تستعد قناة "ميدي 1 تي في"، قريبا، لبث السلسلة التاريخية الجديدة "تاريخنا فخرنا"، وهو العمل الذي تطمح من خلاله القناة إلى الكشف عن مراحل مهمة من تاريخ المملكة الممتد عبر قرون، الذي ينبني على التسامح الديني والانفتاح والمكانة الرفيعة التي تحظى بها المرأة، بمشاركة نخبة من نجوم الشاشة المغربية.
تعاونت القناة لتأريخ حقبة مهمة من تاريخ المغرب، وتجسيده في عمل درامي، يتوقع أن يحظى باهتمام المشاهد المغربي، مع المؤرخين امبارك زكي، وعلال ركوك، اللذين أخذا على عاتقهما مهمة ضبط الوقائع التاريخية، بالاعتماد على المراجع والمصادر الموثوق بها.
في هذا السياق، يتحدث المؤرخان المغربيان في الحوار التالي مع "المغربية"، عن حيثيات وظروف التحضير لعمل تاريخي ضخم، يتطلب الكثير من الدقة والحبكة، والأمانة العلمية.
مرت أجواء التصوير في ظروف مواتية وفرت من خلالها قناة "ميدي 1 تي في" كل الجوانب التقنية والبشرية من أجل إنجاح هذا العمل الذي يندرج في إطار إرادة القناة لتمكين المشاهد من التعرف على التاريخ المغربي، وفق التزامها في إثارة الشعور بالفخر لدى المشاهدين، ويضم هذا الإبداع الفريد لحظات قوية من التاريخ المغربي لمنح الإحساس بالانتماء.
يعود التغييب لعدة اعتبارات منها على سبيل الذكر لا الحصر، أن مخرجي الأفلام التاريخية يركزون أساسا على المناسبات الرسمية والأحداث التاريخية، والشخصيات البطولية المرتبطة بها، قصد التأريخ لها، استنادا إلى الفيلم الوثائقي، وبالتالي لا غرابة أن يستبعدوا المؤرخين من هذا العمل الوثائقي تماشيا مع تصورهم القائم على كون دور المؤرخ يقتصر على تدوين الأحداث التاريخية، فيما دور المخرج هو إعادة فبركتها وفق قالب سينمائي يتماشى مع الأهداف المتوخاة من إنتاجه ونقله إلى عامة المشاهدين.
تكتسي الصورة أهمية بالغة في مجال البحث التاريخي، لكن حضورها مازال باهتا في أغلب الكتابات التاريخية، لعدة اعتبارات أبرزها طبيعة الأبحاث الأكاديمية، لكن حضورها يتباين حسب الحقب التاريخية، حيث نجدها أكثر حضورا في القضايا التاريخية المرتبطة بالتاريخ القديم، نظرا لارتباط هذه الفترة بالجانب الأركيولوجي، وفي المقابل فإن حضورها يقل كلما اتجهنا نحو التاريخ المعاصر، ومن ثمة مازالت الصورة بعيدة عن اهتمامات أغلب المؤرخين، رغم الأهمية التي تكتسيها في البحث التاريخي والتأريخ للأحداث.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن حضورها واضح في الكتب المدرسية، في حين هناك غياب شبه تام لها في الكتابات الأكاديمية.
يفرض العمل الفني التاريخي ضرورة توفر شروط الأصالة التاريخية والجدة والأسبقية في تناول ودراسة القضايا التاريخية، بالإضافة إلى الأمانة العلمية مع تنوع المصادر والمراجع المعتمد عليها، إلى جانب اعتماد وجهات نظر متعددة في سياق النظرة الشمولية للموضوع، والانطلاق من إشكالية تاريخية تهيكلها تساؤلات فرعية ناظمة لها، مع الاستعانة بمنهج تاريخي واضح المعالم لمواكبة المستجدات، التي تشهدها المعرفة الأكاديمية.
نتحدث عن المزالق، عندما يواجه مخرجو الأفلام صعوبة في الفصل بين الذاتية والموضوعية لدى الرواة الشفهيين، أو صعوبة التأكد من مدى معاصرة الرواة للأحداث التاريخية، إلى جانب موضوع الأفلام التاريخية، في علاقته بالتوجهات الإيديولوجية للرواة ومدى موضوعيتهم في الإدلاء بالشهادات، أو تناقض وجهات نظرهم حول الموضوع نفسه، وبالتالي صعوبة القول الفصل فيها أمام غياب مصادر ومراجع تؤكدها أو تنفيها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم انفتاح المخرجين على المؤرخين.
تكتسي الأبحاث الأركيولوجية والأدب والفن، والاقتصاد، والتاريخ، أهمية قصوى في التحقيب التاريخي، لكن صناع الأفلام التاريخية لا يستحضرونها مطلقا في التحقيب للفيلم التاريخي، معتمدين فقط على التحقيب الكلاسيكي القائم على السنوات والأحداث المرتبطة بها، والشخصيات البارزة فيها، ومن ثمة، بات من الضروري على المؤرخ التدخل لتوجيه مخرجي الأفلام التاريخية في ما يخص التحقيب التاريخي، لكن يبدو أن هذا الأمر غاية في الصعوبة، في ظل عدم انفتاح المخرجين على المؤرخين، والاعتماد عليهم في إعداد الأفلام التاريخية قبل إخراجها إلى حيز الوجود، وهنا لابد من الإشارة إلى استدعاء بعض المؤرخين في بعض البرامج التلفزية المرتبطة بأحداث تاريخية معينة ذات طابع مناسباتي فقط.