الناقد حسن المودن في لقاء حول تطبيق الأدب على التحليل النفسي

الإثنين 16 يناير 2006 - 14:33
الناقد حسن المودن

"إذا تأملنا النقد الأدبي الحديث، سنجد أن المبدأ السائد الذي يبدو كأنه غير قابل للمناقشة هو أن النقاد يقومون بقراءة الأعمال الأدبية بواسطة نظرية خارجية مستعارة من علم التاريخ أو علم الاجتماع أو التحليل النفسي" .

بهاته العبارة افتتح الكاتب و الناقد حسن المودن عضو اتحاد كتاب المغرب لقاءه مع كتاب و مبدعين شباب و فعاليات جمعوية و مدنية في تيزنيت ليلة السبت الماضي ضمن سياق المقهى الأدبي الذي تنظمه فرع جمعية الشعلة للتربية و الثقافة بالمدينة.

و أضاف الناقد المغربي أن الأدب أسبق في الوجود، فمن هوميروس إلى شكسبير وصولا إلى بروست و الرواية الجديدة و نصوص التخييل الذاتي، و من امرىء القيس إلى ابن الرومي و المتنبي ونصوص ألف ليلة وليلة و وصولا إلى نجيب محفوظ و الطيب صالح وعبد الله العروي و محمد زفزاف و محمد شكري، نجد الشعراء و الكتاب يقدمون فرضيات عن الإنسان و العالم، و فوق ذلك، فالأدب لايكف عن الابتكار والإبداع ، و هو ما يعني أنه يسمح باستمرار بإعادة النظر في المفاهيم و الفرضيات التي تنطلق النظريات منها.

أما بخصوص الربط بين التحليل النفسي و الأدب قد أظهر الناقد حسن المودن أن هناك منحيين أساسيين : الأول ، و هو السائد في الدراسات النقدية، يطبق التحليل النفسي على الأدب، و الثاني، و هو قليل في الدراسات النقدية، ينطلق من أن العمل الأدبي يتقدم النظريات النفسانية الحديثة.

و اليوم، و بحسب عضو اتحاد كتاب المغرب فيبدو من المنهج الثاني أكثر قوة مقارنة بالأول، إذ لم يعد مقبولا إسقاط نظرية خارجية على النصوص الأدبية، و خاصة بعد أن ظهرت دراسات تعمل من إجل إنتاج النظرية انطلاقا من النصوص، و ترفض أن تجعل من الأدب مكانا نؤكد من خلاله فرضيات التحليل النفسي و نتائجه، و ذلك لأسباب نذكر منها،أن الأدب هو أساس النظرية النفسانية ، فمن دون الأدب لم يكن، ربما ممكنا تأسيس التحليل النفسي، فقد كانت الفنون و الآداب تمارس تأثيرا حقيقيا على فرويد و ميوله إلى التراجيديا الإغريقية والآداب الألمانية كان حاسما في تحديد عقدة أوديب و نظرية الحلم، إذ الأهم في ذلك يقول الباحث إن فرويد انطلق من النصوص الأدبية من أجل تأسيس نظرية نفسانية ، و من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن الأدب لا يكف عن الابتكار والابداع، و أن هناك دوما "نظريات أخرى" في الأعمال الأدبية التي قد نعتقد، بشكل متسرع، أن تأويلها قد تم بشكل تام و كامل .

كما أن هناك دوما "نظريات جديدة" في النصوص التخيلية تبقى قابلة للاكتشاف، و يمكنها يوما ما أن تتقدم على التحليل النفسي.

ففي كل عمل أدبي ، نجد ما يؤكد فرضيات التحليل النفسي و نتائجه، و نجد كذلك ما يعلن نهاية التأويلات التي يقدمها النفسانيون للغة و الأدب حسب المصدر ذاته.

ينضاف إلى هذا أن النظرية النفسانية قد قامت أساسا على أعمال أدبية تنتمي إلى ثقافة واحدة من الثقافات الانسانية العديدة، و السؤال الذي يفرض نفسه : ألا يمكن أن نعيد بناء النظرية النفسانية، أو نكتشف نظريات نفسانية أخرى، إذا جعلنا منطلقنا هو أداب الأمم الأخرى، و ما الذي يفتح آفاقا جديدة للتفكير أهو تطبيق النظرية النفسانية على آدابنا أم تطبيق آدابنا على التحليل النفسي بما يسمح لنا بإعادة بناء النظرية و ربما تجاوزها انطلاقا من النصوص الأدبية .

ومن اللافت للانتباه أن التحليل النفسي للأدب كثيرا ما اهتم بالنصوص التي يكتبها الرجل، في حين يعرف ما يسمى الأدب النسائي تقدما مهما في عصرنا الراهن، و دون السقوط في التمييز بين الجنسين، يمكننا ، إذا انطلقنا من مبدأ الحق في الاختلاف، أن طرح هذا السؤال : الا يجوز أن يساعدنا الأدب النسائي على إعادة النظر في النظرية النفسانية، و تجاوز نظرية تقوم على نصوص الجنس الواحد من أجل التفكير في نظرية نفسانية تقوم على نصوص الجنسين معا؟.

من جهة أخرى، ذكر الناقد نفسه أن التحليل النفسي لم يكن علما بالمعنى الدقيق ، و هناك من الباحثين و الباحثات سارة كوفمان من يذهب إلى أن مؤلفات فرويد تشكل في مجموعها نصا يتصف بخصائص النص الأدبي، فهو نص منفتح قابل لقراءات متعددة، و مثله في ذلك مثل النص الأدبي ، فهو يلعب التخييل فيه دورا مركزيا من جهة، و من جهة أخرى خلص الباحث إلى أن النقد الأدبي يبقى في خطر إذا استمر في إسقاط النظرية على الأدب، ذلك، أن نظرية التحليل النفسي على الأدب تؤدي إلى تأكيد النظرية لا إلى فهم أفضل للأدب، فعندما نكتشف عقدة أوديب في عمل أدبي جديد، فإن ذلك يعني تأكيد النموذج النظري لا إضاءة للعمل الأدبي تفتح أفقا جديدا للتفكير .

الفكرة المركزية التي لا بد أن ينطلق منها كل ناقد نفساني حسب الناقد حسن المودن هي عدم تعنيف النصوص و إسقاط تأويلات مسبقة عليها، بل إن مهمته هي أن يجعلها مشوقة، و أن يعمل من أجل أن تمتد معانيها في دواخلنا، و أن يساعدنا على أن نكتشف عناصر معرفة جديدة انطلاقا من النصوص ، و أن يسخر باستمرار و دون رحمة من منهجه، إذ لا يجب أن ننسى أن التجربة النقدية تجربة فردية، وقد تتضمن ميولات لا واعية، عدوانية أو انفصامية أو غيرها، أما إذا انطلق الناقد النفساني حسب عضو اتحاد كتاب المغرب من ضرورة تطبيق الأدب على التحليل النفسي، و ليس العكس، فإن ذلك يستتبع أن يعتمد على منهج لا ينشد دوام الاستقرار، و يصر على فتح الطريق أمام احتمالات جديدة بعيدا عن المعيارية و النمذجة و إسقاط المفاهيم الجاهزة، و أن يدرك الاكراهات التي يمارسها النقد على النص، و أن ينتبه باستمرار إلى الدوافع اللاواعية التي تقف خلف قراءته النقدية ، أي أن يساذل في كل مرة فعل القراءة نفسه، و أن يسعى إلى محاورة النصوص و الاصغاء إليها، و أن يجعل من التخييل عنصرا فعالا داخل النقد نفسه، فيصبح بذلك كتابة تسهم في توسيع امتدادات الخطاب الأدبي الذي يتمرد دوما على الواضح و المسلم به .




تابعونا على فيسبوك