لم تحل إعاقته دون تحقيق طموحه الأكبر: خدمة الطفل من منطلق غيرة وطنية على هذا الكائن الذي يعد إنسانا معطاء طموحا، لا يحتاج أكثر من دفعة من الكبار لتجود قريحتهم بأفضل ما لديهم.
إنه خالد فنساب المسؤول الأول عن موقع "منارة جونيور " أول موقع للأطفال بامتياز
هذا الشاب ذو الثلاثة والثلاثين ربيعا، أبى إلا أن تكون قضية الأطفال قضيته من خلال تواصل دائم عبر الأنترنيت، هذا الاختراع الذي يجب أن تستغل إيجابياته وليس سلبياته على أطفالنا.
عن هذه التجربة، يقول خالد الذي ودع الدراسات الأورومتوسطية، والحائز فيها على ديبلوم الدراسات العليا، ليتفرغ لمهمة يعتبرها أكثر من تربوية، بل إنسانية في حق هذه الشريحة من المجتمع "غيرتي على أطفالنا دفعتني إلى التخلي عن كل ما يمكن أن تمنحه لي أي شركة، فقد سبق أن كنت مسؤولا في إحدى الشركات المتعددة الجنسيات الرائدة، لكن التفكير في مشروع وطني أجد فيه نفسي أكثر من أي مكان آخر، استحوذ على كثيرا، فكانت فكرة موقع للأطفال أتواصل فيه معهم، كما أمكنهم من التواصل مع بعضهم البعض".
في البداية، كانت الفكرة حلم جميل سرعان ما تحول إلى تحدي كبير عزم خالد على رفعه وذلك بالمراهنة على تجاوز المليون زائر في السنة الأولى "حينها قيل لي جميل أن تحلم لكن ابق قدميك فوق الأرض".
لكن الحلم لم يخب فقط لأنه تغذى بالأمل والطموح والحب، الأمل في مجتمع أرهقته وسائل الإعلام بأخبار الكوارث والفضائح والفساد، أما الطموح فهو في المستقبل الواعد لأطفال يحتاجون إلى من يحدثهم عن الأمل، ثم حب الآخر والإنصات إليه هذا ما راهن عليه خالد، فكان موقع "منارة جونيور " الذي تعدى خلال 16 شهرا على ولادته 3 ملايين زائر ومشارك في مختلف نوافذ ومنتديات الموقع، ومنتديات الموقع هي 12 نافذة عبارة عن إجابة عن 12 تساؤلا وضعها خالد نصب عينيه عند إعداد المشروع.
فكانت نافذة "بيكاسو الصغير " هي إجابة عن التساؤل الأول حول هل هناك ذاكرة للطفل؟ ويقول خالد: "هل مازلنا نحن الآن نجد كتبنا ودفاترنا ورسوماتنا القديمة؟ بالطبع لا، لذا أردت أن يكون بيكاسو الصغير (le petit Picasso) هو توثيق لذاكرة الأطفال يخزنونها رسوماتهم وتعابيره، فقد نشرت أزيد من 500 رسم ومازال ينتظر حوالي ألف رسم، وكلها رسومات تفاعل من خلالها الأطفال مع جميع الأحداث وجميع الظواهر الاجتماعية، الشيء الذي أبان عن ذكاء ونضج وحداثة منقطعي النظير عند هؤلاء الصغار، وهكذا فتح الموقع الباب أمام من خانه التعبير بالكتابة ليعبر بالرسم".
يأتي بعد بيكاسو الصغير "النقرة العجيبة " ((le clic comique، النافذة التي تهدي الابتسامة والتفاؤل "لقد لاحظت أن هناك من الجرائد أو المجلات وهي تهدي نكتا للأطفال لا تلتزم بالنكتة التربوية، لهذا حرصت على ان تقدم النقرة العجيبة أفضل النكت التي تخلق الابتسامة مع الأمل وأن تكون المساهمات تربوية بالأساس فقد تفاديت أن أطرح أي كلمة ولو في إطار النكتة مسيئة أو عنصرية كما أعتبر أن الموقع كان أول من نقل النكتة المغربية الى العالم العربي".
التساؤل التالي هو ماذا يقدم الأنترنت من خدمة للأطفال، ويقول خالد: "لاحظت أن الأب يرسل ابنه إلى مقهى الأنترنت دون أن يعرف ماذا يفعل هناك، والمعلم ينصح بارتياد الشبكة العنكبوتية دون أن يدل على مواقع تربوية، وبالتالي يكون البحث عشوائيا، في حين أن صاحب المقهى لا يهمه سوى شغل حاسوب مؤدى عنه بالساعة.
هذا الأمر على مواقع إباحية تستفزه في الأول، ثم تثيره فضوله بعد ذلك وينتابه حب الاستطلاع والمغامرة في الغوص في هذا الموقع، هذه المغامرة تصبح بعد ذلك مسألة عادية جدا، وها نحن نسقط في فخ الشبكة ".
هذا الأمر دفع خالد للتفكير في موقع يقدم أفضل صور العالم بشكل طريف، فكانت نافذة الصورة مع حكمة نريد الطفل أن يستوعب معناها، منارة جونيور هي أيضا نافذة "نادي الأصدقاء " club des amis))" الذي يعتبر ناديا للتعارف عبر هذه البوابة، وتحت إشرافي ومراقبتي حتى لا أضع الطفل بين يدين غيرآمنتين تلعب بخياله وتجره إلى متاهات هو في غنى عنها "، سؤال خامس أجابت عنه نافذة "أفضل الأمثال " "أعتبر أن الطفل المغربي لم يعط حقه.
وأهملت أحلامه فترة من الزمن، ولم يعد حلمه الطبيب أو المهندس كما كنا نسمع ونحن في الصف الأول الابتدائي، بل حلمه الوحيد هو الهجرة إلى الخارج، لذا ارتأيت في ضرب أمثال الحكمة والتحسيس والتربية والثقافة، فمثال بسيط يقدم بعدا كبيرا، وقد يغير حلم طفل ليعود إلى تلقائيته وحبه الأول داخل بلده وليس بعيدا عنه ".
وتأتي "السجادة السحرية " لتقدم جولة عبر العالم عبر صور من كل دولة "أريدها أن تلتصق بالذهن فالتحصيل المعرفي لا يحتاج دائما إلى الكثير من المعلومات، بل خمسة أو ستة منها أعتبرها كافية للتعرف على دولة معينة "، أما نافذة "ليس هناك أسرار فأراد خالد أن يقول من خلالها "لا ينبغي الطفل أن يحمل همه لوحده، بل هناك من يمكنه الاستماع إليه ومقاسمته معاناته ".
واكتشف خالد أن من يدافع عن الطفل، هو الطفل نفسه، فكانت نافذة الصحفي الصغير هي هذا المنبر الذي يحكي فيه الطفل تجربته ويعالج فيه مجموعة من الظواهر المسكوت عنها ويذكر ببراءته المعهودة المسؤولين بطموحاته وانتظاراته
ولم ينس خالد الأطفال المهاجرين، فجاءت نافذة "MRE juniors " نافذة خاصة بهم يضمنونها مشاكلهم وأحاسيسهم تجاه وطنهم الأم ومشاعرهم تجاه بلدهم المضيف
وتجيب نافذة "الأجندة " عن تساؤلات الأطفال حول الأخبار التي تهمهم والتظاهرات التي غالبا ما يغيبون عنها، لأن وسائل الإعلام لم تخبر عنها كما يجب، فجاء هذا المنبر يستقون منه أخبارهم.
هذا العمل الذي يقوم به شاب معاق، لم يذهب سدا بل كان خالد حسن ظن المسؤولين في الشركتين التي عهدت له بهذه المهمة، وهما "كازانيت " و "منارة " اللتان وضعتا ثقتهما فيه ولم يخذلهما، فقد حصل الموقع على جائزة أحسن موقع في العالم العربي لسنة 2005 على إثر مسابقة أجريت في البحرين، "وبالمناسبة أشكر رؤسائي الذين مكنوني من رسم عالم آخر ورسم المغرب بألوان جميلة، ألوان المستقبل والأمل حيث أمدوني بكل الإمكانيات ووسائل العمل حتى يخرج الموقع للوجود وأكون في مستوى انتظارات الطفل".
لخالد رسالة أخيرة يوجهها لكل المثقفين، والكتاب والفنانين "لدينا ما يناهز 20 ألف من المثقفين في المغرب، لو خصص كل واحد منهم مقالا واحدا في السنة للطفل لكان لدينا 20 ألف قارئ، فأنا أعتبر أن الطفل هو القارئ المغربي الأول والأخير ".