وخاصة البصل والثوم والخضر والفواكه. كما يتعاطى السكان أيضا للزراعة بمختلف أنواعها منها زراعة الحبوب القمح الطري والصلب والشعير والقطاني الذي يحتل بدوره مكانة متميزة في ترتيب الأنشطة الفلاحية إلى جانب الأشجار المثمرة بالمنطقة.
وأضاف عمي لحسن، الذي يتحدر من منطقة اكوراي ووالدته زمورية من جماعة آيت ميمون، أن المنطقة معروفة على الصعيد الوطني بتربتها الخصبة ومناخها المعتدل بين البارد والرطب، الذي يساعد إلى حد كبير على ممارسة الأنشطة الزراعية، موضحا أن الفلاحة عرفت تطورا كبيرا في وسائل الإنتاج، وصارت تعتمد على أساليب الري، وكل الحقول والضيعات الفلاحية مزودة بالمعدات والتجهيزات الضرورية.
وقال إن إنتاج الثوم مثله مثل باقي الزراعات، إذ تنطلق عملية البذر مع بداية الموسم الفلاحي بعد تهيئ التربة لمرتين أو أكثر، لجعلها أكثر خصوبة، مع إتلاف بذور الأعشاب الضارة والطفيلية عن طريق الحرث. كما يتم تزويدها خلال عمليات البذر بالأسمدة الضرورية وفق معايير محددة طبعا، من قبل تقني خاص، لمساعدتها على النمو بشكل سليم. وتعتمد زراعة الثوم على الأمطار الموسمية في غالب الأحيان إن كانت التساقطات المطرية منتظمة، وفي حالة تأخرها تتم الاستعانة بالري بواسطة تقنيات الري الحديثة الموجودة في الضيعات، سواء عن طريق التنقيط (كوت أكوت) أو بواسطة الرشاشات حسب الحاجة والتجهيزات المتوفرة، مع المراقبة المستمرة للحقول. وعند ظهور الأعشاب الضارة أو الطفيلية تتم معالجتها أما عن طريق استعمال الأدوية أو عن طريق إزالتها باليد، لفسح المجال أمام المغروسات للنمو بشكل سليم.
تقنيات البذر
يكتسب عمي لحسن بحكم تعاطيه للأنشطة الفلاحية، وخاصة زراعة الثوم والبصل، تجربة كبيرة في تقنيات البذر والمعالجة من الأمراض والديدان.
وأوضح في هذا الصدد، أن هناك أصناف كثيرة من الثوم، لكن في المنطقة يتعاطى الفلاحون لزراعة نوعان، الثوم الأبيض والثوم الأحمر، ولكل نوع خصائصه. والثوم بصفة عامة من النباتات التي تتأقلم مع مختلف الظروف الطبيعية ولا تتأثر بالبرد، ويستحسن التعاطي لزراعته في المناطق الباردة. ويعد الثوم سهل الزراعة. وتتم العملية عن طريق غرس فصوص من الثوم مباشرة في الأرض في مناخات باردة، وغالبا في أواخر فصل الخريف، أسابيع قبل تجمد التربة، ويحصد في أواخر نهاية الربيع. وينبغي أن تزرع الفصوص بعمق كاف لمنع التجمد ومسببات التعفن. كما يمكن زراعة الثوم بشكل متقارب لبعضها البعض، ولكن بترك مسافة كافية للفصوص حتى تجد متسعا للنمو. وينمو الثوم في التربة المفككة الجافة، التي لا يتجمع الماء فيها وفي المناطق المشمسة.
ويعتبر نبات الثوم من النباتات القوية جداً ولا يمكن أن يصاب بالآفات والأمراض، لكن أحيانا يصاب. ومن أهم الأمراض التي تصيب الثوم نجد الديدان الأسطوانية، والعفن الأبيض، الذي يبقى في الأرض لأجل غير مسمى بعد إصابته. كما يمكن أن يصاب الثوم أيضا بمرض يحول لون الجذر إلى الزهري أو الأحمر، لهذا يقوم مالك الضيعة دائما بتتبع نمو النباتات ومعالجتها عند الضرورة باستعمال الأدوية المعروفة عند الفلاحين، لكن على العموم لا تكون الأمراض إذا كانت عمليات البذر في الوقت المناسب والمكان الملائم، وبغرس الفصوص السليمة. وتفضل نبتة الثوم النمو في التربة ذات المحتوى العضوي العالي، ولكنها أيضا بإمكانها النمو في التربة باختلاف حالاتها وأنواعها ونسبة حموضتها.
الثوم وفرص الشغل
يقول عمي لحسن إن منطقة اكوراي معروفة بأنشطتها الفلاحية على طول السنة، وبالتالي فهي توفر فرص شغل كثيرة للشباب والشابات، وتستقطب اليد العاملة من مختلف مناطق المغرب، وخاصة من الراشيدية، وميدلت، ومكناس، وفاس، والخميسات، والحاجب، وأزرو.
كما يحج العمال إلى المنطقة بشكل كبير خلال مواسم الجني.
وبخصوص إنتاج الثوم في الظرف الحالي، يقوم العمال بتشذيب رؤوس الثوم من الذيول وشحنها في أكياس بلاستيكية عبارة عن شبابيك أو أكياس أخرى تتوفر فيها التهوية اللازمة، للمحافظة على طراوة رؤوس الثوم.
وفي ما يتعلق بأجور العمال أو كيفية احتسابها، يقول عمي لحسن إن كل عامل يقوم بشحن كيس متوسط الحجم من رؤوس الثوم مقابل 15 درهما. ويمكن للعامل الواحد أن يشذب ويشحن عشرة أكياس أو أكثر انطلاقا من صباح اليوم إلى حدود العصر، وبالتالي يمكن أن يصل دخله اليومي إلى 150 درهما، ولا يقتصر هذا العمل على الذكور فقط، بل حتى الإناث أيضا يعملن بشكل يومي، ويستطعن تحقيق دخل أكبر من الرجال في بعض الأحيان.
تسويق المنتوج وفوائده
وبخصوص تسويق المنتوج، يقول المتحدث، إن تجار الثوم يأتون إلى المنطقة من مختلف أنحاء المغرب، وأغلبهم يقتني المنتوج من الضيعات الفلاحية مباشرة، وبعدها يعملوا على نقله إلى مكان التشذيب والإعداد والشحن، ومن ثمة إلى مستودعات التخزين أو مباشرة إلى أسواق الجملة، موضحا أن التجار يأتون من المدن الكبرى والبعيدة كذلك، كالدار البيضاء، وفاس، ومكناس، وحتى مدن الشمال، كطنجة وتطوان. ويكون الإقبال على المنتوج المحلي من الثوم بالنظر لتوفره على الجودة المطلوبة الناجمة عن الخصائص الطبيعية، إذ غالبا ما يحاول الفلاحون تفادي استعمال المبيدات وجعل المنتوج طبيعيا إلى حد ما، خاصة خلال معالجة الأعشاب الضارة، إذ يستحسن اقتلاعها باليد العاملة، عوض المبيدات والمواد الكيماوية. ويصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الثوم الأحمر 15 درهما في الأسواق، فيما لا يتجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد من الثوم الأبيض سبعة دراهم اعتبارا لطبيعة كل نوع ومجالات استعماله، فالثوم الأحمر يكون أكثر قوة وفعالية من الأبيض، سواء من حيث الروائح أو الخصائص الغذائية الأخرى.
للثوم فوائد صحية وغذائية كبيرة، فهو، حسب عدد مت الدراسات العلمية، وقائي ومضاد لعدد كبير من الأمراض، منها أمراض القلب والشرايين والسرطان والزكام، لأنه يحتوي على مواد عضوية قادرة على حماية الجسم عبر توفير المناعة القوية. ويساعد على مكافحة الأمراض المعدية، ومعالج للعديد من المشاكل الصحية، كالوقاية من السرطان. كما يقلل تناول الثوم من مستويات السكر، والكولسترول والدهنيات في الدم، الأمر الذي يساعد مرضى السكري بشكل كبير، وقد يحسن الثوم العديد من الأعراض والمضاعفات المصاحبة لداء السكري، مثل مشاكل الكلى، أو الجهاز العصبي ومشاكل شبكية العين. أما بالنسبة لفوائد الثوم للحامل، فهي تشمل تحسين الدورة الدموية للمرأة الحامل، فضلا عن كونه يخفض ضغط الدم ويقلل من مستويات الكوليسترول لديها، وهذا أمر مهم لسلامة الحمل للأم وللجنين معاً، وحتى بعد الولادة يساهم في زيادة وزن الأطفال عند ولادتهم، وبالأخص الذين كان من المتوقع أن يولدوا بوزن منخفض، بالإضافة إلى مزايا غذائية وصحية متنوعة ومتعددة.