سوريا: ظلم الأبناء أشد مضاضة/ عبد العزيز شبراط

الأربعاء 18 يناير 2006 - 15:03

اعتبرت تصريحات عبد الحليم خدام النائب الأسبق للرئيس بشار الأسد على قناة العربية مفاجئة للنظام السوري ولجميع الأطراف، سواء داخل سوريا أو خارجها، واعتبرت ضربة قوية وخطيرة للنظام السوري بالأساس،.
والأخطر من ذلك أن أتت من قلب النظام وليس من خارجه، فهذه ال

فتصريحات خدام لم تتضمن فقط هجومه على الأوضاع الداخلية أو انتقاده للأوضاع الاجتماعية والحقوقية والسياسية أو الفساد والقمع والاستبداد، أو ركز هجومه على التهميش وتجاهل الدعاوى المتكررة لانطلاق عمليات الإصلاح المطلوبة في سوريا منذ تولي الدكتور بشار الأسد مقاليد الحكم بسوريا؟

بل تضمنت اتهامات مباشرة وأخرى خفية لتورط النظام السوري قي مقتل رئيس الوزراء الأسبق للبنان رفيق الحريري، وعلى رأس المشار إليهم في توجيه تك التهم كان الرئيس بشار الأسد، وهو ما يخدم أعداء سوريا أكثر ما يخدم الشعب السوري، كما حاول عبد الحليم خدام أن يوهم العديد لما قال أنه اختار الوطن على النظام وقت إذاعة تصريحاته.

فجأة تحول خدام من عنصر أساسي في النظام السوري (الرجل الثاني في سوريا لما يزيد عن عقدين من الزمن) إلى حالة جديدة كزعيم معارض يهمه بالأساس وطنه سوريا.

هكذا هي الكراسي الفخمة تفعل في أصحابها ما تشاء وكيفما تشاء، فلأكثر من أربعة عقود كان خدام يرى في النظام السوري النموذج الأمثل لقيادة دولة عربية وقفت في وجه الصهيونية وشكلت شوكة في حلقها لعقود.

كما كان هذا النظام في نظر الرجل نظاما ديمقراطيا يخدم شعبه ويخدم الشعوب العربية على حد سواء، وبفقدانه اليوم كرسيه الفخم تحول النظام بتصريح لقناة العربية إلى نظام ديكتاتوري مستبد، غابت فيه المؤسسات الدستورية للدولة وتوقفت فيه عمليات الإصلاح، وزاد التسيب وانتشر الفساد، وأن نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، وأن فئة قليلة بسوريا هي التي تتحكم في البلاد، وتنعم بخيراتها (وكان الرجل من ضمن هذه الفئة طبعا)، ما الحاجز الذي كان يمنعه من رؤية بعض أبناء الشعب الذين يبحثون على طعامهم في سلات المهملات كما صرح للعربية قبل استقالته وتصريحاته فيما بعد؟.

من كان يمنع خدام الرجل الثاني في النظام السوري ليفصح عن ما أفصح عنه في أستوديو العربية بباريس؟ كقوله أن الرئيس بشار الأسد ساق كلاما عنيفا في حق الشهيد رفيق الحريري، وهدد أمام اللواء غازي كنعان والعميد رستم غزالي ومحمد مخلوف بسحق كل من يقف أمام القرار السوري.

إنه الكرسي الفخم الذي كان يتمتع بخيراته وفوائده وراكم عبره ثروة مكنته من امتلاك قصر فخم في فرنسا لا يملكه حتى الرئيس الفرنسي نفسه. ذاك هو الذي كان يمنع خدام من الإفصاح عن ما أفصح عنه في وقت ناسبه وناسب أعداء سوريا.

فهل يعتبر خدام غير مسؤول عن ما صرح به في حق النظام السوري؟ ألم يكن هو الرجل الثاني في هذا النظام؟ وهل يستطيع اليوم أن يقود معارضة بالخارج ضد النظام بحجة المصلحة العليا للوطن ويصدقه الناس ويتبعون خطواته المستقبلية في"النضال" فمستقبل الرجل خلفه وليس أمامه؟

من سيثق به وهو الذي كان له موقفه من المعارضة الحالية وعلى رأسهم أؤلائك الذين أبدوا استعدادهم للتعاون معه ضد النظام شريطة أن يوضح موقفه مما مضى؟.
وهل سيجد هذا "الزعيم الجديد" من أبناء الشعب السوري من سيتخذه قدوة لإحداث التغيير الواجب إحداثه بسوريا؟.

فالذين يجمعون غذاءهم من القمامة بالشارع السوري على حد وصف خدام لن ينشدوا أبدا أنشودة الرخاء والكرامة وراء رجل انقلب على وطنه بمجرد ما شعر بضياع كرسي، ولم يفكر قيد أنملة في النظام الذي منحه الترف والخيرات التي يتمتع بها اليوم بباريس؟

ثم ما هدف أولائك الذين أعلنوا استعدادهم التعاون مع هذا الرجل بالخارج لتغيير النظام؟

وهل فعلا يسعون لتغيير النظام من أجل أحلال الديمقراطية والقضاء على الاستبداد؟ أم فقط من أجل استعادة خدام لكرسيه الفخم وينعمون معه هم أيضا بما سيكسبون من كراسي في حالة نجاحهم وهو أمر مستبعد.

لأن الإصلاح الحقيقي لا بد وأن تقوده الجماهير المسحوقة فعلا والمضطهدة حقا داخل الوطن، ولن تقوده أبدا جماعات تعيش خارج الوطن وتنعم بما تنعم به هناك من امتيازات تكتبها تحت ذريعة اللجوء السياسي.

وأي لجوء سياسي هذا وأية سياسة تلك التي تمارس بعيدا عن الجماهير المستضعفة وبعيدا عن الوطن وعن ظروف العيش فيه، وهل لهم معرفة بالوضع الداخلي للبلاد، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ وبموازين القوى والتكتيك والاستراتيجية الكفيلين بتحقيق التغيير الحقيقي المنتظر في سوريا، وليس ذاك التغيير الذي يحلم به دعاة التغيير من الخارج ويطمحون إليه بعيدا عن الواقع الحقيقي للوطن وبعيدا عن أي تغيير يلبي حاجات الوطن؟.

أما أولائك الذين صرحوا عقب هذا الحدث علنا أن التغيير يجب أن يكون مدعما من الخارج، فلا شك أنهم يتمنون لسوريا ما يحدث اليوم بالعراق، والذي سارع هذا الخارج لإقامة التغيير فيه فتم احتلاله، وعبثت الأحذية الثقيلة بمقدساته وبحضاراته وأهانت كرامة إنسانه وألحقت العار ببناته ونسائه وأطفاله، وخربت أمام العالم أجمع تراثه الذي يعود لآلاف السنين مضت، بل ونهبته ليباع في أسواق التهريب بالخارج، وعوض تحقيق التغيير الذي تطمح له الجماهير المستضعفة والمسحوقة، سادت فيه الفوضى من كل جانب إلى أن اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نفرق فيما يقع به من تقتيل وتدمير وتخريب بين المقاومة والإرهاب.

إن ما يمكن استنتاجه من تصريحات خدام هو الوضع الهش للأنظمة التي تضع دائما حاجزا سميكا بينها وبين شعوبها، فبمجرد ما أذيع تصريح الرجل حتى أصاب النظام السوري الهلع والخوف وأسرع بشكل مثير إلى عقد جلسة خاصة للبرلمان تم خلالها توجيه تهمة الخيانة العظمى للرجل.

وتحركت كل الأجهزة لكشف ماضي الرجل وفضح حالة الترف التي كان يعيشها وعائلته، ودققت هذه الأجهزة فيما كان يعيشه من فساد وكيف حصل على ما حصل عليه من ثروة تعد بالملايير من الدولارات، وكشفت تلك التقارير على أن ثروة الرجل وأبنائه وعائلته وأقاربه جمعت بكل الطرق الفاسدة، بما في ذلك عقد الصفقات لدفن النفايات النووية بالصحراء السورية، كما تحرك أنصار النظام لوصف الرجل بكل أوصاف الفساد ونعته بكل النعوت.

ويبقى السؤال الأهم هنا هو لماذا اختار عبد الحليم خدام هذا التوقيت بالذات لإعلان تصريحاته وانشقاقه على النظام السوري الذي خدمه لعقود من الزمن؟ قد يكون للإجابة على هذا السؤال علاقة بما أشارت إليه إحدى الصحف الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت"ما مفاده أن قصر خدام بباريس تحول إلى وجهة دائمة للمخابرات الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية.

وربما أصبح النائب السابق للرئيس السوري حافظ الأسد أداة في مشروع كبير يستهدف سوريا والأمة العربية، كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد في حوار مع جريدة "الأسبوع" المصرية الاثنين الماضي حيث قال في معرض إجاباته.

"باعتقادي أنه ضالع في المخطط من قبل وهو طرف أساسي فيه ولكن ليس لدينا تفاصيل محددة حتى الآن، ولكن أود أن أشير هنا إلى أن كثيرا من الإطروحات التي كان يطرحها داخل الاجتماعات أو خارجها كانت تخدم هذا المخطط".

بالأمس القريب انتحر غازي كنعان في ظروف غامضة، واليوم ينشق عن النظام نائب الرئيس عبد الحليم خدام، الذي يبدو أنه أصبح بدون وطن ولا أرض تأويه فها قد رفضته السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد ما ضاقت به الأراضي الفرنسية.

ما الذي يقع اليوم لسوريا؟ هل هي بداية تفتت النظام السوري وانهيار ركائزه؟ أم أن المشروع الصهيوني استطاع أن يخترق سوريا ليضرب الأمة العربية؟ فكيفما كانت نوايا خدام ومشاريعه المستقبلية، فالأكيد أن الشعب السوري ووطنه سوريا أصبحا اليوم أمام خطر كبير يستهدفهما ويحفر لهما، ما حفرت الإمبريالية للعراق وشعبه.




تابعونا على فيسبوك