قضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بآسفي أخيرا، بأحكام متفاوتة، بلغ مجموعها ستون سنة سجنا نافذا، في حق أربعة متهمين من عائلة واحدة، بعد إدانتهم في التسبب في مقتل شقيقين بسبب نزاع حول أرض فلاحية.
وكان المتهمون الأربعة، توبعوا بتهمة "الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه".
انطلقت هذه القضية المثيرة، حين عاد المتهم الرئيسي، محمد (اسم مستعار)، من الديار الفرنسية، فهو مهاجر مقيم هناك منذ سنوات، ويحضر كل سنة تقريبا ليقضي العطلة برفقة أهله بدوار الكوابلية بجماعة سيدي شيكر القروية بإقليم آسفي.
وخلال زيارته الأخيرة لقريته، قبل ثلاث سنوات، لم تمض الأمور كما تعودها محمد، فقد كانت هذه العودة الأخيرة من الديار الفرنسية، ليقضي سنوات خلف القضبان، بسبب شجار بسيط، تفجر بين أفراد عائلته وبين أفراد عائلة الضحيتين مراد وسعيد (اسمان مستعاران)، حين تحدى المتهم محمد، الشقيقين الضحيتين، وأفراد عائلتهما، وقام رفقة ثلاثة من أبنائه وصهره وبعض أفراد أسرته بحرث الأرض المتنازع عليها مع الضحيتين.
حين علم مراد وسعيد بالأمر من طرف أبناء الدوار، هرولا نحو الأرض ورافقهما شقيقهما الأصغر هشام (اسم مستعار) وبعض أفراد أسرتهما ليستطلعوا ويفهموا ما يجري، ولماذا الآن اختار المتهم محمد فتح هذا الجرح القديم بين العائلتين وحرث الأرض ضدا على إرادتهما.
وقف الشقيقان مراد وسعيد على المتهم، ووجدا أنه قطع مسافة كبيرة في حرث الأرض، فاستشاطا غيضا وحاولا إرغام شقيقهما الثالث على حرث الأرض أيضا، وطرد المتهم وأبنائه الثلاثة وصهره، بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص ملثمين، جلبهم لتنفيذ عملية الحرث، وطلب منهم أن يغطوا وجوههم كي لا يتعرف عليهم الشقيقان وعائلتهما.
منع المتهم ومساعدوه عائلة الضحيتين من الاقتراب من الأرض، ودخل الجميع في نزاع حاد، تبادلا خلاله عبارات الشتم والتهديد والوعيد، وبعد أخذ ورد واحتقان، أصر خلاله سعيد الضحية على عدم الابتعاد عن الأرض المتنازع عليها منذ سنوات، والتشبث بها وطرد المتطفلين منها، عندها تطور الخلاف بين المتنازعين، تحول إلى تشابك بالأيدي وعراك حاد، تبادلوا خلاله الضرب والجرح في ساعة متأخرة من الليل، بجميع الوسائل التي كانت بين أيديهم، من الهراوات والآلات الحادة، سواء التي كان يستخدمها أفراد عائلة المتهم الرئيسي في الحرث، أو الوسائل التي جلبها أفراد عائلة الضحيتين معهم.
كانت حصيلة العراك دامية جدا وخطيرة، فحين بدأت خيوط الفجر تزيح الظلام الدامس الذي غطى الأرض المتنازع عليها، تبين للمتنازعين أن الشقيقين مراد وسعيد لفظا أنفاسهما الأخيرة فوق تراب الأرض، في حين أصيب المتهم وأبناؤه وشقيق الضحيتين وأشخاص آخرون بجروح متفاوتة الخطورة.
لم يستطع المتهم أن يصدق ما آلت إليه الأمور، نتيجة تعنته في لحظة طيش أودت بحياة خصميه في ليلة واحدة، فلم يجد أمامه سوى أن يطلق ساقيه للريح، ويفر نحو وجهة مجهولة، ملطخا بدماء ضحاياه، وتاركا الجميع إما في حالة وفاة أو إغماء تام أو إصابات وجروح خطيرة.
أبلغ سكان الدوار السلطات المحلية، التي ربطت الاتصال بعناصر المركز الترابي لسرية الدرك الملكي بالشماعية، وانتقلوا إلى الأرض المتنازع عليها، حيث اكتشفوا من المعاينة الأولية أن الضحيتين (مراد، البالغ من العمر 57 عاما وأب لخمسة أبناء، وسعيد البالغ من العمر 48 عاما، وأب لثمانية أبناء، من بينهم اثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة)، أنهما لفظا أنفاسهما الأخيرة، متأثرين بالجروح الخطيرة التي أصيبا بها أثناء المشاجرة، في حين اكتشفوا أن المتسبب في الصراع فر نحو وجهة مجهولة.
أمر رجال الدرك بنقل الضحيتين إلى مستودع الأموات، ونقلت سيارة الإسعاف باقي الضحايا على وجه السرعة إلى المستشفى، فيما جرى اعتقال باقي المشاركين في النزاع من أجل التحقيق معهم ومعرفة ملابسات هذه المذبحة.
أثناء القيام بالتحريات وبداية التحقيقات، كان المتهم الأول محمد، الذي فر نحو مدينة طنجة، يبحث عن مسلك للهرب نحو أوروبا ولو بطريقة غير شرعية، لكنه حين ربط الاتصال بأحد أفراد عائلته، ليستطلع إلى أين وصلت الأمور، نصحه هذا الأخير بالعدول عن فكرة الهرب وتسليم نفسه للسلطات الأمنية، لأن هروبه لن يزيد الأمور سوى تعقيدا.
عاد المتهم نحو مدينة آسفي وسلم نفسه عن طواعية لرجال الدرك، وأثناء التحقيق معه وباقي المتهمين (صهره وأبناؤه الثلاثة)، والاستماع إلى تصريحاتهم من طرف الضابطة القضائية للدرك الملكي، نفى جميعهم أن يكونوا لاحظوا من تسبب في وفاة الشقيقين، حيث شدد الجميع على أن الظلام الدامس منعهم من معرفة من تسبب في قتلهما، مشيرين إلى أن الجميع كان يتبادل الضرب والجرح، باستعمال العصي والهراوات والآلات الحادة، الشيء نفسه أكده جميع الشهود وباقي الضحايا في هذه القضية.
وبعد انتهاء مسطرة البحث والتحقيق، جرت إحالة الملف على أنظار الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بآسفي، الذي أحاله على قاضي التحقيق لتعميق البحث، الذي دام أزيد من سنة، قبل تحويل المتهم الرئيسي رفقة ثلاثة من أبنائه وصهره، على أنظار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف، التي قررت مؤاخذتهم بما نسب إليهم، وقضت في حقهم بالأحكام سالفة الذكر.