أقلام رجال التعليم

التعلم الذاتي

الثلاثاء 17 يناير 2006 - 13:17
عبد العزيز الناصري أستاذ التعليم الابتدائي بمراكش

لا مجال للريب أن الأطراف الفاعلة في العملية التعليمية متعددة ومتداخلة، ومن تم تتعدد أنماط التعليم حسب التركيز على هذا الطرف أو ذاك الأستاذ، التلميذ، المدرسة، المحيط الاجتماعي، هيئة المراقبة، الكتاب المدرسي.

حين تطرح مسألة التعلم الذاتي أو توضع بصفتها هدفا أسمى وغاية مثلى، فإن ذلك يفترض تكامل العناصر المذكورة قصد تشغيل التلاميذ ضمن مجموعات ودفعهم إلى اكتساب مجموعة من المعارف والمهارات، وطرق التفكير والنظر والعمل، وأدوات البحث والاستكشاف والوصف والتحليل والبرهنة اعتمادا على النفس، إلا أن رسم هذه الصورة عن التعلم الذاتي لا يكفي وحده ومن الملائم مقاربة المجال الاستفهامي الواسع والعريض الذي يشي به ونصوغ أسئلته الطبيعية أي الضرورية كما يلي:

ما التعلم الذاتي؟ وماهي العوامل التي ساهمت في إفرازه وضرورته؟
وما هي أهدافه؟، هذه بعض الأسئلة الإشكالية التي سنحاول الإجابة عنها أو بالأحرى مقاربتها دون ادعاء القدرة على البث فيها بشكل حاسم ونهائي.

ظهرت إرهاصات التعلم الذاتي منذ القرن 19 حيث تجسد كمفهوم وتطور منذ بداية الحديث عن المتعلم كفرد له شخصيته واستقلاله الخاصين به، ويعتبر كل من "روجي كوزيني" و"فريني"و"أوري"من أوائل من انتبهوا إلى هذا النوع من التعلم، حيث بين كل منهم حسب تصوره أن المتعلم موجود قائم الذات برغباته وميولاته وانشغالاته التي لا مناص منها.

وهكذا تم اقتراح بيداغوجية جديدة تهتم بالمتعلم وحاجاته الملحة، ولكن لم يصبح التعلم الذاتي مدار حوار وتصور قائم الذات إلا مع "لوسيان لوكران" في فترة الستينات، ولم يصبح مشروعا نظريا إلا في فترة الثمانينات مع ظهور البيداغوجية الفارقية.

إن مصطلح التعليم الذاتي لا يمكن أن يعزي إلى أصل واحد أو إلى مرحلة تاريخية معينة واحدة، فعدة عوامل اتخذت من التعلم الذاتي مجالا لممارستها نذكر منها على سبيل المثال الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وعلم اللسان.

إن إعطاء الأهمية لخصوصيات الأقليات العرقية والدينية واللغوية كان له معنيان، أحدهما اهتمام هذه الأقليات بقضايا التربية والتعلم لتحقيق ذاتها وانخراطها في المجتمع، وثانيهما إقامة فروق بين أفراد المجتمع الذي أدى إلى بزوغ التيارات "المفرندة" التي تركز على تنمية الفرد وشخصيته من خلال التعليم والتربية.

كما أن سنوات الستينات والسبعينات كانت من أزهى المراحل وأغناها في البحوث اللسانية، فاللسانيون وفلاسفة اللغة كونوا مجموعة من الأبحاث في مختلف ميادين اللغة كنظرية أفعال الكلام، وتحرير الخطاب والسوسيو لسانيات، فكل هذه الطروحات ساهمت في اعتبار اللغة وسيلة للتواصل داخل مجموعة لغوية معينة؟

وهكذا يبدو أن اللغة تستعمل للتعبير على الفرد وحاجاته الخاصة به دون غيره، وذلك من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية للمجموعة اللغوية التي ينتمي إليها ذلك الفرد
وتعتبر كل مبتكرات التكنولوجية الحديثة قد ساهمت في نزعة التفردن "المانيطوسكوب، الحاسوب، شرائط التسجيل".

وبهذا أصبح الفرد معزولا في احتياجاته التعليمية ومنطويا على ذاته، وظهر حاليا في العالم مستهلك جديد يعرف ويفهم ما يريد في الأسواق، إنه لا يقبل على أي شيء بل يتوفر على ثقافة ذاتية تمكنه من اختيار أغراضه داخل الأسواق.

أهداف التعلم الذاتي

إن ممارسة المتعلم للتعلم الذاتي تمكنه من الوصول إلى غايات نذكر منها، اكتساب التقنيات العملية للبحث والتوثيق، أي إن المتعلم يكتسب مهارة البحث عن المعارف في الوثائق، حيث يقوم بضبط وتركيب وتحليل المعلومة المطلوبة حسب الهدف المنشود من التحصيل، مما يمكن من تقويم مجهوداته، ومما يساعد أيضا على إغناء تجربته فيما بعد.

إن المتعلم تعلما ذاتيا يتمكن من إغناء خبراته وضبط تكييفه مع واقعه، ومحيطه الاجتماعي، مما يمكنه أن يكون ديناميا يعبر عن تجربته ويؤسس معرفته باعتماده على مجهوده الذاتي، كما تنمى لديه الرغبة في البحث، الشيء الذي ينمي بدوره الحافز المعرفي لدى المتعلم وكذا تنمية حرية المبادرة والخلق والتغاضي عن الأخطاء التي هي حق طبيعي يمكن أن يرتكبه الجميع، كما يتوصل إلى تنمية روح العمل الجمعوي حيث في نهاية المطاف تتقلص سلطة الراشدين.




تابعونا على فيسبوك