أجمعت مختلف التجارب المجتمعية على أن أهم مجال للعطاء ليس هو مجال الأشياء المادية، وإنما المجال الذي يرتكز على المكنون الإنساني، ومن هذا المنطلق طرح سؤال عريض حول ماذا يعطي الإنسان للآخر حتى يعزز شعوره بالحياة، ويصل دون تكلف إلى لمس القوة التي تبقي الجنس ا
وعلى الرغم من تناسل العديد من الردود إلا أن أبرزها ظل هو الاستجابة إلى احتياجات الطرف الآخر سواء عبر عنها أم لم يعبر، مع ضرورة الاقتناع بأن كل جانب يحتاج إلى شريكه لغاية بلوغ ما يسميه الخبراء بالتكافل النفساني، حيث يكون الجسدان مستقلين عضويا، لكن متعلقان من الناحية السيكولوجية.
تسعى نساء مجتمعنا دون استثناء ممن سألتهم " الصحراء المغربية " إلى كشف اللثام عن أي طابو يقض مضجع الأزواج، دون أن تكون لهم القدرة على مناقشة تفاصيله، أو حتى الرغبة في التلميح إلى أن هناك إشكال على ذلك النحو المسكوت عنه.
أرجعت موظفة بالقطاع الخاص، 37 سنة، هذا التكتم إلى العقلية التقليدية التي مازالت تحكم الوسط المغربي، وتصر على أنه ليس من حق أي كان أن يناقش كل المواضيع، في تمييز صارخ بين الرجل والمرأة، وتضيف هذه المرأة محتجة : "أستغرب كيف يصر بعض الناس على أن للرجل فقط إمكانية مناقشة بعض المواضيع، علما أن النتيجة الحتمية التي تطرح هي أن هذا الرجل إذا رغب عن التطرق للموضوع، معناه إقباره إلى الأبد، وفي هذا حيف شديد للمرأة، باعتبار أن الزوج لا يسكت على أمر إلا إذا كان في صالحه، حتى ولو كانت الضحية هي الزوجة".
وخلال حديث الموظفة كانت صديقتها نجوى، 41 سنة، تعبر عن موافقتها لما تقول بحركات مؤيدة برأسها، وذلك قبل أن تستند إلى آخر فكرة لتبدأ منها الإفصاح عن رأيها، إذ أكدت على أن كل ما أحدث خصوصا في السنين الأخيرة لمصلحة المرأة أو بدعوى إنصافها، سيبقى على الرغم من أهميته محدود النجاعة، طالما أن مسألة "حشومة" وعيب مازالت تغلق أعيننا أمام كيفية وضع القدم على الطريق الصحيح .
وتستطرد نجوى متسائلة : "لماذا مثلا يتحدث الزوجان في كل ما يخص حياتهما من مسائل اقتصادية واجتماعية، ويقيمون الأرض على أمور الأجور والقروض والأسفار، في حين يغفلون أو بالأحرى يغفل الزوج أو يتغافل محادثة زوجته عن علاقتهما الجنسية، ما هو الصحيح والخطأ فيها، ليأخذ رأيها بعين الاعتبار وبالتالي يضع حالتها النفسية في إطار الرضى أو غيره، هذا إن كنا فعلا نتحدث عن إنسان يرتاح لراحة الآخر، خصوصا إذا كان هذا الآخر من تشاركه حياته".
وتستدرك نجوى قائلة : "لست أدعو بكلامي السابق إلى تكريس سيطرة الرجل على جميع مفاتيح الحياة الزوجية، ولكن باعتبار أنه من الواجب أن يكون واعيا بالظروف التي تنشأ فيها نساؤنا، والإحساس الذي من الراجح أن ينتابهن عند مجرد محاولة فتح هذا الباب من النقاش، حتى وإن كن متضررات بشأنه، لذلك أعتبر بأن للزوج القدرة على تغيير سلوك التفرد أكثر من غيره، وذلك بأخذ زمام المصارحة حتى يقنع زوجته بأنه من حقها الكشف عما يخالجها بهذا الموضوع، وأن عهد الطابوهات ولى بلا رجعة" .
وفي الوقت الذي يرى فيه بعض المختصين في البحث السوسيولوجي أن السبب في هذا الإشكال يعود إلى الفهم الخاطئ للدين، إضافة إلى التربية التي يتلقاها الفرد في مرحلتي الطفولة والمراهقة يذهب المحلل الاجتماعي توفيق راشد إلى حد القول بأن العمل الجنسي يرتبط أساسا في طبيعته بالتربية الجنسية التي مازالت غائبة على مجتمعنا، وهذا ما يطرح تأكيدا نتائج تتسم بالجهالة، يضيف المتحدث قائلا : "إن غياب هذه التربية والتوجيه يؤدي إلى أن يكون كل شخص فكرة خاصة به عن العمل الجنسي متأثرا بطبيعة الحال بما يعاينه من حوله".
وينتهي المحلل الاجتماعي إلى أن أفظع ما يمكن أن يفرزه هذا الوضع هو اللاتكافؤ الجنسي، وإن كانت هذه النتيجة مرجحة بشكل كبير، يؤكد المحلل، حيث تفقد المرأة بالخصوص حقها الكامل في العملية دون أن تتمتع بالقدرة الكافية على الإفصاح عن ذلك، وهذا ما يؤدي بالمرأة في بعض الحالات إلى البحث عما يعوزها في إطار العلاقة الزوجية في أخرى غير شرعية.