خلال انتخابات اكتوبر 2002، اعتمد المغرب نظام الكوطا لضمان تمثيلية للمرأة في البرلمان، وكانت هذه المبادرة نتيجة مرسوم ملكي يترجم إرادة سياسية
وخصص 30 مقعدا للنساء كحد أدنى، وفازت النساء بخمسة وثلاثين مقعدا، في حين لم يكن يزيد تمثيل المرأة المغربية في انتخابات 1997 عن عنصرين
ومكنت الكوطا المرأة من إبراز أهميتها وفعاليتها، إذ حققت نسبة متواضعة من المشاركة في الإدارات الحكومية وبعض مواقع صنع القرار
مع ذلك يبقى معدل نسب تمثيل النساء في البرلمان دون المستوى المطلوب، ويبقى البحث ساريا عن الميكانيزمات التي تمكن من توسيع نطاق مشاركة العنصر النسائي في المراكز العليا
ويرى بعض المحللين السياسيين، أن هناك تمييزا بين النواب والنائبات من طرف بعض المسؤولين، على اعتبار أن انتخابهن جرى على المستوى الوطني وليس المحلي، وبالتالي لاحق لهن في الدفاع عن المشاكل المحلية
وهذا خطأ في التحليل والرؤية، لأن اللائحة الوطنية جرى التصويت عليها في كافة الدوائر الانتخابية، وبذلك تكون النائبات المنتخبات عن طريق اللائحة الوطنية انتخبن وطنيا، الشيء الذي يمنحهن الحق في الدفاع عن القضايا المحلية
وحسب قولهم، هناك حركية سياسية وطنية وتطورات على المستويين المؤسساتي والتشريعي، وفي أسلوب التعامل مع المطالب والقضايا، إلا أنهم لاحظوا عدم الاعتراف بالمرأة كعنصر منافس
بل إن الانتخابات الجماعية الأخيرة أظهرت استمرارية سياسة الإقصاء والتهميش
فمثلا، عدد المستشارات الفائزات في الانتخابات الجماعية الأخيرة بلغ 127 مستشارة فقط من أصل أكثر من 20 ألف مستشار، أي أن النسبة لاتتجاوز 0.34 في المائة
في دارسة تحليلية لنتائج انتخابات سبتمبر 2002، أبرز الأستاذ الباحث، محمد ضريف، أنه أثناء إعداد القانون الانتخابي، كان هناك اختلاف عميق بين الفاعلين السياسيين، فالأحزاب السياسية المشكلة لحكومة التناوب كانت تدافع عن ضرورة توفير نسبة لتمثيلية نسائية داخل مجلس النواب، وذلك بتخصيص قائمة وطنية للنساء انطلاقا من إعمال مبدأ التمييز الإيجابي، غير أن أحزاب المعارضة وعلى رأسها العدالة والتنمية، كانت تمانع في قبول الفكرة باعتبارها هدرا لحق المرأة، وأضاف ضريف أنه رغم أن القانون الانتخابي خصص قائمة وطنية تضم 30 عضوا، فإنه لم يقصرها على النساء لمخالفة ذلك للفصل التاسع من الدستور المغربي، الذي يساوي في الحقوق السياسية بين المرأة والرجل، غير أنه حدث توافق سياسي ضمني بين الأحزاب السياسية بتخصيص تلك القائمة الوطنية للنساء فقط
وأشار ضريف في تحليله إلى أنه كان مؤكدا دخول 30 امرأة إلى مجلس النواب الجديد
وجرى توزيع النساء حسب انتماءاتهن السياسية، إذ هناك خمس نساء من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأربع نساء من كل من حزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، امرأتان من الحركة الوطنية الشعبية، والاتحاد الدستوري، والحزب الوطني الديمقراطي، وجبهة القوى الديمقراطية، وحزب التقدم والاشتراكية، في حين هناك امرأة واحدة من الاتحاد الديمقراطي
واستنتج ضريف في تحليله أن هناك 35 امرأة في مجلس النواب، بنسبة تمثيل من الناحية الشكلية تصل إلى 11 في المائة، لكن هذه النسبة في الحقيقة لا تتجاوز 2 في المائة، إذا ما نظرنا إلى التمثيل النسائي من زاوية النتائج التي أفرزتها القوائم المحلية، مبرزا أن تخصيص قائمة وطنية للنساء ودخول 30 امرأة إلى مجلس النواب الأخير، لا يعني تمثيلا نسائيا "كاملا مادام أن التنافس لم يكن إلا بين نساء
وقال إنه كان ينبغي لتحديد حجم التمثيل النسائي، التعرف على نسبة الترشيحات النسائية في اللوائح الوطنية التي كانت جد محدودة
فمن بين 5873 مرشحا، ترشحت 266 امرأة، ومن بين 1772 وكيل قائمة لم ترشح إلا 26 امرأة كوكيلات للقوائم المحلية، أي أن نسبة الترشيحات النسائية لم تتجاوز 5 في المائة
ولم تفز في اقتراع 2002 ضمن القوائم المحلية إلا خمس نساء، اثنتان من حزب الاستقلال، واثنتان من حزب العدالة والتنمية، والخامسة من الاتحاد الدستوري
ويتفق المحللون السياسيون على أن المغرب منخرط في القوانين المنظمة للفعل السياسي، كما وقع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، التي تنادي بحق المرأة في مجاراة الرجل في شتى المجالات الحيوية
وتشير الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للنساء لسنة 1950 في مادتها 2، أن لهن الأهلية في انتخاب الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام, والمنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون تمييز
وبدورها الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية تنص في المادة 25 على ما مفاده،أن لكل مواطن حق المشاركة في تسيير الحياة العامة مباشرة، أو عن طريق ممثلين مختارين
في حين أن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء لسنة 1979، تعطي في مادتها 7 للنساء »الحق في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي تنتخب أعضاءها بالاقتراع العام، والمشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة وفي شغل الوظائف العامة«
ويجمع المحللون السياسيون على أن الحديث حول موضوع التمثيلية النسائية في المؤسسات السياسية، له ارتباط بالنقاش الدائر أخيرا حول مطلب رفع هذه النسبة إلى الثلث
ويؤكدون أن السؤال المطروح حاليا، يتعلق بمسألة اعتبار هذا المطلب آلية حقيقية للتداول الديمقراطي
واهتم المشاركون بأهمية معرفة إلى أي مدى تتبنى الأحزاب السياسية قضايا مشاركة المرأة، سواء داخل الحزب في المناصب القيادية، أو من خلال ترشيحه لها على رأس القوائم الانتخابية
ويعتبر أغلبية الباحثين أن الكوطا وسيلة لاستدراك النقص الحاصل في مشاركة المرأة في تجارب لدى دول أخرى
ويرون أن هناك أمورا أهم من الكوطا تكمن في تقييم المشاركة الفاعلة للمرأة
وتشير العديد من الدراسات في موضوع مشاركة المرأة في العمل السياسي إلى أن حضور العنصر النسائي ضعيف نسبيا على الساحة السياسية، ويرجع ذلك بالأساس إلى عزوف غالبية النساء عن ممارسة العمل السياسي، واهتمامهن أكثر بالعمل في الميدان الجمعوي
وتطالب مجموعة من المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية ببذل المزيد من الجهود من أجل تكريس مساهمة المرأة في الورشة السياسية الوطنية، واحتلالها لمراكز قرار عليا
وجرى كذلك الحث على التفكير في الآليات والكيفية التي تجري بواسطتها محاربة كل أشكال الإقصاء والحيف تجاه المرأة، والاعتراف بكفاءاتها المتميزة
وترى هذه الجمعيات أن تطور وضع المرأة السياسي مرتبط بالتطور الديمقراطي، وأن الحديث عن التمثيل السياسي للمرأة في الهياكل المنتخبة لا ينفي دورها المهم في الأسرة والتربية
كما ذكرت أن تخصيص 3/1 من المقاعد في البرلمان المغربي للنساء، سابق لأوانه ويجب أن يكون تدريجيا ويستجيب لمتطلبات مجتمعية، مشيرة إلى أن نسبة تمثيلية المرأة في المؤسسة التشريعية بغرفتيها لا تتعدى 10 في المائة أو 12 في المائة
ويرى المحللون أن الانتخابات في الدول الديمقراطية تعني المفاجأة، ولا يمكن التكهن بالنتائج
وتتنبأ بعض الآراء أن الاستحقاقات المرتقبة في 2007 ستجرى في ظرف ضاغط، لا يسمح بالكثير من التجاوزات، وأن مبدأ الكوطا لا يتنافى مع الأهداف الكبرى للديمقراطية، وأنها ضرورة يفرضها الواقع، لكونها من ضمن المقومات التي تؤسس لمجتمع ديموقراطي
لذلك يجب أن تتوفر الدولة على رؤية واضحة في تمثيلية المرأة في البرلمان
وتبرز دراسات أخرى أن الانتخابات، تعد ركنا أساسيا في قيام النظام الديمقراطي، والمشاركة الشعبية، وتحقيق التمثيل السياسي الحقيقي
كما أكدوا أن الانتخابات تمنح للمواطنين الخيارات السياسية للمفاضلة بينها سواء على صعيد الأشخاص، أو البرامج أو الإيديولوجيات، وتقدم الانتخابات الأسلوب العملي الأمثل لتشكيل الحكومات الديمقراطية، من خلال احترام إرادة الشعب في وصول ممثليه للحكم
وأنه بالنسبة إلى المغرب الانتخابات مجال خصب للدراسة والتحليل، وانعكاس مباشر للتفاعلات السياسية التي تعتمل داخل المجتمع في لحظة تاريخية معينة، بمعنى أنها ليست مجرد آلية للتغيير السياسي الدوري فقط، بل وسيلة لتسليط الضوء على الكيفية التي يعمل بواسطتها النظام السياسي وأنماط التفكير المجتمعي، كما تكشف خصوصياته ومشكلاته وعوامل قوته ونقاط ضعفه
وتشكل مسـألة مشاركة المرأة في مراكز القرار، أهم قضايا النقاش في العديد من الملتقيات والندوات
ويستنتج أن التنمية الحقيقية والديمقراطية لا يسهل بلوغها دون مشاركة المرأة، والمطالبة بأنه حان الوقت للرفع من مشاركة المرأة داخل المؤسسات السياسية، مقارنة مع دورها الحقيقي داخل المجتمع والذي تصل نسبته إلى 50 في المائة من حجم السكان
وتفيد دراسات حول الأسباب الحقيقية لضعف نسبة النساء في المجالس المنتخبة، أن حضور المرأة في المؤسسات التمثيلية عرف ضعفا واضحا إن لم يكن غيابا تاما
فالمرأة لم تلج المؤسسة التشريعية إلا سنة 1993 بامرأتين فقط ليستمر هذا الوضع إلى سنة 2002 بسبب التوافق الحاصل بين الأحزاب السياسية حول جعل اللائحة الوطنية مخصصة للنساء فقط، في إطار ما يسمى التمييز الايجابي »الكوطا«، ليعرف البرلمان المغربي وصول 30 امرأة عن طريق اللائحة الوطنية أي عن طريق الكوطا و 5 نساء عن طريق اللوائح المحلية
ويطرح المتخصصون مجموعة من التساؤلات، خاصة في ما يتعلق برفع هذه النسبة إلى الثلث، وخصوصية التجربة الانتخابية بالمغرب ومميزاتها، ومدى إمكانية اعتبارها آلية حقيقية للتداول الديمقراطي على الحكم أو مجرد محطة للتنفيس السياسي وتجديد شرعية النظام السياسي
وهناك التساؤل كذلك عن ما هي أفضل النظم الانتخابية التي تتيح فرصا حقيقية للتمثيلية النسائية من أجل تحقيق عدالة تمثيل المرأة من ناحية، وتفعيل تجربتها من ناحية أخرى، وحول مدى اهتمام الأحزاب السياسية بقضايا مشاركة المرأة وتبنيها لهذا المبدأ، سواء داخل الحزب في المناصب القيادية، أو خارجه من خلال ترشيحها على رأس القوائم الانتخابية