"حرية التعبير، التحدي والمسؤولية : كيف نرسي جو الثقة بين الصحافي والسياسي" كان هو موضوع المائدة المستديرة التي نظمتها دار أميركا أول أمس الأربعاء بالدار البيضاء بتعاون مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف وشركة سابريس .
وقال عبد المنعم الدلمي رئيس الفيدرالية في بداية اللقاء، الذي نشطه الصحافي الأميركي إدواردوكيو، إن حرية الصحافة وحرية التعبير جديدان كسلوك وممارسة في المغرب.
و"إننا الآن بصدد تعلم كيف نتعامل مع هذا الوضع الجديد" وأعلن أنه "ليس بديهيا تدبير الحرية التي هي جديدة بالنسبة لنا" معتبرا موضوع الندوة مهم جدا باعتبار أهمية التواصل والتحاور بين الصحافي والسياسي وقال "إن المغرب يتطور ونحن في طريق ترسيخ الديمقراطية" معتبرا أن من المفيد الاطلاع على تجارب الدول من أجل الاستفادة منها، وعدم السقوط في الأخطاء نفسها.
داعيا إلى فتح النقاش حول الوضع الذي نعيشه إدواردو كيو الذي لم يخف إعجابه بالمغرب الذي يزوره للمرة الثانية، قال إنه زار إسبانيا وكان الملك فرانكو قد توفي قبل يومين وعايش التمخضات والتظاهرات التي عرفها هذا البلد وقتئذ، وربط ذلك بضرورة إرساء دولة الحق والقانون من أجل الحديث عن الحريات وضمنها حرية الصحافة، وأفاد أن دور الصحافة ظل بالعديد من الدول غير مفهوم، وحدد هذا الدور في عكس الواقع من أجل أن يراه الرأي العام والمسؤولون وأيضا الأخبار وكشف المشاكل، وقال إن الصحافة مثل الدركي، على ألا تكون علاقات الصداقة بين الصحافي والسياسي.
محددا هذه العلاقة في الاحترام، وأعلن اتفاقه مع الدلمي على أن تعلم التعامل مع حرية الصحافة يصبح أمرا واقعيا في المجتمعات التي تعرف تحولات ومخاضات
الندوة التي حضرتها وجوه إعلامية كما حضرتها وجوه سياسية أثارت التساؤل عما إذا كانت المصلحة العليا للدولة ذريعة للجم الصحافي، فكان رد الصحافي الأميركي كيو "أحيانا نعم".
كان بنشمسي مدير جريدة "تيل كيل" اعتبر أن الأمر يمكن أن يكون صحيحا في بعض الحالات كحالة الحرب، وتساءل عن كيف يصبح أمن الدولة في خطر في المغرب الذي لا يعرف حالة حرب، مشيرا بذلك إلى محاكمة بعض الصحف، وقال "إنه في حال محاكمة صحيفة ما على المسؤولين أن يبينوا ويبرهنوا على أن ما نشر يهدد فعليا أمن الدولة أو يمس بالمصلحة العليا للدولة، وعلق على ما يجري في المغرب بأنه عبارة عن معركة غير متكافئة بين الدولة والصحافة.
إدواردو كيو الذي فضل أن يجيب عن كل متدخل في هذه الندوة، قال ردا على بنشمسي "قبل خمس سنوات كان الحديث عن المعركة غير المتكافئة بين الدولة والصحافة ممكنا، أما اليوم لم يعد السجن يهدد الصحافي بالمغرب" وكما لو أن النقاش أصبح ثنائيا، رد بنشمي أن "الموضوع لا ينحصر في السجن"، مذكرا بقضية علي لمرابط، و"لكن في الغرامات الباهضة"، وأعلن أنه حين يتعلق الأمر بالسجن، الجميع يجند للدفاع عن الصحافي عكس ما يحدث حين تدان صحيفة بغرامة باهضة.
كمال لحلو حرص على إثارة موضوع لجوء الرأي العام إلى الصحافة، عوض اللجوء الى السلطات أو الأحزاب كما كان الأمر عليه في السابق، وقال "كان المشهد السياسي مقسما إلى أغلبية ومعارضة، والمعارضة كانت لها جرائدها التي تعبر عن هذه المعارضة، لكن اليوم أصبحت الصحافة تراقب الأغلبية وتلعب دورا مهما، فهي تراقب الأحزاب كما تراقب آليات الدولة".
الندوة أثارت أيضا موضوع الثقة بين الرأي العام والصحافة المستقلة، وضرورة وجود ضغط وتوتر بين الصحافي والسياسي، "لأن الصحافة تلعب دور الوساطة بين الرأي العام والسلطة.
وجرى الحديث أيضا عن نسبية الأشياء إذ اعتبرت حرية الصحافة والتعبير نسبية وغير مطلقة، وأن الصحافة عليها أن ترسخ هذا المبدأ، في الوقت الذي يمكن أن تشكل ضغطا على الحكومات من أجل تسريع وتيرة عملها.
عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، كان أول المتدخلين عن الجناح السياسي، وإذ كان صرح أنه مارس الصحافة بجريدة حزبه لعدة سنوات
إذ ذكر بالدور الذي لعبته الصحافة الحزبية والتي "كان يؤطرها تعاطف المواطنين" وقال "قبل سنوات ظهرت الصحافة التي يقال عنها مستقلة ونحن نقول صحافة غير حزبية وهي الصحافة التي يزعم أنها تلعب دور المعارضة كما أوردت إحدى الصحف الفرنسية أخيرا".
وأكد أن الصحافة لها دور النقد والفضح ولكن لا يمكن أن تكون معارضة بالمفهوم السياسي للكلمة، لأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق الانتخابات، لأن التموقع في المعارضة يعني الطموح إلى الحصول على السلطة، واحتلال موقع القرار، ويعني أن يكون محتل موقع المعارضة حزبا سياسيا وليس جريدة أسبوعية.
وفي رده على كيو الذي قال إن الصحافي الذي يقبل هدية من الوزير لا يستطيع أن يكون مستقلا ونزيها، قال سهيل "في المغرب ليس الوزير وحده من يقدم الهدايا، بل أرباب الشركات أيضا، ويقدمون هدايا على شكل إعلانات" وقال لا ينبغي أن نسيء فهم الأدوار ولعبها، وإنه ليس هناك سلطة واحدة هناك عدة سلط كما هو الشأن بالعديد من دول العالم.
وتساءل لماذا نصدر صحيفة هل من أجل الربح وهو أمر مشروع، ولكن تساءل أيضا عن ممولي هذه الصحف وعمن يدبرها ومن يمنحها الإشهار وجه المنظمون الدعوة لعدد من الأحزاب السياسية لكن ممثليهم تخلفوا عن هذا اللقاء، ولم يحضر سوى ممثلي بعض هذه التنظيمات.
حسن عبد الخالق رئيس تحرير جريدة "العلم" وبرلماني حزب الاستقلال أعلن في تدخله أن واقع الصحافة المغربية يعكس التطور الذي يعرفه المغرب، وأكد أن الحرية يجب أن تقترن بالمسؤولية.
وقال إن مشروعا لتعديل قانون الصحافة جاهز، وهو متقدم عن القانون الذي اعتمد منذ 2002، لكنه مجمد بإحدى الوزارات بسبب هذا التشنج، الذي تعرفه الساحة المغربية، واعتبر أن الصحافة حين تأخذ موقع الحزب يضر ذلك بالوضع السياسي في المغرب، وبالعملية الديمقراطية، واستنكر النائب البرلماني عبد الخالق دفاع بعض الصحف عن التكنوقراطيين، وهو ما اعتبره لا يخدم الديمقراطية ودمقرطة الدولة.
كيو إدوار دو شدد على أن ترسيخ الديمقراطية يحتاج إلى أحزاب قوية، وهو الموقف الذي أعلنت عنه معظم التدخلات، إذ جرت مؤاخذة الأحزاب على ضعف صحافتها وضعف فاعليتها في الساحة السياسية، كما كشفت الندوة عن أن الفاعلين السياسيين يحاولون محاصرة الصحافة المسماة مستقلة دفاعا عن مصالحهم السياسية كما قال عبد المنعم الدلمي في أكثر من تدخل.
خالد الناصري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية يرى أن العلاقة بين الصحافي والسياسي "تشنجت فعلا، بسبب عدم تحكم عدد من الفاعلين لدى الطرفين في آليات العلاقة التي يجب أن تربطهما، في ظل مرحلة البناء الديمقراطي الذي نسميه في المغرب بمرحلة الانتقال الديمقراطي".
وقال "هناك مجموعة من الاختلالات المفاهيمية في مقدمتها أن جزءا غير يسير من الصحافة غير الحزبية أعطى لنفسه صلاحيات هو عاجز على أن يضطلع بها" وحدد ذلك في قوله "إن تلك الصحافة نصبت نفسها كمستقلة، والاستقلال في هذه الحال غير أكيد"
وتساءل الناصري "مستقلة تجاه من؟ وقيمة الاستقلالية قيمة نبيلة يفهم منها أن الصحافة الحزبية تتموقع في منزلة أسفل" معتبرا أن ذلك "تجني في حق المسار التاريخي والنضالي للصحافة الحزبية المناضلة".
وأكد في تصريحه لـ "الصحراء المغربية" أن "عددا من المنابر غير الحزبية اعتبرت أن بإمكانها أن تؤثر في المشهد السياسي المغربي دون أن تتقيد بالقيود التي تقيد المشهد، بدءا بالمسار المؤسساتي والقانوني" واعتبر ذلك خطأ جسيما
وشدد على أنه متشبث بالحريات وضمنها حرية الصحافة.
بنشمسي أعلن خلال الندوة وهو يرد على خالد الناصري "نحن لا نؤثر في الرأي العام
لأن الرأي العام له وجهة نظره وليس من السهل التأثير عليه"
وأضاف موضحا "نحن لا يقرأنا سوى 350 ألف قارئ يوميا، وهذا العدد لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من الرأي العام".
خالد بنعبود المسؤول عن الاتصال بحزب العدالة والتنمية لم يضيع الفرصة للحديث عن حرية التعبير في العلاقة بالمسؤولية واحترام المقدسات، مشيرا إلى موضوع الكاريكاتور الذي نشرته الصحيفة الدنماركية حول النبي محمد .