ليس دفاعا عن ماروك ولا عن عسلي

السبت 04 فبراير 2006 - 15:41
بطلات فيلم ماروك

نشرت المجلة الشهرية الجديدة "مدارك" في عددها الثاني لشهر يناير المنصرم، الذي يوجد في الأسواق حاليا، في صفحة "فنيات" مقالا لربيع الجوهري الذي قدمته على أنه مترجم وناقد ومخرج مسرحي والعنوان واضح من البداية.
كان العنوان مركبا من "على هامش ضجة فيلم "مارو


لا يتمترس المقال وراء ما قيل لصالح أطروحات محمد عسلي حول "الضجة" التي أثيرت في مهرجان طنجة للسينما الوطنية في دورته الأخيرة حول فيلم المخرجة الشابة ليلى المراكشي، والذي وصلت بعض شراراتها إلى المخرج إسماعيل فروخي وغيره من المخرجين "الوافدين" من ديار المهجر برؤى جديدة لا تنطبق بالضرورة مع ما كرسته الأفلام السينمائية المغربية منذ مدة طويلة من رداءة فنية وتقنية وأيضا من فقدان للرؤية الإخراجية.

فهو في استهلاله يستدعي الفيلسوف ميشيل فوكو وكتابه "أركيولوجية المعرفة" لفهم فكرة "الخطاب" لعدم الفشل "في استيعاب عمق احتجاج المخرج المغربي والعالمي محمد عسلي" على حد تعبيره.

ويرى أن الاحتجاج كان "نابعا من وطنية حقيقية لا تريد تخريبا لا يقل خطورة عن تخريب الإرهاب الذي نحاربه في هذا البلد الكريم".

لا يكتفي صاحب المقال بهذا فيقوم بقراءة فوقية "ميتا صحفية" لكل ما كتب من تعليقات الصحافيين حول الموضوع.

فبعد أن لاحظ أنها انقسمت بين "قراءات تقدمية وقراءات مضادة" ورأى "أن المسألة أكبر من أن تكون تقسيما بينيا مصدره مراهقة فكرية وأيديولوجية بسيطة في كينونتها لا تقارب الحدث من منطلق رصين وعميق".

فهذا أسلوب في الواقع إيديولوجي فهو يتحدث عن القراءات التقدمية والمراهقة الفكرية والإيديولوجية لصحافيين كتبوا في موضوع فني بامتياز لهم الحق، كل الحق، في مقاربته مهنيا.

وبعد الحديث عن "أحد" الصحافيين الذي "أراد بنا العودة إلى عصر التبعية الفكرية" رغم أن رأيا واحدا لا يستحق بالفعل ردا أو نقاشا أصلا، يستدعى مرة أخرى "سُلَطا" فكرية أخرى من قبيل إدوارد سعيد وكاياتري سبيفاك وهومي بابا! لم يكن الأمر نزالا فكريا بين رواد الفكر ما بعد الكولونيالي الرافض للمركزية الأوروبية ومنادين بعرض ثقافة "الآخر"
وما علاقة هذا "الآخر" بموضوع الضجة التي أثيرت حول فيلم "ماروك".

وحسب ما هو معروف، فليلى المراكشي مغربية شبت في المغرب وعاشت فترة من حياتها، توازي سن بطلات فيلمها، في حي بيضاوي راق له ما له وعليه ما عليه
يتحدث أهله اللغة الفرنسية كباقي المجتمع المخملي المغربي فيه "بورجوازية" خرجت من رحم اقتصاد المغرب غير المهيكل, بورجوازية انتقدتها المراكشي مباشرة على انتهازيتها وتجاهلها للفقراء الذين تستغلهم بأشكال مختلفة تحت عنوان "إشكالية النمذجة" الذي لا يخفى فيه توسل الكاتب بالمفاهيم التي بدأ بعرضها، يقول بيقينية كبيرة "إن ما يدافع عنه محمد عسلي، هو عدم تداخل إرادات خارجة عن منظومة حضارية بمقدساتها في صنع وفبركة نموذج أيقوني يلصق النقائص بالمجتمع المغربي" ويؤكد "فما عرضه فيلم "ماروك" لا يمثل المغرب.

من قال إن "ماروك" ليلى المراكشي هو المغرب بقضه وقضيضه؟ إنه لا يمثل كل المغرب، لكنه يمثل جزءا منه بكل تأكيد.

ما أبرزه الفيلم لا يلصق النقائص بالمغرب، ولا بد هنا من وضع مسافة بين الوطنية التي وصفها صاحب المقال في الاستهلال بـ "حقيقية" أو "صادقة" عند الحديث عن عسلي من جهة و"الشوفينية" على وزن "المغرب أجمل دولة في العالم" من جهة أخرى.

لا يمكن لمغربي أن يزايد على مغربي آخر في وطنيته ولا بد لكل مواطن أن يتمسك بواجب المواطنة في النظر برؤية نقدية لبلاده هذه الرؤية النقدية هي الكفيلة بالتغيير الاجتماعي بشكل متحضر .

بالطبع لا يمكن، انطلاقا من الفيلم فهم أن المغربي هو "ذلك الإنسان السلبي الذي يتمرد ضد تقاليده ويقبل بأخرى بكل تسيب وعفوية سلبية".

والمثير في هذا التوصيف هذا التعداد للكلمات المعبرة عن السلبية، كما أن الحديث عن "أيادي خفية" تريد زرع "نموذج" معين في شبابنا، يشير إلى تجذر فكر "المؤامرة" عند بعض حاملي الأقلام المغاربة، في المقابل لا يمكن نفي أن الفيلم يسيء إلى المقدسات الدينية أساسا، وهذا لا يشكل خطرا لا على الشباب المغربي ولا عموم المغاربة ولا يمكن أن يزعزع عقيدة المسلمين، كان من باب أولى أن يترك للجمهور الحكم على الفيلم، والبقاء للأصلح، وربما هذه "الضجة" ستساعد الفيلم أكثر مما تحد من نجاحه التجاري.

فها هو الآن يقدم على أنه ضحية إرهاب فكري في المغرب ويختم صاحب المقال كلامه بالعودة إلى "السُّلَط" الفكرية والفنية من أمثال شكسبير وإيزنشتاين وبرناردشو ليقول إن "الفن ليس هو نقل للواقع بحرفيته، بقدر ما هو إعادة الإنتاج لذات الواقع في قالب جميل، ويلقن محمد عسلي طلبته ) كذا! ومن أدراه بذلك؟( أن الفنان الحقيقي هو الذي ينقل أحداثا مؤلمة في قالب جمالي عال".




تابعونا على فيسبوك