فيلم مشترك مغربي إسباني

ماريا وعسو بين الزواج المختلط وحدود التسامح

السبت 04 فبراير 2006 - 13:39
لقطة من فيلم مارياوعسو

قدمت القناة الثانية ليلة الثلاثاء الماضي ضمن برنامج "سينيستار" الفيلم التلفزيوني "ماريا وعسو" وهو إنتاج مشترك، الأول من نوعه، بين القناة الكطلانية "تي في 3 " والقناة الثانية "دوزيم".


لا تتعدى مدة الفيلم ساعة وعشرين دقيقة، وهو ما يشي بأن من كتبا السيناريو وهما تيريزا فيرلارديل وميكيل كاسامايور وأيضا المخرجة سيلفيا كوير لم يرغبوا في أي حشو في الفيلم.

الفيلم كان من بطولة ماريولا رويز في دور ماريا ويونس بشير في دور عسو
وقامت بدور أم عسو الفنانة مليكة العمري، فيما قامت بدور الأختين الطاهرة وفاطمة، وهما دوران صغيران في العمل، كل من سامية أقريو ونورا الصقلي على التوالي
عسو شاب مغربي يعيش في إسبانيا يُقتل في بداية الفيلم من طرف أحد الشبان العنصريين بصحبة أصدقائه.

كان عسو قد نجح في عمله في فرن وقرر اقتناء فرن خاص به, فُجعت في موته زوجته ماريا الشابة الكطلانية التي كانت قد تزوجت منه، بعد علاقة حب جمعتهما في المغرب عندما كانت في رحلة تتعلم فيها اللغة العربية وهي اختصاصها في دراستها الجامعية
قررت ماريا أخذه معها إلى إسبانيا رغما عن أمه التي كانت ترى فيه مُعيل الأسرة بعد وفاة والده وخصوصا ليقوم بدور المسؤول عن البيت الذي لم كن يضم غير النساء : الأم والأختان.

كان عسو قد شرع في طريق الزواج من إحدى بنات قريته، وكان لا ينتظر إلا الغد للاتفاق مع والدها على الصداق, لكن ظهور ماريا في هذه اللحظة غير كل شيء.

بعد إلحاحه على أمه وإلحاح ماريا أيضا دون جدوى، لم يستطيعا سوى "الفرار" إلى إسبانيا دون استئذان الأم ,في الضفة الأخرى من المتوسط تزوج الحبيبان وأنجبا طفلين
سمى عسو بنته البكر "نيكول" وسمت ماريا ابنها الصغير "إبراهيم".

كان ذلك انفتاحا منه على ثقافة زوجته وكان ذلك اختيارا من الزوجة لأن إبراهيم هو النبي الذي يجمع بين الديانات السماوية الثلاث ويحظى فيها جميعا بالحب والاحترام
عاش عسو مع ماريا وابنيه سعيدا إلى أن تخطفه الموت من بينهم على غرة.

حاولت ماريا الاتصال بأسرته بالمغرب لكن الأم كانت تعتبرها مسؤولة عما وقع
ألقي القبض على أنطونيو خيمينو الجاني وفي محاكمة كالمسرحية توبع بتهمة القتل الخطأ عوض الاغتيال بدوافع عنصرية.

لم تستطع ماريا إثبات أن الجاني قال عند قتل عسو، وهو ما شهد به صديقه ابن الشرطي الذي سيختفي أثناء المحاكمة، "مغربي أقل".

كانت المحاكمة مهزلة رفضتها ماريا وقامت بدعوة أصدقائها والجالية المغربية والمسلمة للتظاهر احتجاجا على ما وقع.

لم يساندها إلا صديق عسو حميد وزوجته عائشة ووالدها وابناها ونسبة قليلة من المشاركين بينهم إمام واحد فقط.

فسر الفيلم ذلك بأن ماريا غير مسلمة وكان ذلك موضوع نقاش قصير بين حميد وزوجته حول وصايا الإسلام بالأرامل بغض النظر عن دياناتهن.

بعد ذلك عرفت ماريا مرحلة اكتئاب خطيرة تركت فيها عملها وابنيها تحت مسؤولية والدها الذي لم تعد تسعفه مداخيل مكتبته.

لكن كلمة قصيرة من ابنتها جعلتها تخرج من حزنها فقد سألتها هل تريد أن تموت كما مات والدها ثم تختم "لا تموتي رجاء" صُدمت بما سمعت وقررت اللجوء لخدمة طبيبة نفسانية وهو ما كان إلى أن استعادت حيويتها وشرعت من جديد في "نضالها" من أجل نقل جثمان زوجها القتيل إلى المغرب.

في البداية رفض القنصل المغربي طلبها بل رفض استقبالها قبل ذلك رفض طلبها بدعوى أن الجثمان لمواطن إسباني.

ردت عليه بأنه في الأصل مغربي فسألها هل بإمكان المغرب أن يتحمل تكاليف كل الجالية المسلمة في النهاية سيقبل السفير المغربي، باسم الملك، تحمل تكاليف نقل الجثمان
ستصاحبه ماريا وابناها إلى مثواه الأخير بالمغرب.

ترفض أن يكون قبره كباقي القبور وتطالب بصنع شاهد رخامي رغبت في أن تكتب عليه "هنا يرقد الابن البار لسيدنا إبراهيم" رمزا للتسامح بين الأديان.

الفيلم في الواقع وثيقة جميلة ومؤثرة تعتمد على وقائع حقيقية جرت فقط في سنة 2004 وهو عمل متكامل لم تؤثر فيه كثيرا النقائص المرتبطة بالترجمة.

وهي نقائص تظهر في اختيار بعض الكلمات غير المناسبة في الثقافة الإسبانية
فليس معقولا تماما أن تترجم الشرطة بـ "أصحاب الحال" مثلا .

لكن الفيلم جيد إجمالا ورسالته قوية وحبذا لو شاهده كل "حليقي الرؤوس" و"النازيون الجدد" و"العنصريون" الذين يسفكون الدماء بدون وجه حق.

كان الفيلم كبيرا في دراماه، وفي تصويره وجودة السيناريو,من شاهد الفيلم لا يمكن أن ينسى ما قالته "نيكول" ابنه عسو ومارية ردا على جدها عندما قال لها إنها أصبحت كبيرة "لا أريد أن أصبح كبيرة" وانطلقت تعدو نحو البيت.

رفضت الطفلة حياة الكبار حولها كبار تنتهي حياتهم بالقتل أو العذاب من أجل من قُتل
ولا يمكن أيضا نسيان ما قاله عسو لماريا وهما في المغرب قبل الرحيل إلى إسبانيا
قال لها إنه يكره الأحلام التي لا تتحقق وأنه يحلم بشراء سيارة حمراء لأنه يحب اللون الأحمر.

شددت ماريا على هذا اللون في تعقيبها عليه, ولا بد بعد هذا من ربط هذا الحديث بالنهاية الدموية لعسو والانفصال القهري بين حبيبين لم تفصل بينهما الاختلافات الثقافية ولا المسافة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وفصت بينهما الكراهية والعنصرية.




تابعونا على فيسبوك