تقديم الهدايا بحلول السنة الجديدة

تضخ دماء الثقة عند المتلقي وتشعر المانح بأهميته

الثلاثاء 19 دجنبر 2006 - 11:47

لم يجد المحلل الاجتماعي الأميركي سكيتوفسكي في منتصف السبعينات أصدق من مثال تقديم الهدايا لتفسير رؤيته حول الفرق بين مصطلحي المتعة والراحة،

إذ قال في هذا الشأن بأن اللحظة التي يجري فيها تقديم هدية، بصرف النظر عن قيمتها، لشخص ما، هي نفسها التي يحس فيها الطرفان بالمتعة، على أساس أن اللحظات التي تلي تلك المبادرة هي ما يمكن نعتها بأوقات الراحة

وأضاف سكيتوفسكي بأن لحظة المتعة، وإن كانت مدتها الزمنية قصيرة بطبيعتها، فإنها تظل المنطلق لضمان فرص أوفر مستقبلا، لذلك فإنه من الخطأ، والقول للمحلل الاجتماعي، الاعتقاد بإمكانية بلوغ لحظات الراحة دون عيش لحظة المتعة، سواء من خلال الحرص على استغلال كل أسباب وجودها، أو العمل على تهيئة الظروف لخلقها

وتظل مناسبة حلول السنة الجديدة من المواعد الرئيسية على مدار العام، لتأكيد كل طرف للآخر استعداده لحمل كل حدث سيء عاشه العام السابق إلى ذاكرة النسيان، وعزمه على استقبال السنة المقبلة برغبة أكبر في فتح صفحة جديدة

تقول عائشة، 64 سنة، ربة بيت أعتقد بأن عادة تقديم الهدايا عموما بين الأزواج بعيدة عن تقاليد مجتمعنا، واعتقادي هذا ليس نابعا من تجربتي الشخصية فحسب، وإنما تبعا لما ألاحظه كذلك حولي، إذ وإن سلمنا بكون هذه الأمور غريبة بطبيعتها عنا نحن أزواج الستينات، فإن الحكم ذاته يمكن إصداره عن أبنائي سواء الرجال منهم أو النساء«، وتستطرد عائشة موضحة »لم أسمع قط بأن إبني الذي تزوج منذ خمس سنوات أنه قدم هدية لشريكته، أو تسلم منها تذكارا بمناسبة ما، كما أن إبنتي ذات الثلاثين سنة لم تخبرني يوما برغبتها في تقديم هدية لزوجها، أو أنهما اتفقا معا على إحياء مناسبة خارج البيت أو حتى داخله وتبادلا خلالها الهدايا، وصباح هذا اليوم زرت ابنتي وتناقشنا في مواضيع كثيرة من بينها اقتراب حول السنة الجديدة، لكن دون التطرق للهدايا أو نحوها«، وتستدرك المتحدثة قائلة »ما قلته لا ينفي وجود أزواج في بلدنا مواضبين على هذه العادة، لكن نسبتهم قليلة وتكاد تختفي وسط الكم الهائل من غير المقتنعين بهذا التقليد أو فاقدي الظروف الملائمة لممارسته

وفي الإطار عينه، تقر عائشة بدور مثل هذه السلوكات في حقن العلاقات الإنسانية عموما بدم التوافق والانسجام، مشيرة إلى أن الوقت الحاضر يفرض أكثر من غيره على الأفراد تزكية روابطهم ببعض المبادرات الإيجابية من هذا القبيل في مواجهة الضغوطات التي أصبحت سمة الحياة اليومية الراهنة، على عكس ما أسمته »أيام زمان« التي لم تكن في حاجة إلى إضافات بروتوكولية، إذ كانت سعيدة ومتينة بطبيعتها، زادها الحب المتبادل وخلو النوايا من أية أطماع أنانية

وتشدد كريمة ترمن، 23 سنة، على ضرورة عدم تفويت مناسبة حلول رأس السنة بالخصوص لتأكيد مشاعر ودها لمجموعة ممن تربطها بهم علاقات خاصة، معتبرة تقديم الهدايا في هذا الموعد من السنن المحمودة، التي يجب الحفاظ عليها في سبيل قطع الطريق على أي سبب من شأنه أن يسئ لروابطنا الاجتماعية »لا أتصور معنى لبداية سنة جديدة دون أن يكون مقرونا بتقديم هدايا تؤرخ لهذه النقلة الزمنية، لأن مجرد إحساس الفرد بكونه مستهدفا بالتهنئة يشعره بقيمته الإنسانية كمكسب عام من جهة، وتمكنه من مكانة خاصة لدى الطرف الآخر من جهة ثانية، ولا أهتم في هذا الموضوع بقيمة الهدية فيكفي أن تكون وردة حمراء بخمسة دراهم لتفوق عندي ملكوت الدنيا، كما أنني لا أعير اهتماما للمناسبة في حد ذاتها، بل أكون سعيدة أكثر حين أتسلم هدية دون مناسبة معينة«

وتفيد خديجة، 32 سنة بخصوص تجربتها الخاصة »أقف وشريكي خلال شهور السنة عند ست محطات ننعش بها حياتنا الزوجية، وهي مناسبة رأس السنة الميلادية ونظيرتها الهجرية، ثم تاريخي ميلادينا وتاريخ موعد زواجنا وأخيرا مناسبة عيد الحب«
ولم تشأ خديجة تعيين قيمة تلك الهدايا أو نوعيتها، واكتفت بالتأكيد على أن الأهمية لا تكمن في سعر ما يلفه ورق الهدايا، وإنما في لحظة التسليم والتسلم كدافع لتقوية الصلة وموقد لفتيل الأمان التعاقدي

ومن جهتها تقول سلوى، 35 سنة، »مرت حوالي ثلاث سنوات ونصف على زواجنا، تسلمت خلالها أربع هدايا من زوجي، وكانت كلها في السنة الأولى، قبل أن تتلاشى هذه الفكرة من مفكرته مع مرور الأيام والشهور«، وتضع سلوى حدا فاصلا بين فترة خطوبتها والمدة التي مرت لحد الآن على زواجها، إذ تعجز، بحسبها، عن إحصاء عدد المواعد التي تلقت خلالها التهانئ أو المناسبات التي حملت خطيبها آنذاك على تحين الفرص لمفاجأتها بهدية ما

ويصنف فؤاد الجندي، محلل نفساني، مسألة تقديم الهدايا ضمن الحوافز التي تسمو بالمشاعر الإنسانية إلى أعلى مستوياتها، وتعمل على ضخ دماء الثقة في الشخص المتلقي بالخصوص، كما تشعر الطرف المانح بأهميته الوجودية

وحذر الطبيب المختص في الصدد ذاته من تراجع أحد الزوجين أو كلاهما عن عادة تقديم الهدايا بعد أن دأب على ممارستها، لأن من شأن هذا التخلف، يقول الجندي، أن يزرع بذور الشك في نفسية الشريك الآخر »كثيرا ما نلاحظ بأن الرجل أو المرأة يهتم بهذه الأمور في فترة الخطوبة أو السنين الأولى من الاقتران الشرعي على أكبر تقدير، ثم يختفي ذلك الحماس في ما بعد، ولهذا السلوك تداعياته السلبية، إذ يصبح كل طرف في حديث دائم مع نفسه عن الأسباب التي حدت بشريكه إلى عدم مواصلة ذلك التقليد، وهو الأمر الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى فقدان الثقة في الذات والاعتقاد، بأن شيئا ما إيجابي فقده أو شيئا سلبيا اكتسبه كان وراء تجاهل شريكه لتذكره بهدية ما، علما أن السبب لا يعدو أكثر من تحصيل حاصل خال من أي خلفيات معينة«




تابعونا على فيسبوك