في الواقع من الصعب تصور مفتشي التعليم الذين يسهرون عادة على مراقبة وتوجيه العملية التعليمية التعلمية أن ينضموا إلى طابور الغاضبين لتنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات ومقاطعة الامتحانات وغيرها من المحطات النضالية.
واعتبر المضربون أن رهانهم الحقيقي هو إنجاح مسار الإصلاح والرفع من جودة الحياة المدرسية والتأهيل المستدام للموارد البشرية، لكن يبدو أنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على الالتحاق بباقي الفئات التعليمية المحتجة بسبب المقاربات المحاسباتية المبتورة لملفهم المطلبي.
فمفتشو التعليم هم العماد المحوري لتأهيل وضبط المنتوج التربوي، والضرورة تفرض أن يؤخذ ملفهم المطلبي بعقلانية، لا أن يكون مرهونا للانتظارية ويستنزف وقتا كبيرا في إطار اللجنة الموضوعاتية، بدون أن يتوج إلى حوار حقيقي ومباشر مع نقابتهم"نقابة مفتشي التعليم"، هذا ما صرح به معظم مفتشي التعليم بمختلف أسلاكه لجريدة "الصحراء المغربية".
واستغرب في السياق ذاته أحدهم من تصريحات بعض مسؤولي الوزارة الذين يتعاملون مع ملفهم المطلبي بنوع من الازدراء في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن الجودة والفعالية.
وأكد محدثنا الذي فضل عدم ذكر اسمه "أن لقاء 8 يناير الأخير، الذي عقدته نقابة مفتشي التعليم، رسم معالم محطات نضالية متتالية لوضع الجهات الوصية أمام حجم الضرر الذي لحق بهذه الفئة التربوية".
وأضاف بأن"تغييب الممثلين الحقيقيين للمفتشين في شخص نقابتهم المستقلة، في جلسات الحوار يعد تغييبا لمرتكزات التأهيل الحقيقي والتفافا على القانون وواقع الميدان".
ويأتي هذا في سياق الحديث المسهب عن مسألة الجودة في منظومتنا التربوية، والذي غالبا ما يكون مستقلا عن ذاته وبيئته، باعتبار أن تحسين الأداء المهني مرتبط بظروف العمل المتاحة وبالموارد البشرية كدعامة أساسية لأي إصلاح، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بقطاع يعتمد على الجانب البيداغوجي لتربية الناشئة وتعليمها وتنمية مداركها، لتفعيل دورها كنواة للتنمية المستدامة.
وهذا ما أكد عليه وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي في اللقاء الصحفي الذي عقده بالرباط لافتتاح الدورة الرابعة لمجالس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكان حبيب المالكي قد ذكر في لقائه هذا أن الحكومة رصدت لتأهيل الموارد البشرية ميزانية تفوق 112 مليون درهم، منها 41 مليون درهم لدعم التأطير التربوي.
لكن السؤال المطروح في خضم هذه الأرقام التي أطلقها الوزير والتطمينات الإيجابية التي وزعها على رجال ونساء التعليم، هو، هل بالنوايا الحسنة لوحدها يمكن أن تحل أزمة تدبير المناهج في مؤسساتنا التربوية؟، بل إلى أي حد يمكن تجسيد رغبة وزير التربية الوطنية على أرض الواقع، لكون التأطير التربوي والمراقبة التربوية تحتاجان إلى جانب الاعتمادات المالية المرصودة لتفعيل مقتضيات الإصلاح على مستوى الأكاديميات من خلال ترشيد عملية الإنفاق وتجهيز وترميم المؤسسات الداخليات.
إلى جانب التفكير الجدي في الأطر التربوية بضخ دماء جديدة في شرايينها للارتقاء بأحوالها المهنية والإدارية والمالية، في قالب شمولي، بدون تجزيء أو استثناء حتى لا يصاب الجسم التعليمي الوطني بكل ما من شأنه أن يخل بتكامل وظائفه وترابطها.
الشيء الذي ظهر جليا بعد اتفاق 14 دجنبر، حيث انبرت العديد من الفئات التعليمية إلى الاحتجاج واستنكار إقصائها وعدم الأخذ بمطالبها، وهذا ما طرحته الهيئة الوطنية للتعليم في شعاراتها أثناء إحدى وقفاتها الاحتجاجية قبل نهاية السنة الماضية.
الشيء نفسه ذهب إليه أساتذة الابتدائي بإعلان تذمرهم من الإقصاء الذي اعتبروه ممنهجا ومبنيا على نوايا غير سليمة، كما هو الحال بالنسبة لشريحة مفتشي التعليم، التي تصنف في خانة آليات الحكامة والمراقبة.
فهل تعي الحكومة أنه بمثل هذه المقاربات التجزيئية، تعمل على الإجهاز على قطاع حيوي يعتبر الحقل الخصب لزرع بذور الوطنية الصادقة والمواطنة الإيجابية، والفضاء الأمثل والسانح لرسم الخطوط العريضة لمغرب 2025، الذي نتمنى أن يكون مغربا يعطي للطاقات البشرية حجمها الحقيقي وللمنتوج التربوي والمعرفي قيمته القصوى؟.