بين القواعد الأصلية والدارجة الدخيلة ولغة التكنولوجيا

الأربعاء 22 فبراير 2006 - 14:33

لطالما وقف آباؤنا على لغتنا الجديدة ونحن شباب، لغة ابتدعناها لتكون مزيجا من الفرنسية والعربية و كلمات فرنسية بلفظ عربي أو كلمات جديدة أصبحت متداولة في قاموسنا من مثل : "عيقتي"، "هزك الماء وضربك الضوء".

إلى غير ذلك من العبارات التي لم نعرف حتى أصلها، لكنها كانت لغة خاصة تختلف عن لغة الراشدين الذين مافتئوا ينهرون من يتكلم بها معتبرين إياها لغة سوقية، لا تمت لقواعد الدارجة المغربية بصلة، ومتخوفين من زوال اللغة الأصلية لمصلحة لغة جديدة مبتكرة لا تثبت على قواعد معينة، وتتغير باستمرار.

وإذا كانت هذه اللغة الدخيلة تفرض وجودها حتى على الكبار الذين كثيرا ما يتداولونها، تصبح دارجة في تعابيرهم دون حرج في ما بعد، فإن هناك لغة أخرى ظهرت مع التكنولوجيا الحديثة، ومع التواصل عبر الأنترنت والهواتف الجوالة، هذه اللغة تثير تخوفا بحجم ما تثيره انعكاسات هذه التكنولوجيا سلبا على شبابنا.

"إنها لغة مختصرة تقلب المعايير المألوفة للتواصل وتجعلنا نحن الكبار لا نفهم منها شيئا وكأننا أمام أجانب يتكلمون لغة أخرى، وهذا لا يجعلنا قريبين من أفكار هذا الجيل، ولا نعرف ما إذا كانوا يفكرون بشكل سليم أم أنهم خاطئون" يقول أب حاول كثيرا فك شفرة أبنائه التي يستعملونها في الشات أو عبر الرسائل القصيرة التي يبعثونها عبر الهاتف النقال، ويضيف "أحاول دائما أن أكون قريبا من أبنائي خاصة وأنهم في سن المراهقة، الشيء الذي يجعلهم يثقون في ويتحدثون معي بصراحة في كل المواضيع وكل المشاكل التي تعترضهم، لكن، ومع ذلك أجدهم يحتفظون بعالم خاص بهم يعبرون عنه بلغة شديدة الغرابة، هي خليط من العربية الدارجة التي أصبحت تصرّف فرنسيا وفرنسية معربة، وأرقام تحل محل بعض الحروف، " الشباب مرتاح لهذا الأسلوب من التواصل فهو، في نظرهم، يختصر عليهم الوقت والتعبير، كما أنهم فرحون باختراعهم هذا الخاص بهم وحدهم "إنها لغة حديثة لا تضر أحدا في شيء ومادامت تسهل علينا التواصل عبر الرسائل القصيرة سواء في الهاتف أو عن طريق الأنترنت، فلم لا نستخدمها".

يقول أحد الشبان ويداه لا تفارقان هاتفه النقال وهو يبعث برسالة بعد أخرى، بسرعة فائقة، وبنفس السرعة يتوصل بالرد من مختلف أصدقائه، وما نستغرب له هو أن هذه اللغة قابلة للتطور والتغير بسرعة كبيرة إذ ما يكاد المرء يفهم معناها ويستأنس بها حتى تظهر مفردات وإشارات أخرى جديدة بين هؤلاء الشباب، وتتحول الأولى إلى ألفاظ أخرى.

ويشتكي أحد الآباء من كل العبارات التي مافتئ يسمعها من الشباب "عبارات دخيلة أعتبرها تنم عن ثقافة اللاوعي والفراغ الذي يجتاح شبابنا، لكني لا أنكر أن هناك من المفردات والعبارات التي التصقت بدارجتنا دون أن نشعر وأصبح الكل يتداولها كبارا وصغارا، وكأنها أصلية في لغتنا الدارجة.

في كل مرة أجد نفسي أقول "البينكة" وأنا أقصد المال، أو أقول "عيقتي" أو أي شيء من هذا القبيل، أتساءل ما إذا كنت بالفعل أتكلم كلاما صحيحا أم أن تأثير الشباب كان قويا علينا إلى درجة أننا عوض أن نصحح تعابيرهم اقتدينا بهم".

وهاهي التكنولوجيا تأتي بدورها لتقدم لغة جديدة هي خليط من العربية والفرنسية والأرقام والعلامات، أكثر من ذلك، لم نعد نجد عبارة تكتب كاملة ولا جملة مفيدة تتكون من كل القواعد المتعارف عليها فعلا وفاعلا ومفعولا به، لكن مجال الإبداع ظهر بشكل قوي عبر الأنترنت في خدمات الدردشة والرسائل الإلكترونية.

وتفنن التقنيون في وضع رسومات تعبيرية تتجدد باستمرار، إلى جانب آخر تقليعات المحادثة المباشرة والفورية التي تتنافس المواقع الإلكترونية في توفيرها للمستخدم هذا الانشغال بالرسائل القصيرة الذي أصبح ملازما للشباب بشكل لافت للنظر، أصبح يطرح تخوفا كبيرا بالأساس حول مدى تأثير ذلك على اللغة السليمة سواء كانت عربية أو فرنسية.

ومن يدري، قد يعتمدها التلميذ أو الطالب في اختصار دروسه الطويلة، فقد أصبح من لا يتقن لغة الرسائل القصيرة المختصرة متخلفا، وتستغرب أم أرادت أن ترسل رسالة قصيرة إلى صديقتها من استهزاء ابنتها منها حين رأتها تكتب الكلمات هي هي، وتصحح أخطاءها "لقد سخرت ابنتي مني وضحكت كثيرا حين رأتني أكتب كل الكلمات وأتأكد من كتابتها صحيحة دون أخطاء، فطلبت مني أن تختصر لي الرسالة ربحا للوقت وللمساحة المخصصة، عندها أدركت أن الأمر يتعلق عندي بأمية من نوع آخر: أمية التواصل التكنولوجي، وجهل لغة خاصة بالشباب.

لكن قررت أن أتعامل معها حتى لا أترك الفرصة للحديث خاصة داخل بيتي بلغة لا أفهمها وكأني أعيش مع غرباء"، ومهما انكب علماء النفس والاجتماع على دراسة أسباب ودوافع الاستعمال والانتشار اللافت لهذه اللغة، فإن الشباب يرونها تشكل أفضل وأسهل وسيلة للتعبير، مستبعدين "أن تشكل خطراً حقيقياً على اللغة الأصلية التي لها مجالاتها للاستعمال والتي لا يمكن أن يدوسها أو يغير منها أحد".




تابعونا على فيسبوك