وصف محللون اقتصاديون ميزانية 2006 بكونها ميزانية جاءت مثقلة بالأعباء الضريبية، في الوقت الذي يطالب فيه الفاعلون الاقتصاديون بتخفيضها لمساعدة المقاولات على مواجهة التنافسية وتحمل كلفة الطاقة، التي باتت تحت الزيادات المتتالية في الأسواق العالمية .
ويستند هؤلاء المحللون في حكمهم على حجم الزيادات، التي شملت عديدا من الضرائب، والتي اختارت الحكومة نهجها لتمويل الميزانية، في ظل تراجع عائدات الخوصصة إلى أقل من 5 ملايير درهم عوض 12 مليار في السنة الماضية، والانخفاض المتوالي في العائدات الجمركية، مع سياسة تحرير التجارة الخارجية، وتوقيع عدد من اتفاقيات التبادل الحر، والشراكة مع بلدان أوروبية وأميركية وعربية .
وقال الخبير المحاسب سمير أكومي إن حاجة الميزانية تحت ضغط إكراهات التمويل هي التي تقف اليوم وراء عدم وفاء الحكومة ومديرية الضرائب بوعدها بمراجعة النظام الضريبي وتبسيطه وتخفيضه .
وأوضح أكومي، في تصريح لـ »الصحراء المغربية«، أن الزيادات الأخيرة في بعض الضرائب لا تمنع من تسجيل التقدم والجهود المبذولة من طرف مديرية الضرائب في مجال التنظيم وتبسيط الإجراءات وخلق مديرية خاصة بالمقاولات الكبرى، لكن هذه الجهود لم تصمد أمام إكراهات الميزانية، مما جعل الحكومة تلجأ من جديد إلى النظام الضريبي وتسحب بعض الامتيازات، معتبرا أن السبب الحقيقي يكمن في " كون هدف النمو لم يكن في الموعد" على حد تعبيره. وأكد الخبير المحاسب، وخريج مدرسة "HEC" بباريس، أنه لو تحقق النمو المذكور لجرى الوفاء بالوعود، لكون النمو يعني ارتفاع حجم الضرائب المحصلة دون الحاجة إلى مراجعة معدلات بعضها كما جرى في القانون المالي الحالي .
وحسب قراءة لموارد الميزانية، فإن حجم الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة يمثل 40.4 مليار درهم، أي زائد 9.82٪، والرسوم الجمركية 12.26مليار درهم، أي بارتفاع 10.6، والضرائب غير المباشرة 40.42 مليار، أي زائد 12.37٪، فيما قدر حجم رسوم التسجيل والتنبر بحوالي 6.7 مليار، أي زائد 13.6٪.
وفي تفسيره للسياسة الضريبية والإصلاحات الجارية في النظام الضريبي، قال فتح الله ولعلو إنها تهدف إلى تحقيق " العدالة الجبائية، وإعادة النظر في مجمل الضرائب المباشرة وغير المباشرة، حيث أقر القانون المالي السابق العديد من الإجراءات بهدف إصلاح وتحديث الضريبة على القيمة المضافة، لإضفاء ما أسماه بـ " المزيد من الانسجام في مجال تطبيقها، وإرساء مباديء المساواة والإنصاف الضريبي، وتطوير علاقات الثقة مع الملزمين".
وفي الوقت الذي وعدت الحكومة بالتقليص التدريجي من نسب الضريبة، التي تبقى في نظر عديد من المحللين من أعلى النسب في العالم، جاء القانون المالي لسنة 2006، بالعديد من الضرائب والرسوم، أدت إلى الرفع من أسعار فاتورة الماء والكهرباء، كما أثرت الزيادات في أسعار المنتوجات النفطية وأدت إلى ارتفاع ملحوظ في العديد من السلع والخدمات .
وإذا كان المسؤولون الحكوميون يؤكدون على أهمية الإصلاح بهدف إعادة توزيع العبء الضريبي، بما يحقق التخفيف منه والرفع من سقف التقويم، فإن الأسئلة المقلقة التي ظلت دوما تواجه كل محاولات الإصلاح، تتعلق بكيفية الوصول إلى القضاء على ظاهرة التملص الضريبي، التي تحرم خزينة الدولة من جزء كبير من المداخيل، وكيفية إدماج القطاع غير المهيكل في النظام الضريبي .
ويلخص أكومي مشاكل المغرب، بهذا الخصوص، في هيمنة القطاع غير المهيكل، إلى جانب ضعف النمو. ففي بلد بهذه الوضعية، سيكون من الصعب على الحكومة التقدم في إصلاح النظام الضريبي، لأنه كلما جرت مراجعة الضرائب، لجأ الخاضعون لها إلى القطاع غير المهيكل، معتبرا أن " الاقتصاد الموازي" يشكل ملاذا أمام أي زيادة
ولتصحيح هذه الوضعية، يرى الخبير المحاسب أن الحكومة مطالبة بتسريع وتيرة الإصلاحات من أجل إطلاق دينامية النمو، التي من شأنها توسيع الموارد الضريبية، ومواجهة إكراهات الظرفية الدولية, وإلا فإن المغرب سيكون دوما في مواجهة مشكل تمويل الميزانية وتوفير الوسائل الضرورية لمحاربة الفقر والتهميش .
وبخلاف ما يعتقد الكثيرون، يدعو أكومي إلى " تعميم الضريبة على القيمة المضافة لتشمل كل الخدمات والمنتوجات من أجل تحقيق مبدأ »الحياد«، وهو ما يتطلب تعميمها ومراقبتها وإعادة هيكلتها لضمان العدالة الجبائية".
وبخصوص محاربة التملص الضريبي، أوضح أكومي أنه يتطلب اتخاذ إجراءات على المدى البعيد وتوفير الوسائل الضرورية لتحقيقه، وهي إجراءات تشمل المستويات المالية والاقتصادية والثقافية، المرتبطة بوعي المواطن بأهمية تأدية الضريبة كفعل مواطني يساهم في تمويل الخدمات وتحسينها .
ويقول منتقدو سياسة الحكومة إن مختلف المقتضيات الضريبية التي يتضمنها قانون المالية، لن تنجح في مهمة إعادة توزيع العبء الضريبي دون إثقاله، كما وعد بذلك المدير العام للضرائب في العديد من المناسبات .
وسبق للمدير العام للضرائب محمد بنسودة أن أكد أن تعبئة الموارد لا تتم إلا عن طريق توسيع الوعاء الضريبي، انطلاقا من النظام الجبائي المحلي، مؤكدا أن المقتضيات الجديدة، المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، تدخل في هذا الإطار، باعتبارها " بداية مسلسل لإصلاح هذه الضريبة نظرا لمحدودية موارد الضرائب المباشرة".
وقال أكومي إن الهدف من الإصلاح هو ضمان العدالة والبساطة والوضوح من أجل تحفيز الجميع على الانخراط في النظام الضريبي، فمحاربة التملص، يخلص أكومي، لا تقع فقط بالزجر، بل أيضا من خلال إجراءات تحفيزية تراعي وضعية المقاولات الصغيرة، بما يسمح لها بالنمو والاندراج في الاقتصاد المنظم والتصريح الإرادي لدى مصالح الضريبة، وهي سياسة ستمكن من مواكبة المقاولات وتحسين عملها .