المهدي أخريف وفيرناندو بيسووا مسار اكتشاف ومصاحبة روحية

الإثنين 20 أبريل 2009 - 09:25

قال الشاعر المغربي المهدي أخريف, إن "الدرس الأساس الذي ينبغي أن يقرأ على ضوئه الشاعر البرتغالي فريناندو بيسووا هو عدم الاقتصار على شكل فني واحد", و"الاستثمار في كل الأشكال الممكنة للشعر".

وأضاف أخريف, في تكريم أدبي بعنوان (المهدي أخريف وفيرناندو بيسووا.. مسار اكتشاف), "نحن أحوج ما نكون إلى قراءة بيسووا لكونه متعددا", موضحا أن "لنا بؤسا محزنا وإصرارا على إفقار تجربتنا الشعرية" فدعاة قصيدة النثر من جهة والتقليديانيون بمن فيهم التفعيليون من جهة أخرى, يتجاذبون ويتداعون للمؤتمرات.

وأوضح الشاعر المحتفى به, وفق ما ذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء, أن بيسووا كتب في كل الأشكال الشعرية والنثرية من قبيل الرباعيات, التي كتبها منذ سن طفولته الأولى إلى غاية ماي 1935, قبل رحيله بقليل.

وأشار أخريف إلى أنه عقد, لأزيد من عشرين سنة, علاقة مصاحبة روحية وتوافق وتقاسم أشياء كثيرة مع فيرناندو بيسووا أثمرت الكثير, إلى درجة أنه يشعر أن ندا آخر للشاعر البرتغالي العظيم يولد, وأن "اللاأحد أصبح آحادا" فـ "كل من يستطيع أن يكون لا مكان له هو بيسووا".

ونوه بالتشجيع, الذي لقيه, منذ أواخر الثمانينيات, من إدمون عمران المليح "الشيخ الرئيس", للمضي قدما في ترجمة أعمال بيسووا الغزيرة إلى اللغة العربية, سواء باسمه الحقيقي أو بأسماء أنداده وأسمائه المستعارة في الشعر والنثر.

وتحدث أخريف عن الترجمة الأولى لبعض أعمال بيسووا, التي طبعت بالقاهرة عام 1995, ونفذت وتلتها طبعة ثانية في أكتوبر2009 نفذت أيضا, وعن الطبعة المغربية (3000 نسخة) الصادرة عن وزارة الثقافة بالرباط, 2001, التي نفذت أيضا في ظرف أسبوع, متسائلا عن سر هذا الانشداد لشاعر شديد العمق والانطوائية وغير جماهيري ظاهريا (23 طبعة للترجمة الإسبانية التي أنجزها أنخيل كريسبو).

وقال الأديب المغربي إدمون عمران المليح عن الترجمة, التي أنجزها الشاعر المهدي أخريف لـ (كتاب اللاطمأنينة) لفيرناندو بيسووا "إن الشاعر البرتغالي العبقري كاد يتحدث باللغة العربية", معتبرا أنه بترجمة هذا الكتاب أدى أخريف "مهمة استثنائية", وفتح الباب على مصراعيه لحضور بيسووا في الأدب الناطق باللغة العربية.

واعتبر أن نقل (كتاب اللاطمأنينة) للغة العربية, الذي لقي ترحيبا كبيرا في الشرق العربي, هو أكثر من ترجمة, لأن المهدي أخريف ليس مترجما محترفا ولكنه شاعر كبير ذائع الصيت بالمغرب ويالمشرق وبإسبانيا, فهو بالتالي لم يترجم بيسووا بل دخل معه في حوار وتبادل بحساسية مرهفة.

ولم يشاطر فديريكو أربوس, مدير معهد سيرفانتيس , الذي نظم هذا اللقاء, المليح رأيه القائل إن أخريف لم يكن في عمله مترجما محترفا, معربا عن اعتزازه لكون اللغة الإسبانية, التي ترجم منها المهدي أخريف كتاب بيسووا, كانت وسيطا ممتازا بين "لغتين رائعتين" هما اللغة البرتغالية واللغة العربية.

أما خورخي بينتو (عن معهد كومويش البرتغالي), فاعتبر أن شاعرية فريناندو بيسووا, أحد أكبر شعراء العالم في هذا العصر وفي كل العصور, تتأكد يوما عن يوم, مشيرا إلى أن الشاعر كان يحب النقاش والحوار ومجالسة المثقفين في مقاهي لشبونة رغم أن كل الصور المعروفة له تظهره وحيدا.
ورأى الباحث خالد بلقاسم أن بيسووا شاعر كوني وقراءته لا نهائية, كما أن تجربته مربكة بالتباسها وغموضها وحمولتها الفكرية الباذخة, فيما اعتبر الباحث أحمد هاشم الريسوني أن سر نجاح الترجمة, التي أنجزها المهدي أخريف للأثر الأدبي العميق لبيسووا هو ترجمته للذات الشاعرة بالأساس .

وفي ختام هذا اللقاء التكريمي, الذي احتضنته المكتبة الوطنية, ألقى المهدي أخريف مقاطع من قصيدة مهداة إلى الشاعر والفنان حسن باقر عبد الرب, الذي وافته المنية في31 غشت 2006 , تصدرتها أبيات للشاعر الفرنسي ستيفان مالارمي وستصدر قريبا بالقاهرة ضمن ديوان بعنوان (محض قناع), كما ألقى أخريف عددا من القصائد ترجمها من اللغة الإسبانية لبيسووا ولعدد من أنداده الكثر.

ويعتبر الشاعر فيرناندو بيسوا (188 ـ 1935) من أقرب الشعراء البرتغاليين إلى قلوب المترجمين وعشاق الشعر في المغرب، فقد اهتم الكثير من هؤلاء بترجمة أعمال هذا الشاعر الأسطوري وتقريبها من القارئ المغربي والعربي. ومن أبرز هؤلاء المترجمين: وساط مبارك، وسعيد الباز، وعبد القادر الشاوي، والمهدي أخريف, هذا الأخير الذي عكف, منذ سنوات عديدة, على ترجمة الأعمال الكاملة لفرناندو بيسوا.

عرفت حياة هذا الشاعر العملاق, وفق ما ذكرت مصادر صحفية, الكثير من التقلبات والأحداث التي عصفت بحياته وتركت أثارها بارزة في قصائده، فقد ولد الشاعر ـ كما جاء في شذرات من سيرة كتبها المهدي أخريف توطئة للكتاب " يوم 13 يونيو عام 1888 في الطابق الرابع من المنزل رقم 4 بساحة سان كارلوس في لشبونة وتوفي يوم 30 نوفمبر 1935 في لشبونة أيضا. عاش طفولته الأولى مع والديه ومع جدته لأمه، ديونيسيا، التي كانت تعاني نوبات جنون تتميز بعدوانية شديدة العنف. لقد عاين، وهو طفل، العديد من الأزمات الحادة لجدته تركت فيه آثارا عميقة، وجعلته يعاني, منذ فترة مبكرة, الخوف من الجنون، قبل أن يصبح هو نفسه عرضة لنوبات هستيرية حادة بين الفينة والأخرى، نوبات سماها هو الموجات السوداء. والد بيسوا: خواكيم سيبرا بيسوا، كان موظفا ذكيا ومثقفا وله اهتمام بالنقد الموسيقي في يومية الأخبار، ونشر بحثا صغيرا عن فاغنر.

أما أمه، ماريا مادالينا نوغيرا، فقد درست في معهد انجليزي وكانت على ثقافة أدبية فنية وموسيقية واسعة، أعلى بكثير مما كان متوفرا لنساء عصرها، وكانت تتحدث وتكتب بتمكن تام، بالفرنسية والإنجليزية وعلى معرفة بالألمانية واللاتينية، كما كانت تؤلف أشعارا نيورومانطيقية متوائمة مع تلك الحقبة. لكن التأثير الحاسم في التكوين الأول لبيسوا يعود إلى جدته لأمه ماريا وكانت امرأة مثقفة، شكاكة دينيا، ارستقراطية وملكية وذات مواهب أدبية أفضل من أمه، وكانت هي دون غيرها من حمله على كتابة أشعاره الأولى.

توفي والده وهو في الخامسة من عمره، فانتقل ليعيش مع أمه وزوجها الجديد الكومندان جواو ميغيل روسا في جنوب إفريقيا في مدينة دوربان التي عين بها زوج أمه قنصلا للبرتغال. هنالك عاش بيسوا في جو عائلي هادئ ما تبقى من سنوات طفولته ومرحلة مراهقته: لقد تلقيت، يقول، تكوينا جيدا... غذائي الأدبي الأول تمثل في ما كنت أصادفه من روايات المغامرات لم تكن تستهويني الكتب الموجهة للأطفال بما تسرده من أحداث مؤثرة.

لم تكن تجذبني الحياة السليمة والطبيعية. لم أكن أرغب في الممكن والمحتمل، بل في ما لا يصدق، في المستحيل بطبيعته. ويضيف: منذ امتلكت الوعي بذاتي لاحظت وجود ميل فطري عندي إلى الخداع، إلى الكذب الفني، مضاف إليه، تعلق كبير بما هو روحي، ملغز ومعتم... لقد صاحبتني مذ كنت طفلا منعزلا وما أزال، بعض الوجوه الأثيرة في أحلامي: القبطان تايبو، شوباليي دوباس، ووجوه أخرى نسيتها...

لم يكن ذلك تخيلا طفوليا يتسلى بإضفاء الحياة على دماه. كان شيئا أكبر من ذلك بكثير: لم أكن بحاجة إلى الدمى لاستوعب بحدة تلك الوجوه. لقد كانت واضحة ومرئية وما تزال في حلمي الثابت، كانت وقائع إنسانية تماما بالنسبة إلى، كانت أشخاصا, استقر بيسوا في لشبونة, ابتداء من ربيع 1905 سيواجه, منذ البداية, صعوبات جمة بسبب طبعه المتحفظ وميله إلى العزلة. إذ ما أن يقرر الالتحاق بجامعة لشبونة في أكتوبر من 1906 حتى نجده يتركها نهائيا شهر ماي من سنة 1907 .

لقد تركها بسبب نفوره من المناهج الدراسية الرسمية للجامعة وليس بسبب مشاركته في مظاهرات 1907 الطلابية, حسب رواية أخيه. في تلك السنوات كان بيسوا يشق طريقه بهدوء في عالم الأدب كانت معظم كتاباته بالانجليزية باسم سيرش تارة وآفون تارة أخرى... كان يواظب على قراءة الكلاسيكيين الانجليز (شكسبير، بليك، بايرون، ملتون، كيتس...) ويكتشف بودلير والرمزيين الفرنسيين.

يشار إلى أن المهدي أخريف, بدأ الكتابة سنة 1964 ونشر أول نص له بجريدة العلم سنة 1967, لتتبعها مساهمات عدة في العديد من المنابر المغربية والعربية.

من أعماله: باب البحر- وسماء خفيضة - وترانيم لتسلية البحر- وشمس أولـى, وغيرها.




تابعونا على فيسبوك