تعج المحاكم بالعديد من حوادث متعلقة بالخادمات، معظمها يتضمن قضايا جنائية، بسبب التعذيب المفضي في حالات عدة إلى عاهات مستديمة
ذلك في خضم حكايات غريبة ومثيرة، تبتدئ في أغلبها بوساطة مافيا تجارة الخادمات، وتنتهي بالاغتصاب والتعذيب والإهانة والحرمان
إنها ظاهرة ناتجة في طبيعتها عن الفقر والعوز الذي تعيش فيه أسر عديدة، الشيء الذي يدفعها مرغمة إلى اقتلاع أطفالها من أحضانها وتجريدهم من طفولتهم واتخاذهم موارد لكسب قوت اليوم
ورغم تناسل هذه الحكايات وتعاظمها وتحسيس العديد من الجمعيات الوطنية والدولية بهول الكوارث التي يتسبب فيها التشغيل غير المنطقي والمقنن للخادمات، تعرف الظاهرة خطا تصاعديا، مما يبرز ضعف وانعدام المقاربات المنمدجة التي تتناول قضية الخامات من أصلها
فما دامت هناك أزمة اقتصادية واختلال اجتماعي فج، فطبيعي أن تولد من رحم ذلك، السموم التي تغذي الظاهرة، وتجعلها أكثر انتشارا، فالفقر والأمية والتخلف، ثالوث خطر، وبالتالي فالوقوف في وجه هذا الزحف الأعمى للظاهرة، يتطلب الإسراع في استصدار قانون ينظم تشغيل الخادمات، ويضبط شروطا لذلك، حماية لكرامة هذه الشريحة الاجتماعية، بإقرار قوانين زجرية وتفعيل الفصل الخاص بتحديد الحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال، طبقا للفصل 143 من مدونة الشغل
وبهذا الخصوص يقول الدكتور عبد الرزاق مونيس، إن فئة خادمات البيوت، »لم تكن خاضعة لأي تشريع خاص يضبط العلاقات التي تربطهن بالمشغلين، وإنما ظلت محكومة بقواعد عامة لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه العلاقة وآثارها في الوقت نفسه، وخاصة أن أغلب أفراد هذه الفئة تتشكل من فتيات تقل أعمارهن عن 15 سنة«
وأبرز الدكتور عبدالرزاق مونيس، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، في تصريحه لـ »المغربية«، أنه تكريسا للحقوق التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل، ومنها الحق في تلقي تعليم يضمن له على الأقل متابعة دراسته في الطور الابتدائي وحمايته من الاستغلال الاقتصادي وعدم خضوعه لأي عمل، من شأنه أن يؤثر على صحته ونومه العقلي والجسدي، فقد بات من الضروري يقول محدثنا وضع إطار قانوني ملائم يضبط علاقة الشغل بين الخادمة وصاحبة البيت، وسن قانون يحدد سن القبول بالشغل، والحد الأدنى للأجر، وشروط تشغيل خادمات البيوت، وكذا أيام راحتهن وعطلهن السنوية بما فيها أيام الأعياد الوطنية والدينية، وذلك لتوفير حماية لهذه الفئة من الأجراء بصفة عامة والفتيات القاصرات بصفة خاصة«
فالسير على تطبيق هذه القوانين، يقول مصدرنا، »من شأنه إلى حد ما، جعل سلطة القانون حاضرة في التعاملات مع الخادمات، وقادرة على الحد من تنامي الحوادث الإجرامية في أوساطهن، خصوصا أن مسألة منع تشغيل الخادمة في وقتنا هذا، يبدو في سابع المستحيلات، وبالتالي ـ يضيف الدكتور مونيس ـ أن هذا التسخير والاستغلال، يجب أن ينبني على مقاربة الحقوق بالواجبات«
ويبقى السؤال المطروح، حول ما إذ تم إخضاع هذه النوعية من الخدمة لمنطق دفتر التحملات، هل سيكون بالإمكان خلق سلم اجتماعي بين الأسر والخادمات؟ بالطبع لا، لكون وفرة العرض، ستجعل القانون مغيبا من طرفي العملية، فمن لا يرضى من الخادمات، بالأجر الهزيل والشروط المجحفة، هناك أخريات لا يهمهن سوى أن يجدن مأوى ولقمة عيش، وهذا ما يطرح من جديد، أهمية المعالجة البنيوية للظاهرة، عبر إبطال مفعول مسبباتها
وعن ذلك، تقول السعدية خادمة، »لقمة العيش حارة، والفقر صعيب، وما على اللي بحالي إلا حدير الراس، وما عند الميت ما يقول قدام غسالو«، وأبرزت السعدية في بوحها لـ »المغربية« أن أسرتها زجت بها لدى إحدى الأسر بمدينة الدار البيضاء في سن السادسة، تعرضت فيها لشتى أنواع التعذيب، في مختلف البيوت التي تنقلت عبرها، لكن ظروف أسرتها، عودتها على التكيف مع طبيعة مشغليها، من أجل توفير مستلزمات العيش لوالدها المريض ووالدتها التي لا تقوى على الشغل
واعتبر أحمد الوابري، أستاذ في علم الاجتماع، أن هذه الصنوف من العذاب المعنوي والجسدي الذي يطوق حياة هذه الخادمات، يجعلهن يعانين عقدا نفسية، فمن هذه الخادمات، من يمارسن بدورهن التعذيب على أطفال مشغليها، أو السرقة أو غيرها من السلوكات التي تنم عن عداء مبطن لوضعهن
وهذا ما ذهبت إليه إحدى الخادمات بالدار البيضاء، طلبت عدم ذكر اسمها، حيث أكدت أنها جد عصبية ومتوثرة في الكثير من الأحيان، مما يدفعها إلى المغالاة في بعض التصرفات اتجاه أطفال مشغليها، ومحاولة ممارسة نفس التعنيف عليهم، فيما يشبه انتقام مبطن
الشيء نفسه تحدثت عنه بشرى خادمة، بقولها، إنها تشعر بـ »الحكرة« والحنق عندما ترى أبناء مشغليها يذهبون ويأتون من وإلى المدرسة، ويلعبون بدون أي مركب نقص، مما يضطرها في بعض المرات إلى خلق بعض المواقف المثيرة والخطيرة، قصد بث الرعب لدى مشغليها، كأن تنقل أخبارا كاذبة أو تثير الشكوك بين الزوج وزوجته، وغيرها من المكائد المدروسة
وأبرز الأستاذ الوابري، أن الجنوح إلى هذا السلوك المنافي للأخلاق والقيم، »هو ثورة على الواقع المعيش وانقلاب على المألوف، ويكون أكثر حدة لدى الخادمات اللواتي، يكن قد حرمن منذ صغرهن من التمدرس، ومارسن بعنف الخدمة«، وشدد محدثنا، على ضرورة أن تنكب الجهات الوصية على إدماج هذه الشريحة المحرومة من الحنان ومن التعليم في الحياة الاجتماعية وجعلها تشعر بإنسانيتها التي سلبت منها منذ صغرها
وحتى إذا سلمنا بضرورة التعاطي الإيجابي مع هذه »المهنة«، التي أصبحت تفرض نفسها في مثل ظروفنا ووضعية موظفينا، الذين هم في حاجة إلى مساعد على تحمل أعباء البيت وتربية الأبناء، فهذه الضرورة تقتضي أن يوازيها اشتغال على مستوى شكل ومضمون هذه المهنة، أي أنها يجب أن تكون محددة في الفئة العمرية المخول لها ذلك، وأن تضمن كامل الحقوق المعمول بها في المواثيق الدولية، وتشعر الخادمة بأنها تضطلع بواجب مهني، يجب أن تتوفر على الكفاءة اللازمة لامتهان ذلك، من تعليم في المستوى المطلوب وبيداغوجية فاعلة في التسيير وغيرها من الآليات التي يمكن بدورها أن تعطي للخادمة قيمة معنوية ومادية، وهذا ما يمكن أن يساهم في إعطاء مفهوم دقيق لعمل الخادمات، ولم لا إحداث مراكز للتكوين في مجال هذه المهنة الخدماتية، حتى تصبح بالفعل إطارا عمليا له مقوماته وشروط ولوجه، وهكذا يمكن أن نحد من الفوضى والارتجالية التي تعم هذا المجال، ونظمه ونجعله مساهما فعليا في التنمية
فالخدمة في المنزل وتربية الأبناء مسؤولية، من المفروض أن نتعامل معها كضرورة حياتية ترهن مستقبل الأجيال
انظر ملف خدمات المنازل