نظم أساتذة المدارس العليا للأساتذة مدعومين بالعديد من مكاتب فروع النقابة الوطنية للتعليم العالي بكل من الرباط والبيضاء ومراكش وفاس وبني ملال، حركات احتجاجية في نهاية الأسبوع الماضي أمام مقر وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي
وتأتي هذه الحركات، احتجاجا على عدم إصدار المراسيم الأربعة المصادق عليها في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 22 يناير الماضي، ومن بينها المرسوم المحدد لهذه المؤسسات ضمن قائمة غير تابعة للجامعة.
وعبر المحتجون الذين ناهز عددهم 400 أستاذا، عن رفضهم للمشروع الذي ناقشه المجلس الحكومي بتاريخ 2 فبراير المنصرم والذي استثنى أساتذة المدارس العليا للأساتذة من لائحة أساتذة التعليم العالي وجاء هذا الرفض انسجاما مع موقف القاعدة، وكذا احتراما لقرارات المؤتمر الوطني الثامن وقرارات مجالس التنسيق الوطنية وقرارات اللجنة الإدارية.
وكان أساتذة المدارس العليا للأساتذة قد بعثوا بمذكرات في الموضوع إلى الوزارة الأولى والوزارة الوصية بدون أن تحظى هذه المذكرات بأي أجوبة
.
ويتمتع هؤلاء الأساتذة بدعم كبير والذي سبق أن عبرت عنه العديد من البلاغات والبيانات على غرار أساتذة كلية العلوم والتقنيات ببني ملال وتيار الأساتذة الباحثين التقدميين بالمغرب، الذين طالبوا بالإيقاف الفوري لكل المشاريع التي تكرس تشرذم قطاع التعليم العالي ومراجعة المرسوم المنظم لسلك التبريز، بما يضمن حقوق الطلبة ويشجعهم على ولوج هذا السلك.
وتحيلنا هذه الانتفاضة المشروعة لهذه الشريحة التعليمية على وضعية مدارس تكوين الأطر في العلوم المحضة واللغات والترجمة وعلوم التربية وغيرها، والتي تشتكي من ضعف التأطير المبني على البحث العلمي والمقاربات الميدانية، الأمر الذي من الممكن أن يكون له تأثير سلبي على المنتوج الذي تقدمه هذه المدارس.
وأمام هذه الأوضاع، قام بعض الأساتذة الباحثين بالانعزال أو التخلي عن مسايرة ركب التطور العلمي والمعرفي، فيما ناضل آخرون بإمكانياتهم الخاصة للدخول في إطار العلاقات العلمية الخاصة من أجل الحفاظ على خيوط الربط والاتصال في الطريق السيار للمعرفة، الذي لا يؤمن إلا بالجري بأقصى سرعة، وبالفعل من الأساتذة من تمكن من السير قدما نحو تبوؤ المؤسسات التي يشتغلون بها مكانة طيبة على مستوى التنافسية على الصعيد الوطني، في غياب دعم رسمي للبحث العلمي والذي يعرف أصلا بهزالة الميزانية المرصودة له، الشيء الذي يكون له نتائج عكسية على مختلف المستويات التعليمية ببلادنا، علما أن مؤسسات تكوين الأساتذة، هي المنبع الذي يسقي ويغذي مختلف الأسلاك التعليمية بالأطر.
هذا ما أجمع عليه العديد من أساتذة المدارس العليا في سياق فتحنا لقوس عن طبيعة ووضعية مدارس التكوين هذه، كما أكد لنا بعضهم أنه في ظل أجواء لا توحي بالإبداع والعطاء وشحذ الهمم لرفع التحدي، من الصعب أن نطعم تعليمنا الجامعي والثانوي والإعدادي بأطر كفؤة، بل لا يمكن أن نكرس في سياق هذه الأجواء المكهربة لسياسة إعادة التكوين التي تتوخى بلادنا في خضم مسلكيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السير على منوالها لتجذير حضور العنصر البشري كفاعل أساسي لإنجاح المنظومة التعليمية، التي تخوض منذ عشر سنوات مخاضا عسيرا من أجل إصلاح دائم ومستديم، له نتائجه الإيجابية على مستوى الواقع.
إن المدارس العليا للأساتذة برصيدها التاريخي من التجارب الناجحة في ميادين البحث العلمي والتكوين، تمثل عمودا فقريا في أي إصلاح، ومكسبا وطنيا ذا قيمة معنوية ملموسة، من الضروري المحافظة على سيرها العادي وخاصياتها وحيويتها بتطعيمها بأساتذة جامعيين أكفاء من ذوي رصيد فعال في البحث العلمي وتحفيز هذه الكفاءات التي تعتبر عملة صعبة، يجب عدم التفريط فيها حتى لا تهجر وطنها مرغمة في اتجاه دول أخرى تعطي للبحث العلمي ما يتطلبه من إمكانيات، لا سيما وأن هذه النوعية من الأساتذة، لا يمكنها تحمال العيش في كنف أجواء مضطربة وضيقة تعطل مسارها العلمي
ولا شك أن تفضيل البعض للمغادرة الطوعية، ودخول البعض الآخر في احتجاجات وحزازات سياسية، ليؤكد أن هناك أشياء تسير على غير ما يرام تقتضي انكباب الجهات الوصية على هذا الملف حتى لا نصاب بعد سنوات بعوز علمي خطير وإعاقة ذهنية في بحثنا العلمي، يؤدي قطاعنا التعليمي ككل ثمنه غاليا.
لذلك، فالضرورة تحتم أيضا، أن يكون المجلس الأعلى للتعليم على بينة من هذه الوضعية، من أجل تجديد مفهوم جديد للحكامة، والمراقبة والتتبع، حتى نكون بذلك وضعنا الأسس الصلبة والسكة الصحيحة التي على نسقها، يمكن للميثاق الوطني للتربية والتكوين أن يسير بدون توقف ليحقق النتائج المرجوة.