ينظر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حاليا، في قضية المتهم ميلود البالغ من العمر 22 سنة، الذي قام أخيرا بقتل صديقه والبالغ من العمر 26 سنة بثلاث طعنات بسكين كان يخفيه بين تلابيبه، بعد خلاف نشب بينهما حول تدخين سيجارة، إذ اعتقل من طرف الفرقة
فرح ميلود كثيرا حين سماعه لخبر إعفائه من باقي المدة الحبسية التي كان يقضيها بالسجن المركزي لعكاشة، فقد كان يقضي عقوبة حبسية بتهمة تبادل الضرب والجرح، وظفر الآن بإفراج قبل شهر تقريبا من انتهاء المدة غمرت السعادة قلبه، وتنفس الصعداء وقبل تراب الأرض حمدا لله على حريته، وخروجه من بين براثين الزنزانة المظلمة الباردة
فرحة ميلود الكبيرة قابلتها فرحة أخرى، من العائلة والجيران الذين استقبلوه بالزغاريد والقبلات وبعد انتهاء الزيارات والاحتفال، قرر ميلود أن يحتفل رفقة أصدقائه المقربين بخروجه من السجن.
طلب من صديقه سعيد أن يرافقه إلى أحد المحلات التجارية، ليقتنيا بعض قنينات الخمر، للاحتفال بالحدث السعيد، وقبل ذلك عرجا على بعض أصدقائهما الحميمين، يخبرونهم بموعد السهرة.
اقتنى ميلود وسعيد قنينات النبيذ الأحمر واشتركا في شراء علبة سجائر، وانزويا بأحد الأماكن وسط دوار السكويلة الصفيحي بسيدي مومن، ليحتفلا بالمناسبة السعيدة وتخليد الذكرى.
لم يتردد أصدقاء ميلود في قبول الدعوة، مادام بالسهرة خمر وموسيقى صاخبة، وحضروا جميعهم وكان سعيد أولهم، جلسوا لساعات طويلة يحتسون الخمر ويرتشفون السجائر، ولم يكف سعيد وميلود عن الضحك والهزل والتذكير بأمجادهما في عمليات الضرب والجرح والتعاطي للمخدرات وبدا ميلود بدوره يسرد تفاصيل ما جرى معه داخل السجن، والأصدقاء الذين تعرف عليهم هناك حكايات وأحداث جميلة ومؤلمة، لم يتوقف عن سردها طوال الليل.
بعد مرور ثلاث ساعات، ودع باقي الرفقاء الصديقين، وتوجهوا نحو منازلهم، في حين بقي سعيد وميلود يكملان سهرتهما، رغب ميلود بعد مغادرة أصدقائه في تدخين سيجارة، لكنه وجد علبة السجائر فارغة، طلب من سعيد أن يمنحه السيجارة التي بين يديه، ليدخن قليلا لكونهما اشتركا في شرائها لكنه رفض، بدعوى أنه دخن معظم سجائر العلبة.
استشاط ميلود غضبا، وبلسانه المتثاقل بفعل الخمر، بدأ في سب وشتم نديمه لأنه كان يقاسمه التدخين، لم يتحمل سعيد شتائم زميله، ودخل معه في جدال طويل، تبادلا فيه السباب والكلام النابي، وفي لحظة مفاجأة، وبعد أن تمكن الغضب منهما ولعبت الخمر بعقلهما، كسر سعيد قنينة خمر، ووجهها نحو ميلود ليضربه بها، لكن هذا الأخير حمل سكينا كان يضعه بالقرب منه، وطعن به صديقه، ثلاث طعنات غائرة، ولم يدرك ما يقوم به، بل وجه له طعنة قوية إلى الصدر وأخرى إلى العنق والثالثة نحو الرئة، دون أن يكف لسانه عن شتمه.
سقط سعيد على الأرض دون حراك، وحينها أدرك ميلود فعله الإجرامي، وبأن سهرته الخمرية تحولت إلى جريمة قتل، عندها خبأ سكينه بين ثيابه ولاذ بالفرار نحو وجهة مجهولة.
في الصباح الباكر، عثر بعض سكان الدوار الذين كانوا متوجهين نحو عملهم، على سعيد غارقا في دمائه، طلبوا الإسعاف على الفور كما اتصلوا بالشرطة، نقل الضحية إلى مستشفى سيدي البرنوصي القريب من حي سيدي مومن، لكن الأطباء وجدوه جثة هامدة، فنقل إلى مصلحة الطب الشرعي، التي سلمت تقريرا طبيا إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لأمن البرنوصي زناتة، يفيد بوفاة الضحية نتيجة نزيف داخلي حاد ناتج عن الطعنات القوية التي تلقاها بواسطة آلة حادة.
كثفت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لأمن البرنوصي زناتة من تحرياتها، بحثا عن المتهم الموجود في حالة فرار، خاصة بعدما تأكدت من خلال التحقيقات والاستماع إلى أصدقائه، أن ميلود كان آخر المتواجدين مع الضحية.
بعد تحريات دقيقة، عثرت الشرطة على المتهم مختبأ بأحد الأماكن المهجورة، وعند التحقيق معه ومواجهته بالدلائل وبموت صديقه، اعترف بارتكابه للجريمة، دفاعا عن نفسه من صديقه الذي حاول أن يضربه بقنينة خمر مكسورة، وحكى بكل دقة وثقة ما جرى بينه وبين صديقه الضحية.
أعادت عناصر الشرطة القضائية، تمثيل الجريمة، وسجلت اعترافات المتهم، وأحالت ملفه على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وتابعته بتهمة القتل العمد.