العنوسة صفة يشترك فيها كلا الجنسين

تأخر سن الزواج إلى 45 سنة لدى الرجل و35 سنة لدى الفتاة

الخميس 18 يناير 2007 - 14:00

تعرف ظاهرة العزوف عن الزواج ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وتعددت الأسباب التي تكمن وراء الإحجام عن الزواج، ويفسر المحللون الاجتماعيون هذا الإحجام،

بغلاء المعيشة، وتفشي البطالة وأزمة السكن، وتخوف بعض الشباب من تحمل المسؤولية العائلية، وبإقرار مدونة الأسرة، انضاف سبب آخر بحكم سوء استيعاب ما نصت عليه المدونة من مقتضيات بخصوص الطلاق والتعدد واقتسام الممتلكات المكتسبة خلال العلاقة الزوجية

أشارت المندوبية السامية في إحصائيات لها، أن نسبة العنوسة بين الفئات العمرية بين 15 و24 سنة من الفتيات أصبحت تقارب المائة في المائة
وأضافت أن معدل سن الزواج في المغرب، هو 28 سنة بالنسبة للنساء، و31 سنة بالنسبة للرجال، وهي أرقام مختلفة تماما عن الأرقام التي كان المغرب يعرفها خلال العقود الماضية، كما أنها عرفت أخيرا ارتفاعا نسبيا. وأوضح المصدر نفسه أن نسبة الخصوبة في المغرب انخفضت بشكل كبير، إذ وصلت إلى طفلين لكل أسرة تقريبا حسب إحصائيات رسمية، مقابل 7 أطفال لكل أسرة في عقد الستينيات

ومن أسباب تفشي العنوسة في المغرب بين الرجال والنساء، عدم فهم مقتضيات مدونة الأسرة، بعد التعديلات التي أدخلت عليها والمتعلقة أساسا بشروط تعدد الزوجات
ونصت التعديلات نفسها على أن القاضي لا يأذن بالتعدد إلا إذا تأكد من قدرة الزوج على التعامل بالعدل والمساواة بين زوجاته في جميع جوانب الحياة، وثبت أن لدى الزوج المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، وكذلك بعد حصوله على إذن بالموافقة من الزوجة الأولى
كما وحدت سن الزواج بين المرأة والرجل في 18 عاما، مع تخويل القاضي إمكانية تخفيضه في الحالات المبررة، واعتبر البعض هذه البنود تشجيعا على رفع نسبة العنوسة في المجتمع المغربي

وأعلنت من جهتها مصادر مسؤولة في وزارة العدل، أنه مع تعديل مدونة الأسرة ارتفعت نسبة الزواج بنسبة 2.7 في المائة، وأن نسبة الطلاق انخفضت بنسبة 40 في المائة، مقارنة مع سنوات سابقة، إضافة إلى انخفاض نسبة الطلاق، عن طريق تطبيق قانون الخلع بنسبة تزيد عن 40 في المائة أيضا

وتتناقض هذه المعلومات التي فاجأت الرأي العام مع معلومات أخرى أصدرتها جهات مستقلة أشارت إلى أن الزواج في المغرب صار يتراجع بشكل مثير للقلق

وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الزواج في مدينة القنيطرة ونواحيها مثلا تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأن 3862 حالة زواج فقط جرت العام المنصرم في 2005 مقابل 6700 سنة 2004، مضيفة أن طلبات الطلاق التي تلقتها المحكمة الابتدائية في المدينة، ارتفعت إثر تطبيق قانون الأسرة الجديد

من طبيعي أن يتزوج الإنسان وينجب أطفالا ويكون أسرة، ومن غير طبيعي أن يبقى عازفا عن الزواج دون أسباب منطقية، والأمر ينطبق على الرجل والمرأة
وتشير الدراسات إلى أنه في مجتمعنا المغربي عرفت نسبة العزوف عن الزواج تزايدا في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، وفي كل عام، ينضم إلى فئات العزاب الآلاف من الشباب والفتيات، الذين حالت ظروفهم الاجتماعية دون زواجهم، حتى أصبح الزواج حلم ملايين الشباب. وأضافت الدراسات نفسها، أن الشاب كان يتزوج قبل الثلاثين، لكن اليوم أصبح يتأخر إلى 40 أو 45 سنة فما فوق

وتأخر كذلك سن الزواج لدى الفتاة إلى 30 و35، وأحيانا إلى 40 سنة. وتفيد المصادر نفسها، أنه أمام هذه الاشكالية يمكننا طرح عدة تساؤلات من بينها أسباب عزوف الشباب عن الزواج، ودور وسائل الإعلام في ترسيخ بعض المفاهيم والأفكار المغلوطة عن الحياة الزوجية، وسبل للحد من اتساع الظاهرة في مجتمعنا المغربي. ويمكن تقسيم أسباب عزوف الشباب عن الزواج إلى قسمين أسباب مرتبطة بالمجتمع وتقاليده وأخرى إما أخلاقية أو عاطفية أو نفسية. ويرى محللون اجتماعيون أن المغرب باعتباره مجتمعا ذكوريا قائما على التمييز الجنسي، يعتبر أن الرجل إذا لم يتزوج فهذا يعود إليه، أي عازف عن الزواج بمحض إرادته، لكن حينما لا تتزوج الفتاة، توجه إليها أصابع الاتهام بأنها غير مرغوب فيها، وإذن فهي عانس أو بايرة بالمفهوم المغربي. وترى كثير من الفاعلات الجمعويات أن صفة »البايرة« فيها تبخيس وتقليل من شأن المرأة في المجتمع. وأفادت هؤلاء كذلك أن الأسباب التربوية للظاهرة تتجلى في انتشار الفساد في المجتمع، ما يتيح لبعض الفئات من الجنسين تلبية حاجاتهم الغريزية خارج نطاق المؤسسة الزوجية. كما أن كثرة مشاكل الطلاق والتفكك الأسري والخيانات الزوجية وارتفاع نسبة العنف ضد النساء، تدفع البعض إلى الاحجام عن دخول مغامرة الزواج. وتساهم وسائل الإعلام من خلال برامجها وأفلامها في ترسيخ مجموعة من المفاهيم والأفكار المغلوطة عن الحياة الزوجية، إذ تعمل على ربط الحياة الزوجية بالمشاكل والخلافات خاصة، كما تلعب دورا كبيرا في التأثير على المجتمع، خاصة فئة الشباب. واعتبر باحثون في علم الاقتصاد، أنه كثيرا ما يكون المجتمع بنظمه وتقاليده وتنشئته للأفراد، سببا في ازدياد ظاهرة العنوسة أو تأخير سن الزواج. وأنه في المغرب يمكن اعتبار ضعف الدخل العام للشباب، خاصة مع تفاقم نسبة البطالة، السبب الرئيسي في الشاب يصرفون النظر عن الزواج، إلى جانب غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة

وتعتبر هذه أمور تحبط الشاب المقبل على تكوين أسرة. ويفضل بعض الشباب اليوم عدم الزواج، لأن وضعية العازب أقل مسؤولية ومتاعب، ما يسمح لهم بالتحرر والانطلاق، متبعين في ذلك المنهج الغربي كمثال للحرية والمساواة بين الرجل والمرأة. ويتخذ بعض الشباب والفتيات ذريعة فشل الخطوبة أكثر من مرة، أو المرور بتجارب عاطفية انتهت بالانفصال، لعدم التفكير في الزواج. وأفادت دراسات في الموضوع أن المغربيات أصبحن يفضلن الزواج من الأجانب، خاصة من دول الخليج، إذ تمتلئ المجلات النسائية وغيرها من المواقع الالكترونية على شبكة الأنترنت في العالم العربي بالمئات من طلبات الزواج، أغلبها تعود لمغربيات

كما أصبح شباب وشابات يلجؤون إلى وكالات مختصة في الزواج للحصول على شريك حياة
وأشارت »اللجنة الخيرية للزواج« في مدينة جدة، في تقرير لها إلى أن 99 في المائة من طلبات الزواج التي تأتي من المغرب هي لنساء

وأن أكثر من نصف هذه الطلبات تلح على عرسان من خارج المغرب، وأن الكثير منهن موظفات وبمستوى تعليمي جيد، وينتمين لعائلات وضعها المادي مريح. وأكد مختصون في علم النفس، أن الأسباب النفسية تلعب دورا في صرف النظر عن الزواج، وتتجلى في تخوف البعض من تحمل ثقل المسؤولية والأعباء الناتجة عن الزواج من تربية أولاد وتعليمهم أو الشعور بالنقص الناتج عن وجود عيوب خلقية واضحة في شخصية الشاب أو الشابة إلى جانب أمراض نفسية كالانطواء على النفس والعزلة. وأثبت علماء النفس كذلك في عدة دراسات بخصوص هذه الظاهرة، أن العازف عن الزواج يعيش حياة تطغى عليها الفردية والأنانية، فهو لا يفكر في الآخرين ولا يضحي من أجل الآخرين، ومع الوقت تترسخ هذه القيم عنده وتتخذ الحياة معنى آخر، لا مكان فيها للآخر فتزداد أنانيته ويزداد اهتمامه بنفسه وهذا بالطبع يؤثر على استقراره النفسي كما يؤثر على علاقته مع الآخرين. وأكدت الدراسات نفسها، أن الزواج والعلاقات داخل الأسرة تخفف من نسبة الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب والانطواء والعزلة. وقال أحد الفاعلين الجمعويين، إنه من أجل الحد من اتساع واستفحال هذه الظاهرة في المجتمع، يجب العمل على تشجيع الشباب على التخلي عن العزوبية لذلك لابد من اتخاذ الأمر بجدية، من خلال العمل على توفير فرص عمل حقيقية للشباب العاطل وتيسير المشاريع الصغيرة، وتشجيع الشباب المقبل على الزواج المبكر، بتسهيل حصولهم على سكن بأسعار مناسبة وتنظيم أعراس جماعية للشباب ذوي الدخل المحدود.




تابعونا على فيسبوك